تونس: نهاية عام مفعم بالأمل

أبى عام 2016م أن تطوى صفحته، دون أن يترك بصمات التفاؤل على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في تونس، بعد حالة من القلق والتوتر عاشتها البلاد كالاحتجاجات الاجتماعية، والجفاف، والصراعات داخل بعض الأحزاب السياسية، وبالأخص حزب “نداء تونس” الذي أصبح ثلاثة أحزاب حالياً، وهو مرشح لمزيد من الانقسامات، ومطالب النقابات بترفيع الرواتب، والوضع الأمني الذي يلقي بظلاله سلباً وإيجاباً على مجمل الأوضاع في بلد لا تزيد مساحته على 56 ألف كيلومتر مربع، ولا يتجاوز عدد سكانه الـ12 مليون نسمة، بيد أنه وفق الخبراء، مهم من الناحية الجيوسياسية، وستنعكس نتائج مخاض الانتقال الديمقراطي داخل حدوده، على المنطقة برمتها.

المجلس الأعلى للقضاء

يعد تركيز المجلس الأعلى للقضاء في تونس، مكسب كبير للعدالة وتجسيد لاستقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وقطع مع ما تم تكريسه في عهود الاستبداد منذ فترة الاحتلال المباشر، ثم غير المباشر أو الاستقلال المنقوص والمغشوش مروراً ببورقيبة وحتى بن علي، ورغم محاولات بعض الأطراف عرقلة عمل المجلس، ومحاولة السيطرة عليه ليبقى في بيت الطاعة وتطعيمه بعناصر غير منتخبة، إلا أن نقابات القضاة مصرة على حيادية المجلس واستقلاليته ورفض العودة للعمل بالتعليمات، وهو موقف ما كان ليتخذ لولا أجواء الحرية التي تنعم بها تونس ما بعد الثورة، رغم كل محاولات الجذب إلى مربع الاستبداد والفساد.

جلسات الاستماع للضحايا

كانت جلسات الاستماع التي انطلقت يومي 17 و18 نوفمبر 2016م وتجددت في نفس الموعد من شهر ديسمبر، وستستأنف في 14 يناير 2017م حدثاً وطنياً تونسياً وعالمياً، ولا تقف أهميتها عند حديث ضحايا القمع والاستبداد للرأي العام المحلي والدولي مباشرة وعبر محطات التلفزيون عما عانوه من اضطهاد داخل السجون وخارجها فحسب، وإنما حفظ ذلك للتاريخ تحت مسمى “حفظ الذاكرة الوطنية”، وهو مسار يحتاج لاستكمال بقية المسارات مثل تسوية المسار المهني للضحايا الذين طردوا من وظائفهم، إبان حكم الجنرال بن علي، أو صودرت أموالهم، وممتلكاتهم المختلفة، علاوة على تعويض الضحايا كما هي الحال في التجارب الدولية الأخرى مثل جنوب أفريقيا، والأرجنتين، التي عانت كثيراً تحت حكم العسكر، وجواتيمالا التي شهدت حرباً أهلية بعد الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب خاكوبو إربنز.

مؤتمر الاستثمار

مثل مؤتمر الاستثمار الذي شهدته العاصمة التونسية نهاية 2016م جرعة أمل للتونسيين، حيث شاركت نحو 40 دولة، وقدمت فيه العديد من الوعود المالية التي تبلغ في مجملها قرابة 10 مليارات دولار، وفي حال الوفاء بها فإنها ستساعد كثيراً في تمويل المشاريع الصغرى للشباب، ولا سيما حملة الشهادات العليا، وتمويل ما أطلق عليه عقد الكرامة ويتمثل في منح الشاب راتباً يقدر بـ600 دينار تونسي إلى حين تأهيله لسوق العمل، والبدء عام 2017م في إقامة 500 مشروع صغير لصالح 500 شاب بكلفة 250 مليون دينار تونسي كبداية.

انتصارات النهضة

في شهر أكتوبر، أستدل الستار على قضية شغلت الرأي العام التونسي، وهي قضية مقتل أحد قياديي حزب نداء تونس، قبل انتخابات عام 2014م أثناء مهاجمته مع مجموعات تنتمي لنفس الحزب مسيرة شارك فيها مناضلون من حركة النهضة بقنابل المولوتوف والسكاكين؛ مما أدى لاشتباكات توفي أثناءها ذلك القيادي واتهم النهضاويون بقتله لكن القضاء برأ المتهمين وأصدر قراراً بسجن شهود الزور.

كما تم تبرئة النهضة من حادثة حرق حارس أحد المكاتب الحزبية في ثمانينيات القرن الماضي، باعتراف مدير الأمن في تلك الفترة القنزوعي: “الحادثة كانت من صنع مخابرات بن علي”، تلا ذلك زيارة آخر وزير للعدل في عهد الجنرال بن علي عبدالله القلال لزعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، في محاولة للصلح وفتح صفحة جديدة في تونس المحاسبة والمصارحة والمصالحة، وقد تزامن ذلك مع تقرير مجلس العموم البريطاني يبرئ النهضة من العنف ويشيد بدورها في مسار الانتقال الديمقراطي.

وختم العام بافتخار تونس كلها باستشهاد محمد الزواري التونسي القيادي بـ”حماس” وصانع الطائرة بدون طيار، وصاحب مشروع الغواصة المتحكم فيها عن بعد، كما ختم عام 2016م بفوز ساحق للتيار الإسلامي في الجامعة في الانتخابات، ونزول الغيث النافع ليحول دون حصول الكارثة.

Exit mobile version