السودان: ما حيلة المعارضة بعد فشل العصيان المدني؟

خلافا لتوقعات الجميع، حظي العصيان المدني الذي دعا له نشطاء سودانيون، الإثنين الماضي، باستجابة ضعيفة رأى البعض أنها ترقى إلى مستوى “الفشل”، ما يضع المعارضة أمام سؤال ملح حول السبب إن كان يعود لعدم فاعلية هياكلها أم نجاعة آخر الأدوات التي اختبرت بها السلطة؟

الراجح اليوم حتى بين غالبية المناصرين لدعوة العصيان أن نسبة الاستجابة كانت أقل من نسبة المشاركة في العصيان الذي نفذ في 27 نوفمبر الماضي، رداً على خطة تقشف حكومية.

وفي العصيان الأول تحدث أغلب مناصروه عن نسبة “نجاح” تراوحت ما بين 30 – 40%، وقدرها البعض بأكثر من ذلك مقابل وصف الرئيس عمر البشير له بأنه “فشل بنسبة مليون في المائة”.

وصدرت الدعوة إلى العصيان ابتداء من نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لا تزال هويتهم مجهولة، ولم تعلن فصائل المعارضة بشكل صريح أنها تدعم الخطوة إلا في اليومين الأخيرين عندما ظهر أنها اكتسبت زخماً جماهيرياً.

وكان موقف المعارضة واحداً من المآخذ على الدعوة الأولى التي افتقرت أيضاً للتنظيم الدقيق؛ لجهة أن من تبنوها من النشطاء لم يكن بينهم رابط تنظيمي.

وتجلى ضعف التنظيم في وجود عدة صفحات تبنت العصيان عل مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت المنصة الرئيسة أو حتى الوحيدة لتعبئة الجمهور.

لكن ما رفع سقف التوقعات في العصيان الذي نفذ الإثنين الماضي توحد كل التشكيلات الشبابية تحت قيادة واحدة مع تحديد صفحة واحدة على موقع “فيسبوك”.

وأعلن شباب العصيان أيضاً عن “تنسيق كامل” مع فصائل المعارضة التي انخرطت بالفعل في حملات تعبئة وسط أنصارها قبل أكثر من أسبوع من الموعد المضروب.

وخلافا للعصيان الأول، أعلن مئات المهنيين من أطباء ومحاميين وصحفيين دعمهم للعصيان بشكل منظم وكذلك مطربين ودراميين وموسيقيين وأدباء وتشكيليين.

لكن في الساعات الأولى من صباح الإثنين، تجلى أن نسبة الاستجابة أقل بكثير مما كانت عليه في 27 نوفمبر وسط حفاوة حكومية حملتها تعليقات قادتها بمن فيهم نائب الرئيس حسبو عبدالرحمن الذي وصف النشطاء بأنهم عملاء لـ”إسرائيل”.

وبالنسبة لأستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، حاج حمد، فإن ضعف المشاركة يعود لعاملين مرتبطين ببعضهما؛ الأول هو تجاهل الحكومة لدعوة العصيان الأولى حيث فوجئت بجذبها لقطاع عريض من الشعب، والسبب الثاني الذي أوضحه حمد في إفادته لـ”الأناضول” هو حملة الحكومة لمناهضة الدعوة الثانية مقابل عدم فاعلية المعارضة في الحشد رغم إعلان تأييدها باكراً.

وفيما شكك البعض في نجاعة العصيان المدني رغم أنه كان واحداً من الأدوات التي أطاح بها السودانيون حاكمين عسكريين في عامي 1964 و1985م، إلا أن أستاذ العلوم السياسية لا يؤيد ذلك.

الذين يشككون في فاعلية العصيان يستشهدون بما يصفونه “تآكل” الطبقة الوسطى و”هيمنة” الحكومة على النقابات مقارنة بما كانت عليه في الانتفاضتين السابقتين.

لكن حمد يرى أن الطبقة الوسطى رغم ما اعتراها من ضعف قادرة على الفعل السياسي لكنها تحتاج إلا تنظيم عبر عدة خطوات منها تشكيل نقابات موازية.

ثمة أمر آخر ذهب إليه من يشككون في جدوى العصيان هو أن نجاحه يرتبط بخروج تظاهرات حاشدة أولا كما حدث في عامي 1964 و1985م، ومن ثم الدعوة إليه كخطوة فاصلة تشل جهاز الدولة.

لكن حمد يعارض هذا الرأي ويرى أن السؤال عن أيهما أول، المظاهرات أم العصيان؟ ليس موضوعياً، وكلا الوسيلتين يمكن استخدامهما دون رهن إحداهما بالأخرى.

وكان الداعون إلى العصيان قد برروا خطوتهم عوضاً عن التظاهر بـ”تجنب العنف” الذي صاحب احتجاجات حاشدة في سبتمبر 2013م عندما طبقت الحكومة خطة تقشف مماثلة.

وفي تلك الاحتجاجات التي كانت الأقوى منذ وصول البشير السلطة في عام 1989م، سقط 86 قتيلاً وفقاً لإحصائيات الحكومة، وأكثر من 200 وفقاً لأرقام المعارضة.

وملخصاً رؤيته يؤكد أستاذ العلوم السياسية أن المحك في نجاح العصيان أو التظاهرات هو قدرة المعارضة على الحشد وليس أيهما أول.

لكن الكاتب والمحلل السياسي أنور سليمان يرى أن المعارضة عاجزة عن حشد الجماهير وليس بإمكانها فعل ذلك على الأقل في الوقت القريب.

ويضيف سليمان في تعليقه لـ”الأناضول” أن مشاركة المعارضة في العصيان كانت اسمية وليست فعلية ومن يريدون التغيير عليهم التعويل فقط على هذه الحركات الشبابية.

والأهم عند الرجل إدراك الشباب لأن التغيير يتأتى بجهد تراكمي، وبإمكانهم تغذيته على الدوام، مستفيدين مما تعانيه الحكومة من عزلة شعبية متنامية بسبب سياساتها.

ويشير سليمان بالأساس إلى الإجراءات التقشفية التي طبقتها الحكومة تباعاً منذ عام 2011م لتعويض الفارق الذي خلفه انفصال جنوب السودان مستحوذاً على 75% من حقول النفط.

وكانت العائدات النفطية تمثل نحو 50% من الإيرادات العامة، و80% من مصادر العملة الصعبة في بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج.

وشملت إجراءات الحكومة التي صادقت عليها الشهر الماضي رفع الدعم عن الوقود؛ ما ترتب عليه زيادة في الأسعار بنسبة 30%، بجانب رفع الدعم كلياً عن الأدوية وجزئياً عن الكهرباء.

وبالمقابل، درج مسؤولون على امتداح ما اعتبره “تفهم” الشعب للقرارات الاقتصادية رغم إقرارهم بـ”تأثيرها على الأوضاع المعيشية”.

وبعد إعلان الحزمة الأخيرة بأيام بررها الرئيس البشير بأنهم كانوا أمام خيارين أحلاهما مر؛ إما جراحة عميقة تحول دون انهيار الاقتصاد؛ وبالتالي انهيار الدولة، أو اتخاذ هذه الإجراءات لإنقاذ الاقتصاد.

Exit mobile version