نجاحات “طالبان” وإحراج الأمريكان

اعتبر عام 2016م هو عام الانتصارات والنجاحات لحركة “طالبان” على حساب القوات الأفغانية والقوات الأجنبية الداعمة لها في أفغانستان، وباعتراف الغرب والأمريكيين أنفسهم، فقد نجحت حركة “طالبان” أفغانستان في السيطرة على الوضع في البلاد والانتصار على الحكومة وقواتها، وعلى فتح معاقل ومناطق جديدة، والوصول إلى أقصى الشمال الأفغاني، بعد أن ظلت “طالبان” محصورة في الماضي في مناطق جغرافية غالبيتها تسكنها قبائل البشتون.

وفي عام 2016م وصلت “طالبان” إلى المناطق غير البشتونية، وتمكنت من دخول مناطق كانت ممنوعة عليها، وتعتبر مناطق مغلقة بسبب سكانها غير البشتون، وشهد عام 2016م  تغيراً كبيراً في تعامل الأفغان مع “طالبان”؛ حيث شهد لأول مرة ترحيباً بها في مناطق شيعية ومناطق تسكنها قبائل الهزارة الموالية لإيران، ولأول مرة في الحرب الحالية يعلن قادة شيعة تحالفهم مع “طالبان”، وانضمامهم إليها؛ وهو ما يكشف التطور الذي أحرزته “طالبان” في صراعها مع القوات الحكومية والأمريكية.

كما شهد العام نفسه لأول مرة ترحيب سكان غير بشتون من العرقية الطاجيكية والأوزبكية والتركمنستانية بحركة “طالبان”؛ حيث تمكنت من دخول ولايات في أقصى الشمال الأفغاني لم يسبق لها أن تواجدت فيها في الماضي؛ وهو ما يعطيها صفة الحركة القومية والوطنية، وينفي عنها تهمة المناطقية والبشتونية.

وقد أدت نجاحات “طالبان” إلى اعتراف دولي وإقليمي بها، وسارع عدد من الدول العظمى إلى الاتصال والاعتراف بها؛ وهو الأمر الذي أقلق كثيراً الأمريكيين والحكومة الأفغانية، ووضعها في موضع لا يحسدها عليه أحد.

اعترافات الحكومة الأفغانية

فقد أعلنت الحكومة الأفغانية بعد انتهاء عام 2016م أن الأوضاع لا تسير في صالحها، وأن مقاتلي حركة “طالبان” قد سيطروا على الأرض في هذا العام، وبسطوا نفوذهم وباتوا في وضعية أفضل بكثير من السابق؛ الأمر الذي حملها على طلب مساعدة القوات الأمريكية وفق المعاهدة الأمنية الموقعة بين الطرفين، واعتبرت أنه من دون دعم أمريكي لها ستفقد السيطرة على الأوضاع، وجاء في التقرير الحكومي الأفغاني حول المواجهات مع “طالبان” في عام 2016م ما يلي:

السيطرة على مزيد من الأرض: وجاء في التقرير الرسمي الأفغاني الجديد أن حركة “طالبان” استمرت في السيطرة في عام 2016م على 33 منطقة، وباتت هذه المناطق بشكل أو آخر تحت سيطرة “طالبان”؛ وهو ما يمثل ثلث الأراضي الأفغانية، واعترفت وزارة الدفاع الأفغانية بأنها واجهت مقاومة شديدة من قبل مسلحي “طالبان”، وأنها ما زالت تحارب من أجل السيطرة على هذه المناطق.

الخسائر البشرية: وجاء في تقرير وزارة الدفاع الأفغانية أنه جرى قتل 18500 مسلح من حركة “طالبان”، ومقاتلي “تنظيم الدولة” (داعش) في عام 2016م، وحسب التقرير الحكومي الأفغاني؛ فإن هؤلاء قتلوا جراء المعارك الدائرة في أفغانستان، وبسبب الهجمات والغارات التي شنت عليهم في مناطق مختلفة من البلاد، وأضاف تقرير وزارة الدفاع إصابة 12 ألف مسلح جراء هذه المعارك والمواجهات في أفغانستان، ولم يشر التقرير إلى خسائر القوات الأفغانية والقوات الأجنبية في أفغانستان.

استمرار الدعم الأمريكي: وشهد عام 2016م تفعيل معاهدة الأمن بين أفغانستان والقوات الأمريكية، وجرى بموجبها جلب 300 جندي أمريكي من قوات المارينز مدججين بأسلحتهم وطائراتهم الحربية في ولاية هلمند جنوب أفغانستان، واستعانت القوات الأفغانية في ولاية بغلان وقندوز وتخار بالقوات الأمريكية، وخاضت الطائرات الحربية الأمريكية هجمات على معاقل “طالبان”، وكانت خسائر المدنيين أكبر بكثير من خسائر “طالبان”؛ حيث جرى تدمير مستشفيات ومرافق حكومية ودور عبادة.

عودة القوات الأمريكية لمنع سقوط الحكومة

وكانت أمريكا، بدورها، قد أعلنت عن أن عام 2016م كان أخطر السنوات في أفغانستان، وأن “طالبان” حاولت السيطرة الفعلية على النظام السياسي القائم في أفغانستان، وكانت وزارة الدفاع قد أصدرت تقريراً حول أفغانستان في عام 2016م اعتبرت فيه أن أفغانستان ما زالت دولة خطيرة على أمريكا، وما زالت تمثل تحدياً أمنياً كبيراً، وأن الأوضاع في عام 2016م أثبتت أن “طالبان” لم تتغير ولم تؤثر فيها العقوبات أو المواجهات، وظهر العكس؛ وهو تطورها عسكرياً وانتشارها جغرافياً وفق اعتراف وزارة الدفاع الأمريكية، وحتى يمنعوا سقوط النظام السياسي في أفغانستان ويمنعوا “طالبان” من السيطرة على الأرض وعلى مزيد من الولايات قررت القوات الأمريكية رفع حجمها في مطلع عام 2017م وأرسلت في يناير الجاري وبطلب من الحكومة الأفغانية 3000 جندي من القوات الخاصة إلى ولاية هلمند معقل “طالبان” الرئيس، وأعلنت أمريكا عن أنها قررت دعم القوات الحكومية الأفغانية في جنوب أفغانستان من أجل بسط سيطرتها على الولايات الجنوبية ومنع “طالبان” من السيطرة عليها، وكانت العملية نفسها قامت بها أمريكا في صيف عام 2016م؛ حيث أرسلت 300 جندي من الكومندوز الأمريكي لدعم القوات الحكومية، لكنهم فشلوا في السيطرة على المنطقة، وقتل عدد كبير من الأمريكيين، وأصيب عدد آخر منهم وفق اعتراف القوات الأمريكية، ويتوقع بعد قرار الأمريكيين لمواجهة المخاطر في أفغانستان أن تدخل المنطقة في مواجهات مسلحة خاصة بعد ذوبان الثلوج وتحسن المناخ وحلول فصل الربيع بعد شهر ونصف شهر.

اعترافات دولية وإقليمية بـ”طالبان”

وكانت نجاحات “طالبان” في عام 2016م قد حملت قوى إقليمية ودولية على الاعتراف بحركة “طالبان”.

ففي 27 ديسمبر 2016م نظمت قمة دولية حول أفغانستان، حضرتها باكستان والصين وروسيا الدولة المستضيفة، وأعلنت فيها روسيا والصين عن دعمهما لـ”طالبان” والاعتراف بها كمنظمة غير إرهابية ومقاومة مشروعة، وأعلنا عن التنسيق معها ودعمها لتحقيق الاستقرار في أفغانستان، ولم تحفِ الصين وروسيا وهما من أقوى دول العالم بعد أمريكا عن أنهما يعتبران طالبان منظمة مشروعة وقررا رفع الحظر الدولي عنها، واستخدام حق “الفيتو” للدفاع عنها وضمها إلى المجتمع الدولي، ومثّل هذا اعترافاً كبيراً ومهماً في نجاحات “طالبان”، وبتقدمها وبأحقيتها في ممارسة دور ما في مستقبل أفغانستان.

ارتفاع عدد دول العالم المتعاملة مع “طالبان”؛ حيث أصبحت “طالبان” في عام 2016م حركة مشروعة وقانونية، وأبرزها فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وإيران وتركيا.

وكانت “طالبان” قد حصلت على تأييد إيران لأول مرة؛ حيث سمحت لها بفتح مكاتبها مثل ما صنعت قطر قبل سنوات، وباتت “طالبان” في عام 2016م حركة مشروعة في إيران وسمحت لها بفتح مكاتبها داخل البلاد.

وشهد عام 2016م قمة قلب آسيا حول أفغانستان التي تشارك فيها 30 دولة أجنبية بما فيها الصين وروسيا وأمريكا، واعترفت ضمنياً بحركة “طالبان” باعتبارها محور رئيس لإحلال السلام في أفغانستان، واعتبرت “طالبان” الحاضر الغائب في القمة الدولية حول أفغانستان.

وجهة النظر

ويبقى القول هنا: إن أفغانستان باتت تتغير عاماً بعد عام، وإن عام 2016م تحديداً شهد انطلاق ما سمته “طالبان” فتوحاتها لإعادة السلطة إليها، ورغم أنها ألحقت ضربات موجعة بالقوات الحكومية، وتمكنت من توسيع رقعتها الجغرافية في مناطق مختلفة من أفغانستان وأحرجت الأمريكيين الذين يقولون: إنهم قضوا على الإرهاب في أفغانستان وسيطروا على الوضع، لكن الوضع على الأرض ما زال يراوح مكانه، فلا “طالبان” أعادت السيطرة على الحكم كما تخطط، ولا الأمريكيين والقوات الأفغانية أعلنت سيطرتها الكاملة على الأوضاع، واستمرت حرب الاستنزاف بين الطرفين دون أن يزعم أحد أنه صاحب القرار على الأرض، وكانت “طالبان” قد أبلغت الإدارة الأمريكية الجديدة أن عليها أن تتخذ قراراً تاريخياً بسحب جميع جنودها من أفغانستان وإنهاء تدخلها في شؤونها وترك الأفغان يسيرون أمورهم بأنفسهم دون تدخل أحد، وما تخشاه الدول الصديقة وجيران أفغانستان هو أن تتحول أفغانستان إلى حرب بالوكالة بعد قرار الصين وروسيا دعم “طالبان”، واستمرار أمريكا في تقديم دعمها إلى الحكومة الأفغانية؛ وهو ما سيطيل من أمد الحرب في المنطقة وفي معاناة السكان أيضاً.

Exit mobile version