«الإسلاموفوبيا».. وأزمة المجتمعات الغربية

 

أحياناً يتم إغفال مناقشة تأثير «الإسلاموفوبيا» على المجتمع الذي يبث مثل هذه الظاهرة المرضية

لم يطلب أحد من الإنسان الأسود أن يغير تصرفاته وسلوكياته ليكون أكثر طمأنة للمجتمع الأبيض

المجتمع الذي يمارس العنصرية ضد المسلمين اليوم سيتحول بسهولة للتمييز ضد أهل معتقد آخر غداً

 

قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن ظاهرة الكراهية أو الخوف إزاء الإسلام والمسلمين لها آثار وتداعيات مباشرة على الفرد المسلم والمؤسسة أو الجمعية المسلمة، وهذا بالطبع صحيح، ولكن ما يتم إغفاله حين مناقشة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» هو تأثيراته على المجتمع الذي يبث مثل هذه الظاهرة المرضية.

لا شك أن الفرد والمجتمع المسلم يتعرضان لصنوف من الضغوط والتحديات، بل وربما الهجمات نتيجة انتشار «الإسلاموفوبيا»، منها الإقصاء والتهميش والتعرض للنظرات المريبة وتضييع فرص يتمتع بها المواطن المثيل كالوظيفة والمنحة والسكن، وتصل أحياناً إلى الهجوم اللفظي، وأحياناً ما تصل إلى الهجوم والاعتداء الجسدي أو الحقيقي، وذلك بإذكاء عوامل مختلفة كالجهل والوضع الاقتصادي السيئ والفشل الحكومي على الصعد الاقتصادية والاجتماعية وعناوين الصحف وخطابها العام وتصريحات السياسيين وغيرها مما ينبغي التعريف به والعمل على مواجهته بالطرق الفاعلة والملائمة.

إلا أن كثيراً ما يتم إغفال جانب المجتمع الحاضن لمثل هذا المرض الذي هو الآخر يعاني من عوامل وآثار ينبغي التعرف عليها ودراستها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فهم العالم الغربي إلى حد كبير الجريمة التي طالما ارتكبها بحق الإنسان الأسود على مدى قرون من الزمن حيث موجات الاستعباد لملايين من أصول أفريقية، التي استمرت حتى قبل سنوات قليلة، وانتهاك لإنسانية بشر لمجرد لون بشرتهم، وتقنين لوضع دونيّ للمواطن الأسود، حتى كانت تعلق اللافتات التي تسوي بينه وبين الكلب، أو تلك التي تحدد أين يقضي حاجته بعيداً عن حمامات البيض! وأين يحق له أن يجلس في الصفوف الخلفية للحافلات ودور المسرح! وغيرها من سياسات لا يمكن أن يصفها منصف إلا بأنها تعبر عن همجية الإنسان ووحشيته حين تتمكن منه مشاعر الكراهية والأفكار التي تدعوه للوجل والخوف والرهاب من كل ما يبدو مختلفاً أو غير مألوف لديه.

فهم العالم الغربي ذلك وهو يعكف منذ عقود قليلة على معالجة نفسه وعلى سَن القوانين التي تمنع تكرار حصول مثل هذه الممارسات التي باتت تعرف بأنها جرائم يعاقب عليها القانون، وغيرها من الإجراءات والسياسات التي تكرس حالة المساواة بين كافة البشر رغم لون بشرتهم، إلا أن أحداً لم يخطر بباله أن يطلب من الإنسان الأسود أن يغير من تصرفاته أو من سلوكياته أو من ممارساته كي يكون أكثر طمأنة للمجتمع الأبيض، ولا يمكن أن يخطر ببال عاقل أن يظن أن مشكلة العنصرية كامنة في المجتمع الأسود، وأن على السود حل تلك المشكلة كي تحل بعد ذلك مشكلة العنصرية، بل اتفق الجميع دونما استثناء على أن ظاهرة العنصرية هي أزمة مجتمعية، على المجتمع نفسه علاج نفسه كي يبرأ من ذلك المرض.

وبنفس المعيار، فمن المستغرب جداً أن نسمع أصواتاً تضع اللوم على المسلمين حيال ظاهرة الكراهية للإسلام والتمييز ضد المسلمين، وتطالبهم بتحسين صورتهم وسلوكياتهم وربما تعديل بعض مفاهيمهم، كما نسمع من البعض مطالبة بمنع ارتداء أزياء معينة تعبر عن قناعات بعض المواطنين الدينية كالحجاب أو لباس البحر الساتر (البوركيني) وهكذا، كل ذلك كي يطمئن المجتمع الحاضن إليهم ولا يميز ضدهم ولا يعتدي على حقوقهم كمواطنين وبشر!

«الإسلاموفوبيا» صنف من صنوف العنصرية والتمييز اللذين يمثلان مرضاً اجتماعياً وفكرياً ينبغي على المجتمعات التي تتشدق بالمدنية والتحضر إزالتهما وبترهما بشكل لا جدال فيه، وألا يماحك العقلاء فيمن يتحمل العبء الأكبر إزاء مثل هذا المرض، فالمجتمع الذي يمارس العنصرية ضد المسلمين اليوم، ربما يتحول بسهولة للتمييز ضد أهل معتقد آخر غداً وأهل عرق معين بعد غد وهكذا.

وعلى المفكرين وقادة المجتمعات المسلمة في الغرب أن يتوافقوا على نهج واضح وخطاب يعتبر «الإسلاموفوبيا» أزمة غربية بامتياز، جل أسبابها تتعلق بأزمات وإشكالات تعاني منها تلك المجتمعات، إن كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو تعليمية، وعلى الغرب بمؤسساته ومفكريه ومنظوماته المختلفة أن يعمل على علاجها، دونما توجيه لأصابع الاتهام أو إلقاء للمسؤولية على سواه، فضلاً أن يكون على أعتاق الضحية.

Exit mobile version