إن للأخلاق في حياتنا كأمة إسلامية مكانة رفيعة، ومنزلة سامية، ولم لا؟ وهي التي اتُصف بها رُسل الله سبحانه وتعالى، فهذا نبي الله تعالى نوح عليه السلام صبر في دعوته ألف سنة إلا خمسين عاماً، وإبراهيمُ عليه السلام اتصف بأنه كان كَريمًا، وإسماعيلُ صلى الله عليه وسلم كان صَادِقَ الوَعدِ، ويوسُف عليه السلام كان عفواً وقال لإخوته كما حكى القرآن الكريم عنه: ﴿لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾، وموسَى عليه السلام كان حيِيًّا لا يُرى شَيءٌ من جِلدِه، ونبيُّنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم أكمَلُ الناسِ أَخلاقًا، وصَفَه الله بقولِه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، كل هذه من مكارم الأخلاق فكل منهم عليهم السلام برع في نموذج من النماذج الأخلاقية فكان مثالاً فيها للاقتداء والارتقاء لمن اتبعها والتزم بها.
إن عبادات الإسلام جميعها تُربينا على الخلق الحسن، فالركن العظيم في الإسلام الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزّكاة صدقةٌ تطهرنا من الذنوب والمعاصي وتدفع عنا البلاء والنقم، وفي الصيام يبعد الإنسان عن قول الزور والبهتان، والحج فريضة عظمى فهو مانع للرفث والفسوق والجدال، فمن كان مسلماً حقاً عليه أن يتخذ من أركان الإسلام وتعاليمه ما به يحسُن خلقه وتنتظم صلته بالخالق سبحانه وتعالى وبالناس حتى لا يكون في النهاية من المفلسين، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن مَن لا يأمَن جاره بوائقَه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرِم ضيفَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمت، والحياء شعبة من الإيمان”.
أعتقد من خلال ذلك رأينا أن الأخلاق تدخل في حياتنا كلها، فتراها في سلوك الإنسان وتصرفاته، جده وهزله، رضاه وسخطه، فمن أراد أن يعيش سعيداً عليه بتقوى الله وعمل الصالحات وقول الحق مهما كلَّفه قال تعالى: ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾، وقد ورد فيما أخرجه أحمد (6/ 64)، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ”، ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقي”.
يقول عبدالرحمن حبنكة الميداني، صاحب كتاب “الأخلاق الإسلامية وأسسها”: “وإذا كانت الأخلاق في أفراد الأمم تمثل معاقد الترابط فيما بينهم، فإن النُّظم الإسلامية الاجتماعية تُمثل الأربطة التي تشدُّ المعاقد إلى المعاقد، فتكون الكتلة البشرية المتماسكة القوية، التي لا تهون ولا تستخذي”.
إذا فالأخلاق هي السهم النافذ على استمرار أي أمة أو انهيارها، فقديماً قالوا: “الأمة التي تنهار أخلاقها يُوشك أن ينهار كيانها”، يقول الشاعر أحمد شوقي رحمة الله عليه:
وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلا
مما سبق يتبين لنا أنه لو تمسك كل منا بمثل هذه الأخلاق الفاضلة فإنها بلا شك ستعود علينا جميعاً بالخير والبركة؛ وذلك لأن رسالة الإسلام جاءت حاملة في طياتها الخير للجميع من خلال رسولنا صلى الله عليه وسلم، جاءت من أجل إتمام مكارم الأخلاق, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ”، فالأخلاق في ديننا تحتاج لفكر سليم وعلم نافع وعقل رزين ومجتمع تقوده الغيرة على أبنائه.