ما الذي يدفع ميانمار لهذا العداء المبيد لمسلمي الروهينجيا؟

 

منذ عام تقريباً، وتحديداً في نوفمبر من العام الماضي، احتفى العالم بالانتخابات المزعومة في ميانمار، معتبراً أنها الأكثر ديمقراطية بعد دخول السباق من قبل أحزاب مدنية وتراجع العسكر وتركهم للحكم لرئيس مدني محسوب على زعيمة المعارضة، لكن على ما يبدو فإن الديمقراطية والمدنية عندما تغلف بالتعصب لا تقل وحشية عن العسكر وبندقيتهم.

مسلمو ميانمار وتحديداً العرقية الروهينجية صرخاتهم لا تتوقف، وأخبارهم برغم أنها ربما لا تصف جزءاً بسيطاً مما يحدث – وفقاً لنشطاء من أبناء القضية – فإنها مؤلمة ينفطر لها القلب، خاصة مع موجة نزوح وهروب يقابلها صعوبات جمة، فحدود الدول التي تستقبل مسلمي الروهينجيا الفارين من جحيم القتل مغلقة لا تفتح أبوابها، فبنجلاديش التي وضعت مسلمي الروهينجيا في معسكرات غير آدمية لم تعد تستقبلهم، وكذلك باقي الدول الأخرى المجاورة.

لماذا كل هذا العداء من قبل ميانمار لمسلميها؟

سؤال يطرحه الكثير ممن يبحثون في جذور المشكلة خاصة بعد التأكد من أن المسلمين هم سكان أصليون للمنطقة، بل كانت لهم ممالك في هذه الدولة حكموا خلالها فترة طويلة من الزمن، وحتى بعد تراجع قوتهم وانكفائهم على أنفسهم كأقلية في إقليم آراكان لم يعرف عنهم سوى المسالمة والهدوء برغم ضعف الخدمات وقلة الاهتمام من قبل الحكومات المتعاقبة، بل وبرغم القوانين الصارمة واللاإنسانية التي فرضت عليهم بدءاً من قوانين الزواج غير المسموح إلا بموافقة السلطات الأمنية، والتعليم الذي لا يحق أن يلتحقوا به، والشعائر التي لا يسمح لهم بتوافر أماكن لأدائها، بل إنك لا تستطيع أن تأتي بقريب ليزورك ويقضي معك يوماً إن كنت من مسلمي آراكان.

نعود للسؤال: لماذا كل هذا التعنت والظلم بعد أن أصبحت ميانمار تدار بحكم مدني منتخب كما يقولون؟

إجابة السؤال لها عدة أوجه وتتمثل في:

أسباب تاريخية: تمثلت في صراع مرير أنشأه الاستعمار للتخلص من تاريخ اصطبغ بصبغة إسلامية، فعمد إلى سياسة “فرق تسد”؛ بإعطاء الغلبة للبوذيين على حساب المسلمين، ليتحول الأمر لصراح مجتمعي مقترناً بسلطة وسطوة لطرف على حساب الآخر، حتى جعل من النظام الحاكم في نهاية الستينيات قادراً على تهجير أكثر من نصف المسلمين هناك وقتلهم، ليحدث ذلك تغييرات ديمجرافية كارثية على المسلمين.

أسباب سياسية: فميانمار قابعة في فلك المعسكر الشيوعي التابع للصين، ووريثة الاتحاد السوفييتي روسيا، وهو ما أدخل ميانمار في صراع نفوذ بين الدول الكبرى؛ حيث تدخل الولايات المتحدة على هذا الخط لعدم ترك الساحة السياسية للصين وروسيا في هذه المنطقة الجغرافية المهمة والحيوية، والتي تمثل عمقاً أمنياً لمنطقة آسيا ودولها، وهذا ما سهل المهمة على النظم التسلطية في ميانمار؛ حيث أصبحت قضايا حقوق الإنسان مجرد بند في المساومات.

أسباب دينية: من المعروف عن ميانمار أنها دولة ذات تعددية عرقية، إلا أن البوذية لها سطوة الأسد والحظ الوافر في التأثير السياسي والمجتمعي، وذلك كونها جزءاً أساسياً من منظومة المشهد السياسي في البلاد، حيث اعتمد النظام العسكري عام 1962م على ولاء الرهبان البوذيين من أجل السيطرة وإحكام القبضة، وتصاعد دور البوذيين حتى أصبحوا حكاماً للمشهد على حساب باقي العرقيات والديانات القائمة وخاصة المسلمين.

أسباب اقتصادية: حيث تتمتع ميانمار بشكل عام وآراكان بشكل خاص بموقع إستراتيجي بين الصين والمحيط الهندي، وحباها الله بمخزون نفطي يتمثل في تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في مناطق مختلفة من ميانمار، بما يشكل 4.1% من الاحتياطي العالمي، كما أن آراكان تمثل حلقة وصل في قلب منطقة جيوإستراتيجية، بين القوى الدولية الأكثر تصارعاً في العالم على النفوذ وهي أشبه بميناء اقتصادي بحري تسعى الهند على سبيل المثال لاستغلاله والاستفادة منه.

إن المشهد الحالي في ميانمار مرشح له أن يستمر في التصعيد ضد المسلمين، وذلك في ظل غياب دولي كامل، وانغماس إسلامي وعربي في قضايا إقليمية جعلت مسلمي آراكان خارج نطاق البوصلة، وسمحت للبوذيين بأن يفعلوا ما يحلو لهم.

Exit mobile version