حوار مع رئيس هيئة علماء المسلمين بتنزانيا الشيخ سليمان كيليميلي

 يعاني مسلمو تنزانيا كثيراً من المشكلات التي يعاني منها أغلب مسلمي أفريقيا، ولعل أبرزها قضية الحفاظ على الهوية الإسلامية التي يحاول التنصير ومنظمات التغريب إذابتها وتغييبها، حيث يستغلون الجهل والفقر والحاجة للتأثير على الضعفاء والفقراء؛ وهو ما يستدعي القيام بعمل دعوي قوي ومؤثر، وإيجاد منظمات وهيئات إسلامية فاعلة لتكون حائط الصد أمام هذه التحديات الضخمة التي تواجهها الهوية الإسلامية.

تعتبر «هيئة علماء المسلمين» في تنزانيا واحدة من المنظمات الإسلامية العاملة التي تقوم بالدعوة والتوعية وجمع كلمة المسلمين والحفاظ على العقيدة والصبغة الإسلامية التي تمثل ثقافة الشعب التنزاني.

وللتعرف على واقع وأحوال المسلمين وما تقوم به هيئة علماء المسلمين في تنزانيا من جهود وإنجازات بين أبناء الشعب التنزاني؛ كان لنا هذا اللقاء مع الشيخ سليمان عمران كيليميلي، رئيس الهيئة.

* بداية حدّثنا عن دخول الإسلام لربوع تنزانيا؟

– دخل الإسلام تنزانيا عن طريق التجارة من الخليج العربي، ولم يكن دخول تنزانيا في البداية من أجل الدعوة للإسلام، وإنما كانت التجارة هي الهدف المباشر مع بعض الأمور السياسية.

ففي عصر الدويلات كان هناك نزوح من السياسيين في شتى أنحاء العالم ومعظمهم نزح إلى بلادنا واستقر بها، وقد زارها ابن بطوطة، ومع الحكم العثماني انتشر الإسلام بقوة وتوغّلت الدعوة داخل أفريقيا فوصلت إلى ملاوي وهضبة البحيرات حيث أوغندا، كما ظهر الإسلام في المدن الساحلية والقرى، ونقل العثمانيون العاصمة إلى دار السلام، وبرزت مراكز إسلامية بالداخل؛ كان منها تنجانيقا، وطابورة، وجيجيتانجا، وكانت من أكبر مراكز الثقافة العربية بالبلاد، كما يعتبر الباحثون تنزانيا هي البوابة الشرقية لدخول الإسلام إلى أفريقيا.

* لماذا تأسست «هيئة علماء المسلمين»؟ وما أهم إنجازاتها؟

– تأسست منذ 4 سنوات، ومقرها في العاصمة دار السلام، وتهدف إلى جمع علماء للمسلمين في تنزانيا وإيجاد مرجعية علمية للمسلمين تناقش كل احتياجاتهم وقضاياهم الدينية، ومع قصر عمرها فإنها جمعت مختلف علماء تنزانيا في تخصصاتهم العلمية المتنوعة حتى صارت اليوم مرجعاً يُعتد به، ووجهة معتبرة يقصدها المسلمون في أمور دينهم، ويرجعون إليها في كل ما يخصّ الدين، وهي لا تتضارب مع غيرها من الجهات الإسلامية الرسمية، فوضع المسلمين لا يمنع من إيجاد أكثر من جهة تمثله.

* ما شروط الانضمام إليها؟ وهل لها نشاط خيري؟

– لا بد للمنضم لها أن يكون خريجاً في إحدى الكليات الشرعية، ويحمل مؤهلاً جامعياً، ولها أعضاء في كافة أنحاء البلاد يقومون برسالتها ويثبتون حضورها.

أما مسألة النشاط الخيري فليس من صلب عملها، لكنها في بعض الحالات الاستثنائية الطارئة قد تقوم به، ويكون لها مساهمات وأنشطة خيرية.

* هل تمارسون الفتوى؟ وماذا عن عنايتكم بالدعاة؟

– لدينا إدارة خاصة بالفتوى تستقبل أسئلة المسلمين في كل أرجاء البلاد، في كل ما أشكل عليهم من مسائل الدين، ونقوم بإشراف تثقيفي للدعاة، حيث ننظم لهم الدورات والمحاضرات التي ترتقي بهم ونشرح لهم آلية الخطاب الديني، وكيفية التعامل مع الجمهور، وتحسين الأداء الخطابي.

* كانت هناك صراعات بين المسلمين والمسيحيين في تنزانيا؛ فماذا عن آثارها اليوم؟

– حاولنا كثيراً أن نزيل هذه الحواجز، وكان لنا دورنا البارز، فديننا لا يجيز الصراع وإنما هو دين الوسطية والتعايش بين مختلف الديانات، وهو ما كان عليه الرسول الكريم، وحينما هاجر كان هناك يهود وعايشهم في مجتمع واحد وقد طبقنا هذا المنهج.

* ماذا يعني للمسلمين أن يكون الرئيس التنزاني مسلماً؟

– تنزانيا بلد يموج بالمذاهب والمعتقدات، ونظام الحكم فيه ديمقراطي، وكل الطوائف من المسلمين وغيرهم يدخلون عملية التصويت في الانتخابات ومن يفوز يكون رئيساً، وهناك دستور ونواب من كل الجهات، وهذا الرئيس يسير على النظام والدستور الذي لا يتحيّز لأي دين، وإنما يقرر مبدأ المواطنة.

* هل يعمل «التنصير» في تنزانيا كما هو في بقية دول أفريقيا؟

– «التنصير» موجود، ولكن نظراً لكثرة المسلمين واجتهادهم في تعليم أبنائهم لا تجد له تأثيره القوي إلا في المحافظات النائية على الساحل، لأنهم رأوا أن الساحل الذي هو مدخل الدعوة الإسلامية محصّن ضد هذه الدعاوى والأفكار فلجؤوا إلى هذه المناطق النائية البعيدة.

* ماذا عن طبيعة الشعب التنزاني وانتمائه الإسلامي؟

– شعبنا مسالم ويقبل كل وافد وضيف دون تعسف أو تعصب أو كره، فهو شعب طيب يحب الإسلام، وإذا رأيت دار السلام وما فيها من المآذن والمساجد كأنك بالضبط في دولة إسلامية، وتنزانيا على الخصوص من بين دول أفريقيا المحيطة بها لها انتماؤها الإسلامي الكبير، فزنجبار كلها تكاد تكون عربية من قديم الزمان، فنسبة المسلمين فيها 95%، والهجرة كانت كثيرة من تنجانيقا إلى زنجبار، وهناك نسبة تزاوج كبيرة بينهما.

* هل تدعون القبائل الوثنية؟ وماذا عن المهتدين الجدد؟

– هناك قبائل وثنية كالماساي، ويوجد بينهم دعاة ومحفّظون للقرآن، ونرى مناطق كثيرة من أراضيهم تنتشر فيها الدعوة وتُقام فيها المساجد، ولكن مازال الكثير منهم على حالهم، أما المهتدون الجدد فيوجد لدينا جمعية مقارنة الأديان التي تدرس المقارنة بين الإنجيل وكتب الأديان الأخرى، وعبر هذه المقارنة نرى الكثيرين يدخلون الإسلام بعدما تتكشّف لهم الانحرافات العقليّة والعقديّة في غيره من الأديان.

* ما أبرز المشكلات التي يعاني منها الشباب المسلم في تنزانيا؟

– في زمن الاستعمار كانت المدارس تابعة للكنيسة في البداية، ولم يتلق المسلمون حظهم الأوفر من التعليم في هذه الفترة بتلك المدارس، وبعد الاستقلال وتأسيس وزارة التعليم بدأت العناية بتعليمهم مع بعض الجهود الذاتية التي تؤدي لرفع مستوى تعليم المسلمين في تنزانيا، وبذل المزيد في هذا الإطار الذي ينعكس بشكل إيجابي، ولكن رغم هذا فالمدارس قليلة ولا يوجد غير المركز الإسلامي المصري في دار السلام الذي أنشأه الأزهر الشريف، ويوفد الطلاب منه إلى القاهرة للتعليم، وهناك أيضاً مدارس ثانوية تدرّس التربية الإسلامية مع المناهج الحكومية لكنها تحتاج للدعم حتى تواصل رسالتها.

* هل وجود «هيئة علماء المسلمين» يسهل على المؤسسات الخيرية والمنظمات الإسلامية عملها؟

– نعم هذا حقيقي، فهناك تعاون جيد ووثيق بين الهيئة ومختلف المنظمات الإسلامية العالمية في كثير من الجهود، والمجلس الإسلامي الأعلى مجلس إسلامي وطني، ولكننا سلكنا مسلكاً تعليمياً يقوم على جمع كلمة المسلمين أكثر، وهو حكومي نظامي، وعلاقتنا بالحكومة جيدة، وهيئة العلماء مسجّلة ولها رخصة، ونشارك في العمل السياسي وندخل البرلمان حتى تكون لنا كلمة وحضور وتواجد في مختلف القضايا.

* ماذا يمثل عبدالرحمن السميط لتنزانيا؟

– جاء د. السميط إلى تنزانيا عام 1987م ودرس الأوضاع، وكنا وقتها تخرجنا في الجامعة، فعرض علينا فكرته في فتح مكتب في تنزانيا وتعاونا معه في إتمام الإجراءات، وأنشئت «لجنة مسلمي أفريقيا»، ومنذ ذلك اليوم بدأ العمل فيها، وتم تعيين عدد من الدعاة، وبدأت مؤسسته تمارس نشاطها إلى الآن، وهي اليوم قوية جداً، وتملك 6 مدارس ابتدائية، و8 مدارس ثانوية، و3 دور أيتام في زنجبار، وكان أغلب هذه الإنجازات بالطبع في فترة حكم الرئيس «علي حسن ميني»، وكان يكثر من زياراته لتنزانيا، وكانت له جهود كبيرة في الدعوة.

لقد أنشأ «لجنة مسلمي أفريقيا»، وبنى مدارس، وحفر آباراً، وأفاد التعليم، وله أثر كبير، وله خدماته التي لا تُنكر، ومشاريعه الخيرية مازالت قائمة في خدمة أبناء الشعب التنزاني.

Exit mobile version