أمريكا تخطط لنقل “داعش” من العراق إلى أفغانستان

لم يعد يخفى عن الخبراء والسياسيين والعسكريين في باكستان عن أن ما يحدث اليوم في أفغانستان من ارتفاع عدد مقاتلي “تنظيم الدولة” في الأشهر الماضية يؤكد أن هناك رسماً جديداً لخارطة جديدة في المنطقة، خلاصتها هو استبدال مقرات “داعش” في العراق وسورية إلى فتح مقرات جديدة لها في أفغانستان.

في هذا الصدد، يقول عدد من قادة الجيش الباكستاني السابقين وقادة الاستخبارات: إن هناك خطة جديدة يجري إعدادها وتقف وراءها أمريكا دون أدنى شك هدفها إبقاء المنطقة متوترة، وتفجير مواجهات على شكل حرب استنزاف حقيقية يجري التحضير لها، ويتوقع أن يتحول صيف 2017م في أفغانستان إلى حار ومرتفع جداً إذا أخذنا بالمعطيات على الأرض، حيث تشير التقارير إلى تجمع كبير لمقاتلي “داعش” أو “خراسان” في الجنوب والشرق والشمال والغرب من أفغانستان، وتشكيلهم لجبهات عسكرية فيها، وحصولهم على أسلحة متطورة وحديثة، وفق ما تشير إليه التقارير الواردة من أفغانستان.

وفي مقابل ذلك، تقوم حركة “طالبان أفغانستان” بإعداد قواتها لمواجهة الوضع الجديد على الأرض، ويخشى أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة في أفغانستان، وسيكون الأفغان العزل الضحية الرئيسة في أي تفجر للمواجهات التي قد تحصل بين “داعش” و”طالبان”.

تحويل أفغانستان إلى معقل جديد لـ”تنظيم الدولة”

ويقول رئيس أركان الجيش الباكستاني السابق الجنرال أسلم بيك: هناك مخطط إرهابي خطير تعد له المخابرات الأمريكية في أفغانستان، يتمثل فيما يلي:

توفير ملاذ آمن لمقاتلي “داعش” الفارين من العراق وسورية وتجميعهم في أفغانستان، بصفتها تقع تحت الاحتلال الأمريكي، وفي رأي الجنرال فإن أمريكا قامت بنقلهم إلى أفغانستان عبر منافذ مختلفة منها إيران وتركيا وبراً وبحراً، ولا تريد أن تنتهي مهام تنظيم “داعش” بهذه السرعة، وأنها ترغب في نقله إلى منطقة أخرى ليواصل تحقيق ما يريد الأمريكيون أن يحققوه منه.

ويضيف بيك أن الأمريكيين ربما يكونون قد وجدوا ضالتهم في مقاتلين من الأكراد في سورية ليعوضوا بهم غياب مسلحي “داعش” ويستخدمونهم في تحقيق الأهداف نفسها التي حاولوا تحقيقها من قبل، فهناك استبدال لمرتزقة بمرتزقة آخرين ومليشيات مأجورة بمليشيات مأجورة أخرى لا غير.

وبحسب بيك، فإن الأمريكيين بقرارهم نقل هؤلاء المرتزقة من سورية والعراق يقوم على حسابات سياسية وعسكرية في المنطقة، وأن الأمريكيين بعد شعورهم بعدم القدرة على القضاء على حركة “طالبان” التي صمدت في وجوههم منذ عام 2002 إلى عام 2017م، وما زالت مستمرة إلى اليوم، باتوا يبحثون عن مليشيات يستعينون بها تكون من نفس فكر “طالبان” وبنفس قوتها وسطوتها لاستخدامها في حرب استنزاف؛ لأنهم لا يريدون أن يأتوا بقوة مسلحة لتحتل مكانة “طالبان” وتكون بديلاً عنها، بل يريدون تفجير حرب استنزاف تشبه ما جرى تجربته في سورية بعد أن نجحوا في استخدام مقاتلي “داعش” ضد “الجيش الحر” السوري منذ عام 2013م، ونجحوا في تغيير الخارطة السورية، وحولوا “داعش” إلى إحدى أقوى المجموعات المسلحة، رغم أنها لم تتمكن من أن تستولي على الجميع، لكنها استخدمت لمهمة إرهاق المجموعات الأخرى، وعلى رأسها الجيش الحر وإضعافه.

وتابع بيك أن الأمريكيين سيعيدون الكرة في أفغانستان، وسيستخدمون مقاتلي “داعش” والمرتزقة الفارين من العراق وسورية في حرب جديدة ضد “طالبان”، وسيمكنونهم من الحصول على الأسلحة والمدافع والصواريخ، وسيضعون تحت تصرفهم ثكنات بأكملها تحت مسرحية استيلائهم على مراكز للجيش الأفغاني كغطاء لجعلهم يحصلون على السلاح المتطور دون أن يشك فيهم أحد، ويتهمون بأنهم يسلحون من قبل الأمريكيين والقوات الأفغانية التي هي المستفيد الرئيس من تنامي هذا التنظيم على حساب “طالبان”، وبهذه الطريقة سيسهلون عليهم الاستحواذ على معاقل “طالبان” في الجنوب والشرق والغرب، ويغرقونهم في مواجهات عنيفة، وبهذا ستضعف “طالبان” كما ضعف الجيش الحر السوري، وسيتشرذم مقاتلو “طالبان”، وسيجدون أنفسهم موزعين بين باكستان وإيران وغيرهما، ومن خلال هذا المخطط سينجح الأمريكيون – كما يرون ذلك – في تغيير الخارطة العسكرية في أفغانستان، وستتحول “طالبان” إلى جماعة مسلحة ضعيفة، وسيتحول مرتزقة “داعش” إلى أكبر تنظيم مسلح في المنطقة يمكن التحكم فيه من بعيد وتوجيهه كما يريدون.

مصلحة أمريكا

وعن مصلحة الأمريكيين في تحقيق هذا المخطط وهدفهم منه، يقول بيك: إنه يتمثل فيما يلي:

– منع قيام حكومة إسلامية قوية في أفغانستان؛ لأنها تخشى في حال نجحت “طالبان” في العودة إلى الحكم أن تمثل خطراً كبيراً على مصالحها في المنطقة، وتشجع الجماعات الإسلامية في دول الجوار على التحرك واستنساخ تجربة “طالبان” في تأسيس حكومات إسلامية قوية في المنطقة؛ وهو ما سيشكل خطراً كبيراً على مصالحهم في المنطقة وعلى قواعدهم العسكرية؛ وهو الأمر الذي لن تسمح به أمريكا، وستعمل بكل الوسائل لمنعه والتصدي له، وتحت هذا الإطار سيستخدمون كل وسائلهم المشروعة وغير المشروعة من أجل منع سقوط الحكومة الحالية.

– الهدف الآخر للأمريكيين بهذه الخطة هو تعريض أمن كل من الصين وروسيا وباكستان للخطر؛ بسبب بنائها عشرات القواعد في أفغانستان، والشروع في عمليات تجسس على هذه الدول، حيث سيمكنها أن تعرض أمنها واستقرارها لخطر كبير، والأمريكيون يدركون أن نجاحهم في البقاء في أفغانستان اليوم وتقوية حلفائهم في الحكم سيمكنهم من تحقيق أحلامهم التاريخية في الوصول إلى مناطق يمكنهم من خلالها مراقبة روسيا والصين وباكستان والتجسس عليها بطرق حديثة ومراقبتها بسهولة ويسر.

ويريد الأمريكيون أن يحولوا قواعدهم العسكرية المنتشرة اليوم في أفغانستان تحت معاهدة أمنية بين أمريكا وأفغانستان إلى أوكار للتجسس وجمع المعلومات ومراقبة هذه الدول التي تراهم أمريكا المنافسين الحقيقيين لها والأطراف التي تشكل خطراً كبيراً على انفرادها بالسيطرة على العالم.

– حتى من الناحية الاقتصادية؛ فإن الأمريكيين سيستخدمون قواعدهم في أفغانستان للتصدي لأي تحرك صيني للسيطرة الاقتصادية على العالم، فالأمريكيين يخشون من أن تتحول الصين إلى دولة اقتصادية لا ينافسها أحد، وأنهم بعد إطلاق مشروع “سيباك” الصيني الرائد في باكستان سيجدون ضالتهم في تحقيق حلمهم في التحول إلى قطب اقتصادي الأكبر والأضخم في العالم، وهذا الأمر لن تقبل به أمريكا، وستتصدى له بمختلف الوسائل.

وجهة النظر

ويقول خبراء باكستانيون: إن المعلومات القادمة من أفغانستان وسلوك القوات الأفغانية تجاه “تنظيم خراسان”، الموالي لـ”داعش”، وتغاضيهم عن تنقلات مسلحي التنظيم القادم من العراق ومن دول أخرى وعدم تحركهم ضده في شرق أفغانستان؛ مؤشرات تشير إلى أن هناك أمراً ما يطبخ لأفغانستان من جهة، وسلاحاً جديداً قرر الأمريكيون مع حلفائهم الأفغان اللجوء إليه اليوم لهزيمة “طالبان” ومن يقف وراءها.

وفي رأيهم أن المخطط الجديد هو نوع باللعب بالنار لا غير، وأن السحر قد ينقلب على الساحر، وأن الرهان على تنظيم مكون من المرتزقة قد ينجح في فترة معنية في تحقيق ما يخططون له، لكنه قد يتحول فيما بعد إلى كابوس بما يتركه من آثار خطيرة على الأمن والاستقرار، وعلى مزيد من التفكك والتمزق في المنطقة وسيبقيها غير مستقرة؛ وهو ما يعني أن مصالحهم نفسها ستكون مهددة.

Exit mobile version