استهداف المدنيين الأفغان بقصف الطائرات الأمريكية

رغم تعهدات القوات الأمريكية في أفغانستان بأنها لن تكرر استهداف المدنيين وقتلهم في أفغانستان عبر الخطأ بطبيعة الحال حتى تعود إلى تكرار هذا الأمر بقولها: إنها أخطاء تحدث في كل مكان حول العالم، ورغم هذه التعهدات فإن المدنيين الأفغان ما زالوا يدفعون الثمن غالياً، وعدد كبير منهم يسقطون ضحايا على يد الطائرات الأمريكية، كان آخرها الخميس3 نوفمبر 2016م؛ حيث لقي 35 مدنياً أغلبهم من النساء والأطفال مصرعهم، وأصيب أكثر من 100 آخرين بإصابات متفاوتة، بعد أن أغارت الطائرات الأمريكية على مواقع في مدينة قندوز في الشمال الأفغاني بحجة مطاردتها مقاتلين من “طالبان” يقفون وراء قتل اثنين من الجنود الأمريكيين في المنطقة.

وتحدثت المصادر عن استهداف متعمد للطائرات الأمريكية لأحد مناطق المدنيين العزل في المدينة، ويقول الأفغان: إن استمرار مثل هذه الهجمات وقتل السكان العزل في أفغانستان سوف يجعل الأمريكيين معزولين ومنبوذين، وستزداد كراهية الأفغان لهم كونهم يستهدفون في حفلاتهم ومناسبتهم وتجمعاتهم دون أن يتأكدوا، ويقومون بقتلهم تحت حجة استهداف معاقل لـ”طالبان” وغيرهم من المقاتلين في أفغانستان.

وبعد الهجوم الأخير، فإن الهوة ستزداد بين القوات الأمريكية والسكان المحليين الذين ينتقمون في العادة بطريقتهم الخاصة؛ وهي مد عناصر “طالبان” بالمعلومات حول تحرك الأمريكيين وتقديم الدعم اللوجستي للمقاتلين نكاية في الأمريكيين وحلفائهم الذين لم يتوانوا في قتلهم وإبادتهم تحت مسمى القتل الخطأ، دون أن يقدموا لهم تعويضات ولا يعلنون عن اعتذارهم رسمياً واعترافهم بالخطأ.  

لماذا استهداف المدنيين؟

واستهداف المدنيين في أفغانستان ليس حديث الساعة، وليس بالأمر الجديد على أفغانستان، ولا يمكن تحميل جهة مسؤولية قتلهم عن جهة أخرى، فجميع الأطراف المشاركة في القتال في أفغانستان مسؤولة بشكل أو بآخر عن قتل السكان العزل تحت مسميات الخطأ ومسميات العمالة ومسميات مختلفة، لكن الأهم هنا أن سقوط المدنيين على يد طائرات التحالف الغربي بقيادة أمريكا في أفغانستان كان الأسوأ؛ لأنه كان يسفر عن ضحايا بالجملة وعن خسائر في الأرواح لا تعوض.

وتعترف الأمم المتحدة بأن المدنيين الذين قتلوا في عام 2016م وحده يبلغ ألفي مدني، ثلثهم قتلوا على يد القوات الأمريكية وحلفائها تحت مسميات القتل الخطأ، وكانت الطائرات الأمريكية قد تورطت في قتل عدد كبير منهم خلال غاراتها على القرى والمدن الأفغانية، ليتبين بعدها أنها استهدفت حفلات الزواج ومناسبات الفرح، كان أسوأها استهدافهم قافلة مكونة من 40 مدنياً كانت تستقبل أبناءها الذين عادوا من أداء الحج في سبتمبر 2016م، وفي الشهر نفسه تعرض حفل زواج في أفغانستان إلى غارة أمريكية أسفرت عن مقتل 17 شخصاً أغلبهم من النساء والأطفال، وعلق الأمريكيون على الغارة بأنهم قصفوا الحفل بعد أن أطلقت منه نيران رشاشات عليهم؛ الأمر الذي نفاه السكان بقولهم: إن عاداتهم تقتضي إطلاق النار في الهواء كنوع من التعبير عن الفرح بمناسبة الزواج وغيره، وبدل من أن يتحقق الأمريكيون من مصدر هذه النيران ويحاولون معرفة حقيقة الأمر يقومون باستهداف هذه التجمعات وقصفها بصواريخهم في تحدٍّ سافر للأفغان وللحكومة الأفغانية المكلفة بالتحقيق في هذه القضايا ومعرفة أسبابها ومحركاتها وغيرها.

تشكيل لجان للتحقيق تستغرق سنوات دون أن تقدم أي نتيجة تذكر هي طريقة عمل القوات الأمريكية في أفغانستان، ويقول الأفغان: إن الأمريكيين وحلفاءهم من الحكومة الأفغانية شكلوا عدداً من اللجان للتحقيق في حوادث ما يسمى بالقتل الخطأ، وشكل قبلهم البريطانيون والألمان والإيطاليون وغيرهم الذين ارتكبوا بدورهم عمليات الإبادة عبر الخطأ ومر عليها السنوات الطوال دون أن تعرف الجهة المسؤولة عن إعطاء الأوامر بقصف المدنيين وقتلهم، ولا تقديم مسؤولين في الجيش الأمريكي وغيره إلى التحقيق والمساءلة، وقدم الأمريكيون تعويضات لبعض المدنيين المتضررين حتى يمنعوا عنهم اللجوء إلى المنظمات الدولية لتقتص في قتلهم.

وسيمر قتل المدنيين الجدد اليوم في قندوز وقبلهم بشهر وشهرين في شرق أفغانستان دون أن يتم محاسبة أحد أو القبض على ضباط متورطين؛ لأن استمرار عمليات القتل باتت تنم عن جريمة متعمدة، وعلى سبق إصرار في قتل المدنيين، رغم أن الأمريكيين يعرفون أن عليهم توخي الحذر والحيطة وعدم التعجل في قصف أي هدف يشكون فيه حتى يتلقوا تأكيدات من مصادر مختلفة، لكنهم مع الأسف مستمرون في استهداف المدنيين وقتلهم.

“طالبان” المستفيد من هذه “الأخطاء”

ويقول المراقبون: إن حركة “طالبان” ستبقى هي وحدها المستفيدة من تكرار هذه “الأخطاء” في أفغانستان، والجهة التي يمكنها أن تقول للأفغان: إن عليهم أن يقفوا معها لطرد قوات الاحتلال الأمريكية من بلادهم؛ لأنها جاءت فقط لقتلهم وليس لتعمير بلادهم وتشجيعهم على الديمقراطية، وتعترف السلطات الأفغانية بأن العمليات التي تستهدف المدنيين جعلت قواتها تقف في موقف محرج جداً مع السكان الغاضبين الذين يتهمونها بأنها تخفي الحقيقة وتحمي القوات الأمريكية ولا تريد القبض على المتورطين في قتلهم بشكل منظم ومتواصل.

وكان عدد من المظاهرات قد شهدتها العاصمة كابول ومدن أخرى مثل جلال آباد في شرق أفغانستان وقندهار في جنوب أفغانستان اتهموا فيها الأمريكيين بتنفيذ عمليات قتل منظمة ومتعمدة ضدهم حتى يقطعوا أي علاقة لهم بـ”طالبان” ولا يقفوا معها، وفي رأيهم أنه كلما سقط أمريكيون وغربيون في عمليات مع “طالبان” انتقمت الطائرات الأمريكية منهم بقتلهم بدلاً من أن تطارد مقاتلي “طالبان”، وخير دليل على ذلك عملية 3 نوفمبر الأخيرة التي أودت بحياة 35 مدنياً على الأقل وإصابة 100 آخرين، وقد جاءت بعد مصرع جنديين أمريكيين وإصابة آخرين في مدينة قندوز.

ويقول المراقبون: إن التحديات التي باتت اليوم تواجه القوات الأمريكية في أفغانستان واستمرار خسائرهم على يد “طالبان” ومخاوفهم من أن يتمكن عناصر “طالبان” من دخول العاصمة كابول والسيطرة عليها بعد أن تمكنت من دخول مدن متفرقة في مناطق متفرقة من أفغانستان في عام 2016م، وسيطرتها على المئات من القرى والأرياف جعلت الأمريكيين يشعرون أنهم قد يفقدون جميع ما أنجزوه في أفغانستان في 14 سنة الماضية، وهو الأمر الذي يجعلهم يعملون على تفاديه وعدم وقوعه، ويبدو أن الانتصارات التي حققها مقاتلو “طالبان” مؤخراً في الشمال الأفغاني وتفوقهم على المجامع المسلحة التابعة لـ”تنظيم الدولة” (داعش) في جنوب أفغانستان وغربها وشمالها جميعها جعلت الأمريكيين يفقدون أعصابهم ويشنون عمليات غير مدروسة ضد “طالبان” ويتبعون سياسة رد الفعل لا غير، ويتحدثون عن قتلهم العشرات من مسلحي “طالبان”، ليتبين بعدها أن أغلبهم من المدنيين وليسوا “طالبانيين”.

ويقول المراقبون: إن ازدياد عدد عمليات ما يسمى القتل الخطأ قد ارتفع في عام 2016م وخاصة في الأشهر الأربعة الماضية في أفغانستان؛ الأمر الذي يفيد أن هناك توتراً في صفوف القيادة الأمريكية وقلقاً من مستقبلهم في أفغانستان، التي أنفقوا فيها مليارات الدولارات، وأسسوا قواعدهم العسكرية ليجدوا أنفسهم في الأخير مجبرين على مغادرتها مثل ما صنعه السوفييت في الماضي.

Exit mobile version