خطباء المسجد الأقصى منذ احتلال المدينة المقدسة عام 1967م، محور الاستهداف الأمني من قبل المخابرات “الإسرائيلية”، فالتحقيق معهم وتوجيه التهم لهم لا تتوقف، وكل واحد منهم خاض مرحلة الاستهداف من قبل أجهزة أمن الدولة العبرية، من شرطة ومخابرات واستخبارات.
“المجتمع” تلتقي أقدم خطباء المسجد الأقصى د. عكرمة صبري، الذي تولى الخطابة في المسجد الأقصى من عام 1973م حتى هذه اللحظة، بعد أن خلف والده قاضي القدس الشيخ سعيد صبري.
يقول د. عكرمة صبري: خطيب المسجد الأقصى يسير في حقل للأشواك، فمخابرات الاحتلال تترصده باستمرار، ويتم توثيق الخطبة أمنياً من قبل الاحتلال، ومع ذلك خطيب المسجد الأقصى أمير نفسه، ولا يتدخل أي جهاز أمني في محور الخطبة، فهذه أمانة يحملها الخطيب إلى العالم الإسلامي، فموقع الخطيب على منبر صلاح الدين الأيوبي ومن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني مسجد بني على الأرض بعد المسجد الحرام، لذا فالمسؤولية عظيمة والأمانة كبيرة، وتناول مواضيع مهمة تهم المسجد ومدينة القدس وما تتعرض له من حملات تهويد وخطيرة جداً.
الاستدعاء والتهديد
يقول صبري: الحديث عن جولات الاستدعاء والتحقيق والتهديد، يتم كتابة مجلدات عنها، فكل خطيب يتعرض لمثل هذه المضايقات، وأنا شخصياً خضعت لعشرات الاستدعاءات الأمنية والتحقيق من قبل محققين “إسرائيليين”، وخلال جولات التحقيق يبدأ مسلسل الوعيد والتهديد بالاعتقال والإبعاد عن المسجد الأقصى، وفرض عقوبات على العائلة، والمنع من السفر، ومضايقات عنصرية، وتم تطبيق عدة عقوبات بحقي منها الإبعاد عن المسجد الأقصى، والمنع من السفر، والمراقبة الدائمة لتحركاتي.
محاولة مراقبة الخطبة
استعرض الشيخ صبري محاولات الاحتلال في السيطرة على خطبة المسجد الأقصى من خلال محاولة الاطلاع عليها مسبقاً، وكانت هذه المحاولة من قبل قادة الدولة العبرية مع والدي الشيخ سعيد صبري، قاضي القدس، ورفض رفضاً قاطعاً، وهدد بإغلاق المسجد الأقصى، احتجاجاً على هذه المحاولة وتراجع قادة الدولة العبرية وقتها ومن ضمنهم موشيه دايان، وتمت إعادة المحاولة معي في عام 1976م عندما حضر أنور السادات إلى المسجد الأقصى، وطلب المخابرات الأمريكية والمصرية و”الإسرائيلية” مني شخصياً الاطلاع على خطبة عيد الأضحى المبارك، ورفضت هذا الطلب وهددنا بإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين يوم العيد، وكان التراجع من كل هذه الأجهزة المخابراتية، وتمت الخطبة التي تضمنت استهجاناً لهذه الزيارة تحت حراب الاحتلال من قبل رئيس لأكبر دولة عربية.
وأضاف: خطيب المسجد الأقصى حر نفسه بالكامل، ولا تتدخل به أي جهة مهما كانت، وتحاول المخابرات “الإسرائيلية” التدخل من خلال عملية الملاحقة الأمنية خارج المسجد الأقصى والاعتقال كما حدث مع الخطيب الشيخ محمد سليم على أبواب المسجد الأقصى بعد انقضاء الخطبة قبل عدة أشهر، ولاقت هذه المحاولة استهجاناً واحتجاجاً كبيراً من قبل كافة الهيئات المقدسية.
جولات التحقيق
تحدث الشيخ صبري عن جولات التحقيق قائلاً: خلال جولات التحقيق، يكون ضابط التحقيق ملتزماً بأسئلة، ولا أسمح له بأي محاولة للنيل من الكرامة، وفي بعض الجولات قال لي المحقق: إن تاريخ ميلادي هو من تاريخ والده، فقلت له: ألا تخجل أن تحقق مع شخص أنت من جيل أولاده؟ فسكت وخرج من الغرفة، وفي حادثة أخرى قال لي أحد المحققين: أنت تحرض على دولة “إسرائيل”، فقلت له على الفور: حركة ناطوري كارتا لا تعترف بكم كدولة وتسعى لخراب هذه الدولة، فماذا تتوقع مني أن أقول عن هذه الدولة التي أقيمت على أنقاض شعبي وتحتل مقدساتي وتهود مدينتي.
خطباء بعين المخابرات
مدير المسجد الأقصى سابقاً ورئيس أكاديمية القرآن في المسجد الأقصى د. ناجح بكيرات يقول عما يتعرض له الخطباء: كل من يعتلي منبر صلاح الدين في المسجد القبلي عليه ضريبة الملاحقة الأمنية، ويصبح في عين المخابرات “الإسرائيلية”، فكلماته ترصد حرفاً حرفاً، ويكون مركز تحقيق المسكوبية المكان الثاني له بعد بيته، ورسائل جهاز المخابرات لعائلته لا تتوقف، والبلدية ذراع الاحتلال تفتح ملف منزله ومكان سكنه، فهذه هي حياة خطيب المسجد الأقصى في ظل الاحتلال.
خطيب محروم
ويتحدث النائب التشريعي د. إبراهيم أبو سالم عن محافظة القدس وأحد خطباء المسجد الأقصى القدامى، والممنوع من دخول القدس: الخطابة في المسجد الأقصى لها رسالة خالدة، لذا الاحتلال عمد إلى تجفيف منابع المنبر داخل المسجد الأقصى، من خلال منع الكثير من الخطباء من الوصول إلى مدينة القدس المحتلة، وهذا هو ديدن الاحتلال في القدس وبالتحديد بالنسبة لمن يخطب الجمعة في المسجد الأقصى، ومن التهم التي وجهت لي أثناء الاعتقال في سجون الاحتلال، التحريض على الاحتلال في خطب الجمعة في المسجد الأقصى، فهم يعتبرون أي كلمة تمس الاحتلال في الخطبة تحريضاً عليهم، وهي تهمة سهلة وجاهزة للانتقام من كل خطيب.