إعلاميون وسياسيون: الموصل تواجه خطراً إيرانياً ينذر بمحرقة إنسانية

دقت منظمات دولية وحقوقية عدة ناقوس الخطر مع انطلاق العملية العسكرية ضد “داعش” في الموصل شمالي العراق، إذ تصاعدت المخاوف من استهداف المدنيين في المدينة وعددهم نحو مليون ونصف المليون نسمة.

وبدأ حجم المعاناة والمخاطر المتربصة بالمدنيين، يتكشف تباعاً مع تقدم معركة استعادة مدينة الموصل مركز محافظة نينوى العراقية من سيطرة تنظيم “داعش”، كاشفاً في الآن نفسه عن ضعف، وحتى انعدام، الاستعدادات الحكومية لمواجهة كارثة إنسانية كبيرة بدا للجميع أنها واقعة لا محالة، وبالإضافة إلى ذلك يحذّر خبراء الشؤون العسكرية من أنّ الخطط الموضوعة لاستعادة المدينة لم تراع بشكل كاف عامل تأمين المدنيين، والتحسّب لمختلف السيناريوهات وأكثرها بداهة اتخاذهم دروعاً بشرية من قبل تنظيم “داعش”.

وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عدد المحاصرين داخل الموصل يقدر بنحو مليون و200 ألف شخص، بعد نزوح أكثر من 100 ألف عراقي من المدينة، خلال فترة الاستعداد للمعركة.

وتتوقع المفوضية أن تتسبب معركة استعادة الموصل من “داعش” بنزوح مليون شخص، من بينهم 100 ألف قد يتجهون نحو أربيل والسليمانية، و250 ألفاً نحو شمالي نينوى، و350 ألفاً نحو جنوبي نينوى وصلاح الدين.

رئيسة بعثة الصليب الأحمر في العراق كاثرينا ريتز، تقول: السكان المدنيون هم في مركز اهتمامنا اليوم، العملية العسكرية ابتدأت في الموصل، وأنا متأكدة أن المدنيين والأطفال والناس فزعون وسيحاولون الفرار وسيحاصرون في مناطق تبادل إطلاق النار.

منظمات الإغاثة الدولية اتخذت احتياطاتها بشكل مسبق وأنشأت مخيمات لاستقبال المدنيين الفارين من أرض المعركة جنوب أربيل في إقليم كردستان العراق، كما تبذل هذه المنظمات الجهود الممكنة لتقديم الغذاء والخدمات الصحية لهؤلاء المدنيين في إطار العمل على التخفيف من وطأة الكارثة الإنسانية.

“داعش” يهاجم كركوك

ومع انشغال القوات العراقية والبيشمركة في معركة الموصل، وبشكل مفاجئ، جاء رد تنظيم “داعش” على معركة الموصل بمحاولة توسيع الجبهات، عبر هجوم شنّه في كركوك، وبدا أنه محاولة لتخفيف الضغط عنه.

فهاجم، فجر الجمعة، محافظة كركوك بعشرات المسلحين الذين تمكنوا بشكل سريع من السيطرة على ثمانية أحياء سكنية وعدد من الدوائر والمؤسسات الحكومية وسط مدينة كركوك، قبل أن تستعيد القوات الأمنية العراقية فرض سيطرتها، من دون أن تتوقف المواجهات حتى ساعات متأخرة من مساء أمس.

وأعلن مجلس محافظة كركوك، مساء الجمعة، أن العملية الأمنية التي انطلقت فجر الجمعة بعد مهاجمة مسلحي التنظيم عدداً من المؤسسات الأمنية والخدمية بالمدينة، انتهت بـ”مقتل جميع المهاجمين وتحرير الرهائن”.

وقال: إن الحصيلة شبه النهائية للقتلى بلغت نحو 26 شخصاً، من ضمنهم عناصر من قوات الأمن (الأسايش)، وموظفون في محطة كهرباء الدبس، ونحو 50 جريحاً.

وتابع أن 28 عنصراً من “داعش”، بينهم انتحاريون، قتلوا في العملية منذ فجر اليوم وحتى المساء.

ومن بين المقرات التي استهدفها الهجوم، مديرية الأمن، ومقر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ومحطة كهرباء “الدبس” (شمال غربي المدينة).

وتمكن المسلحون من قتل 12 موظفاً بينهم 4 إيرانيين داخل محطة الكهرباء، فيما احتجز آخرون 15 مدنياً غربي المدينة رهائن داخل بعض المنازل بعد محاصرتهم من القوات الأمنية، بحسب مصادر رسمية.

وذكر مصدر طبي في المدينة أن الهجوم أسفر عن مقتل 18 من أفراد قوات الأمن والعاملين في محطة للطاقة خارج المدينة من بينهم إيرانيون.

ويأتي الهجوم العنيف بينما تشن القوات العراقية منذ الإثنين الماضي عملية واسعة لاستعادة الموصل من سيطرة التنظيم، في محاولة على ما يبدو لتحويل الأنظار عن عملية الموصل.

ويقول مراقبون ومحللون: إن الوضع ينذر بكارثة أضعاف وضع الأنبار، معللين ذلك أن المخيمات القديمة المجاورة مكتظة أصلاً بين سوريين وتركمان ومن مركز المدينة.

وأوضحوا أن الجيش العراقي يهاجم التركمان بعنف نكاية بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشيرين إلى أن ما حدث في كركوك بالأمس رسالة واضحة لأن كركوك بأغلبية تركمانية.

وأشاروا إلى أن قطع طريق كركوك وهو المعبر الآمن إلى بقية المحافظات السُّنية إربك عمل المنظمات وعمليات الإخلاء.

وأعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أمس الجمعة، أن السلطات الأمنية العراقية وسلطات إقليم كردستان تقيّد بصورة غير قانونية حرية تنقل النازحين في مخيمات قرب كركوك، رغم غياب الأعمال العدائية في المنطقة.

ونقلت المنظمة في تقرير نشرته أمس عن نازحين في مخيمَي نزراوة وليلان أنهم لا يستطيعون مغادرة المخيمات إلا بعد الحصول على كفيل، وأن قوات الأمن تحتجز بطاقاتهم قبل مغادرة المخيمات، وتأمرهم بالعودة إليها في نفس اليوم، معتبرة أن هذه القيود حدّت من حصول السكان على رعاية طبية، والوصول إلى العمل والأقارب.

ونقلت أيضاً عن عمال إغاثة دوليين أن السلطات في كركوك تزعم أن القيود هذه ضرورية لأسباب أمنية، في حين طلبت “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”، التي تشرف على المخيمات من السلطات إزالة القيود المذكورة.

وقالت نائبة مدير قسم الشرق الأوسط، لمى فقيه: القيود المفروضة على مخيمات النازحين تمييزية وتجاوزت كل الحدود، مع إمكانية نزوح آلاف الأشخاص بسبب العملية العسكرية في الموصل، يتعين على السلطات العراقية حماية حقوق النازحين، وليس معاقبتهم بتقييد وصولهم إلى العلاج الطبي والعمل والأسرة.

ورأت “هيومن رايتس ووتش” أنه لا يجوز فرض أي قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وهي تدابير ضرورية لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.

لا ممرات آمنة

وقال الشيخ فاروق الظفيري، المتحدث الرسمي باسم الحراك الشعبي السُّني في العراق: إن هناك عدداً من المؤشرات على وجود “نوايا خبيثة” تجاه المدنيين بمدينة الموصل، والبالغ عددهم مليوناً ونصف المليون.

واستعرض الظفيري عدداً من الأسباب التي تشير إلى أن مليشيات الحشد الشعبي ستفعل أكثر مما فعلته في الفلوجة قبل أشهر، إبان وبعد تحريرها من تنظيم “داعش”.

وأوضح أن أول المؤشرات عدم استعداد حكومة العبادي لاستقبال العوائل النازحين من معركة الموصل، فبذلك يريدون الإبادة.

وأضاف أن المؤشر الثاني أن الحكومة لم تفتح ممرات آمنة هذه المرة، ورغم أن هذه الممرات تسببت في انتهاكات، وكانت وكراً للمليشيات التي اعتقلت وخطفت حتى اليوم أكثر من 3 آلاف مواطن سُني، فإنها لم تعلن عنها في الموصل لخروج المدنيين.

وعن المؤشرات الأخرى، أوضح أن الموصل محاطة بأكثر من 80 ألف مقاتل بمختلف صنوفهم، مع المليشيات والأمريكيين، وما بين 6 – 8 آلاف من الحرس الثوري الإيراني، مع كافة الأسلحة والمعدات، وبالتأكيد هم سيفعلون أكثر مما فعلوا بالفلوجة.

وشدد على أن عدد عناصر “داعش” في الموصل، بحسب إحصائيات الحكومة ما بين 5 – 8 آلاف عنصر، فيما يقتل بقية المليون ونصف مليون مدني في المدينة بحجة قتال هؤلاء.

مشاركة الحشد الشعبي في المعركة يعد مؤشراً آخر؛ إذ إن تحركاتهم موجودة على أطراف الموصل، كما كانوا على أطراف الفلوجة، بداية قالوا: لن يدخلونها، ومن ثم دخلوها، وإلى الآن هناك مقرات للمليشيات في الفلوجة.

واستشهد على ذلك بأن تواجد المليشيات على أطراف الموصل هو مجرد ادعاء، المعركة هي على أطراف الموصل حتى اللحظة، ولم يدخل أحد الموصل، لا الجيش ولا المليشيات، ولكن من يضمن أن المليشيات لن تدخل الموصل.

وتابع الظفيري: الجيش العراقي المشرف على العمليات حالياً في الموصل يفعل الأفاعيل مثل المليشيات، الفرق الوحيد هو الملابس، لذا لم نر أحداً عوقب بجريمته التي ارتكبها في الفلوجة سابقاً، رغم تصريح الحكومة بأنها جرائم فردية.

ومن الأمور الأخرى التي تدل على أن الموصل على أبواب انتهاكات كبرى بحق المدنيين، اعتباره أن لإيران وأمريكا ثارات مع مدينة الموصل؛ لأن أكثر الضباط الذين شاركوا بالحرب على إيران في الثمانينيات كانوا من الموصل، وتكن لهم عداء واضحاً.

أما فيما يخص ثارات أمريكا، فكشف أن أمريكا تريد أن تنتقم، لها ثارات مع العراق، وخاصة الموصل والأنبار، وكثير من قيادات جيش العراق سابقاً، وقيادات المقاومة، كانت من أهل الموصل.

وأكد أن الموصل تختلف عن باقي المناطق، فيها كثير من الكفاءات العسكرية والطبية والاقتصادية، فيها خزان من الكفاءات العالية، فيحاولون تدمير البلد عندما يقضون على هذه الكفاءات.

خطورة المعركة

وقال الكاتب رضوان الأخرس في مدونة بعنوان “خطورة معركة الموصل على حاضر العراق ومستقبل المنطقة”: تداعيات نتائج المعركة غير محدودة حتى لو انتصرت قوات البيشمركة والمليشيات الحكومية أو الحشد الشعبي، ستبقى الموصل بيئة خصبة للمواجهة والحشد على أساس طائفي، فإن غابت “داعش” لا يعني ذلك انتهاء التطرف لأن بيئته وهي التهميش والإقصاء والتطرف ستبقى، وقد تتفجر صراعات أخرى فإن تم تهميش السُّنة سيتصارع الكرد ومليشيا الحشد على نفوذ المنطقة عند تقاسم الحصص ولن تنتهي دوامة الصراع ببساطة، وقد تملي الأطراف للمليشيات الطائفية من أجل التوسع في تهديد المنطقة مما يزيد من شعور المظلومية لدى أهل السُّنة ويجعلنا أمام مرحلة جديدة من دوامة الصراع المذهبي.

ووصف الكاتب والإعلامي السوري أحمد موفق زيدان ما يحدث في الموصل بأنه “مهزلة دولية بامتياز”.

وقال زيدان: يدعمون وحوشاً بثياب بشر في اقتحام مدن كالموصل ويعرفون سجلها الوحشي سابقاً ويدعونها لعدم انتهاك حقوق الإنسان.

وأضاف: الكل يدعو إلى حماية المدنيين في الموصل وغيرها من “داعش”، لا أحد يدعو لحمايتهم من المليشيات الطائفية ذات الجرائم الوحشية.

ودعا زيدان الأقليات في الشام والعراق للتظاهر دفاعاً عن أهل السُّنة قائلاً: إن كانت جادة بإيمانها بالوطن أن تُخرج مظاهراتها المليونية لتقول لا لتهجير السُّنة فهم من شكل المشرق ولا يزالون.

معركة جوهرية برايات طائفية

وبرأي الكاتب سلمان الدوسري، فإن المعضلة ليست في الحرب ضد بضعة آلاف من الدواعش متوقع هزيمتهم، المشكلة الحقيقية ستظهر بعد تحرير الموصل، نظرًا للسياسات الطائفية التي ورثتها حكومة حيدر العبادي من سلفه نوري المالكي، والتي غدت أكبر من قدرة الحكومة العراقية على السيطرة عليها، فالمليشيا تدين بالولاء للنظام الإيراني وتتحكم فيها طهران للدرجة التي تجعل قاسم سليماني يقود معاركها، كل هذه المخاوف تنذر بكارثة إنسانية على المدنيين في الموصل وتسبب قلقًا للمجتمع الدولي بأكمله، وهو ما ترجمه اجتماع باريس الذي التأمت من خلاله 20 دولة – بينها تركيا والولايات المتحدة ودول الخليج، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية – للتحضير للمستقبل السياسي لمدينة الموصل مع البحث عن ضمان لحماية السكان المدنيين في المدينة والقرى المجاورة وتقديم المساعدة الإنسانية، وإن كانت كل هذه الاجتماعات لن تفضي إلى نتائج إيجابية طالما الأرض تتحكم فيها المليشيات، إلا أنها تقر بأن المشكلة ليست فقط في طرد «داعش»، وإنما أيضًا في أعقاب خروجه من المدينة وسيطرة المليشيات المتطرفة عليها.

وقال الدوسري في مقال بعنوان “الموصل.. معركة جوهرية برايات طائفية”: ما أقسى معاناة المدنيين في الموصل، من يتخيل مئات الآلاف تحت طائلة العقاب والانتقام، يحملون جريرة جرائم قام بها 5 آلاف مقاتل “داعشي” حكموهم بالحديد والنار، لا شك أن منتسبي التنظيم سيختلطون بالسكان المحليين بعد هزيمتهم، وسيرتدون ملابس غير التي يرتدونها وينخرطون بين المدنيين، وهنا ستتكرر الانتهاكات التي جرت سابقًا، بل ربما الأسوأ سيشهدها قضاء تلعفر التي يقطنها خليط من الشيعة والسُّنة والتركمان، في ظل سعي إيران لتعميق نفوذها، عن طريق الحشد الشعبي بالطبع، الذي أعلن بكل صفاقة أنه سيتصدر القوات العسكرية التي ستقود معركتها، وهنا من يستطيع التفريق بين “الداعشي” والمواطن العادي؟ وهل يمكن الوثوق بمليشيات لديها آلاف الأسباب للانتقام، عندما تبدأ عمليات التحقيق والتدقيق وفق أسس عدوانية وطائفية؟!

وقال الكاتب يمان دابقي: عسكرياً، يشارك في معركة الموصل أكثر من خمسين ألف مقاتل، من القوات العراقية ومليشيات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة الكردية والحرس الوطني أو حرس نينوى، ويجب ألا ننسى الإسناد الجوي من طيران والتحالف الدولي وخمسة آلاف مقاتل أمريكي.

وأوضح دابقي من المرّجح أنّ الهدف الأساسي لمعركة الموصل لا يتعلّق بطرد التنظيم، والذي تُركت له الجهة الغربية من الموصل ممرّاً آمناً للانسحاب إلى سورية، وبالتحديد إلى منطقة القلمون عن طريق البوكمال، ويبقى هذا الاحتمال مرتبطاً بطبيعة إستراتيجية التنظيم في هذه المعركة، من حيث المواجهة والصمود أو الانسحاب.

وبين أن ناقوس الخطر دق عن مصير أكثر من مليون والمليون ونصف سُني من أبناء الموصل، بدأت موجات النزوح باتجاه سورية وداخل العراق، ولا نعلم لاحقاً أيّ مصير كتب لهم بعد تحذيرات الأمم المتحدة أنّ الموصل ستكون أكبر كارثة إنسانية في العام الجاري (2016م)، يُضاف إلى تحذيرات واشنطن أنّ الخطر الداخلي على أبناء الموصل من مليشيات الحشد الشعبي أن ترتكب مجازر بحقهم انتقاماً للإمام الحسين، كما عبّر عن ذلك أحد قادة المليشيات التابعة لإيران.

وعن المشاركة التركية قال دابقي: تركيا معنيةً بهذه المعركة، وهي أحق بكثير من القوات الأمريكية والفرنسية والمليشيات الإيرانية التي لا أحد يطالبها بعدم المشاركة، ما يفيد بأن تركيا فعلاً في خطر محدق من إيران التي تسعى إلى تدمير الموصل وليس تحريرها.

واختتم قائلاً: تفيد جميع المؤشرات بأنّ معركة الموصل سياسية وليست عسكرية، وما “تنظيم الدولة” إلا ملف بيد كلّ الدول تتخذه ذريعة لوضع موطئ قدم لها في مستقبل المنطقة المرتب لها لما بعد الموصل من أميركا و”إسرائيل”، فهل سيكون المستقبل تقسيماً على أساسي عرقي، أم سيكون نظام فدراليات مذهبية؟

Exit mobile version