من السودان.. أطفال سوريا “يكتشفون” المدرسة بعيدا عن الوطن

في وقت تزدحم فيه نشرات الأخبار بالقصف الدموي على حلب، فإن “تسنيم”، ابنة هذه المدينة، تبقى عنوانا من العناوين المؤلمة للحرب التي شردتها وأسرتها ضمن ملايين السوريين.

بحكم السن لا تعرف اليافعة السورية دواعي النزاع لكنها نسبيا تدرك ما جره من مآسي مثل “اكتشافها” روعة المدرسة على بعد آلاف الأميال من موطنها وبعدما زادت سنوات عمرها عن ثمانية.

تسنيم واحدة من آلاف الطلاب السوريين الذين بدأوا أو واصلوا مسيرتهم التعليمية في السودان بعدما هربت إليه عائلاتهم ضمن موجة نزوح جماعي إلى مختلف أنحاء العالم.

ومنذ أن اشتدت الحرب في 2012 لجأ آلاف السوريين تباعا إلى السودان بعدما أعلنت حكومته عن تسهيلات لهم فيما يتعلق بتصاريح الإقامة والعمل.

وتبدأ تسهيلات الحكومة السودانية للسوريين بإعفائهم من تأشيرة الدخول ولا تنتهي بمنحهم امتيازات المواطنة عند تلقيهم خدمات التعليم والصحة.

وبينما انخرط آلاف السوريين في مدارس سودانية مختلفة إلا أن مدرسة “سمية بنت الخياط” تبقى نموذجا مختلفا حيث أسست في أغسطس/ آب 2015 لتدرس فيها طالبات سوريات مع سودانيات بجانب معلمات من البلدين

وبادرت إلى تأسيس المدرسة “لجنة دعم العائلات السورية” وهي لجنة يديرها بالأساس سوريين مقمين في السودان قبل إندلاع الحرب في بلادهم لمعاونة مواطنيهم الذين وصلوا لاحقا.

وتضم المدرسة الآن 370 طالبة 240 منهن سوريات وتأمل اللجنة في تأسيس مزيد من المدارس المشتركة بالتعاون مع السلطات السودانية طبقا لما قاله رئيسها مازن سميح البياتي.

والبياتي سوري مقيم بالسودان منذ العام 2002 .

وفي إفادته للأناضول قدر الرجل عدد الطلاب السوريين أو من هم في سن الدراسة بـ 30 ألف من جملة 150 ألف سوري يقيمون الآن في السودان.

وفي آخر حصيلة أعلنتها الحكومة السودانية في أبريل/ نيسان الماضي بلغ عدد السوريين في أراضيها أكثر من 106 ألف لكن البياتي يشير إلى أن تدفقاتهم “لا تزال مستمرة”.

بالنسبة إلى عائشة الخير مديرة المدرسة وهي سودانية فإن هذه التجربة “خلقت نوعا من الترابط بين الطالبات السوريات والسودانيات رغم الاختلاف النسبي في الثقافة”.

وتضيف مديرة المدرسة للأناضول أن هذه المبادرة “ناجحة وقابلة لتكرارها مرات ومرات”.

نسيبة صلاح الدين مشرفة الطالبات السوريات ومسؤولة التعليم في لجنة دعم العائلات تقول إن المدرسة “حلت مشكلة السوريين الذين لا يملكون مالا لتعليم بناتهم”.

ومن ميز المدرسة وفقا للمعلمة السورية أميرة محمود أنه تمت موازنة اختلاف المنهج الدراسي بين البلدين بجانب تدريس جغرافيا وتاريخ سوريا لطالبات هذا البلد دون السودانيات.

وتضيف محمود ميزة أخرى هي أنها وزميلاتها من المعلمات السوريات وعددهن 17 معلمة “بإمكانهن تخفيف الأثار النفسية التي خلفتها الحرب على طالباتهن”.

وفيما تتولى الحكومة السودانية دفع رواتب المعلمات السودانيات تتكفل لجنة دعم العائلات برواتب المعلمات السوريات.

وخلاف طلاب المرحلتين الابتدائية والثانوية فإن عدد الطلاب السوريين في الجامعات السودانية يبقى قليلا ويقدره البياتي في حدود المئات.

وفي أغسطس/ آب الماضي وجه الرئيس عمر البشير جامعات بلاده بقبول الطلاب السوريين وفقا للشروط والرسوم المفروضة على الطلاب السودانيين.

ويشير البياتي إلى أن لجنته تعمل مع السلطات لتوفير منح مجانية بالجامعات السودانية لطلاب بلاده من غير المقتدرين على دفع الرسوم.

لكن الأهم عند الرجل هو فتح مزيد من المدارس الابتدائية والثانوية المشتركة على غرار مدرسة (سمية بنت الخياط).

ففي بهو المدرسة تحس نسيبة مشرفة الطالبات بفظاعة الحرب لكنها تعول على الأمل المرتسم على وجوه طالباتها عندما ينشدن “من حرف السين دوري..لا لا لا..حق الأطفال للمستقبل..لينا نحن الأطفال”.

تستمتع محمود بمعزوفة طالباتها لكن منتهى سعادتها عندما يختمن نشيدهن بـ” يحيا الأبطال”.

Exit mobile version