لم تتحصل موسكو على قرار رفع العقوبات المتعلقة بالملف الأوكراني. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يتحول تدخلها في الأراضي السورية مع مرور الأيام إلى مستنقع.
إن زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى العاصمة باريس من المحتمل أن تنبئ بعودة العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وروسيا. وقد أكد الرئيس الروسي، سنة 1999، في مقال بعنوان “روسيا في مطلع الألفية الثانية”، أن “روسيا تخشى الوقوع، للمرة الأولى في تاريخها، في المستوى الثاني أو الثالث للسياسة العالمية، لذلك يجب علينا القطع مع الإستراتيجيات السابقة“.
على إثر هذه القرارات، نجح بوتين في استرجاع تطور دولته ونفوذها ولكنه أعاد خلال ذلك إحياء مواجهاته مع الولايات المتحدة فضلا عن الحرب الباردة التي كانت تجمع بينهما، وتمكن من استعادة النفوذ الروسي الذي كان يتمتع بها في فترة الإتحاد السوفيتي. ومنذ وصوله إلى الكرملين، سخّر الرئيس الروسي كل طاقته وكل طاقات الأطراف التي تعمل معه في خدمة أهدافه.
لا أحد يستطيع إنكار النتائج التي وصلت إليها الأوضاع اليوم، فبعد إقصائها من الانتصار الذي حققه الغرب ضد الشيوعية، تمكنت روسيا بقيادة رئيسها فلاديمير بوتين، من صناعة قوتها من جديد، وجعلها قوة تعتمد على الساحة الدولية. فرضت روسيا نفسها كلاعب رئيسي في العديد من الأزمات الكبرى التي شهدها العالم، كما أنها أعادت موجة المواجهات مع الولايات المتحدة. مع ذلك، ضلت روسيا من أهم الدول التي تملك إستراتيجية في الشرق الأوسط.
عملت روسيا، منذ بداية سنة 2007 على تضييق الخناق على الولايات المتحدة الأمريكية حول كل ما يتعلق بالشؤون الخارجية وسعت بكل جهدها، اعتمادا على خطابات لاذعة، إلى القطع مع ما أسمته “عملا أحادي القطب”. وقد خطط بوتين لأجل هذا الهدف، الذي سيمكنه من التغلب على القوى التي تعترضه، باستعمال ورقته الرابحة وهي القوة الدبلوماسية، التي اكتسبها وحافظ عليها منذ فترة الحكم السوفيتي، والجيش، الذي يسعى دائما إلى تطويره وتعزيزه.
بعد محاولة تضييق الخناق على الولايات المتحدة، أولاً من خلال المؤتمر الذي عقد في العاصمة الألمانية مونيخ سنة 2007 والذي تناول الملف الأمني، تمكنت روسيا من السيطرة على جزء من جورجيا. وبعد مرور سنة على انعقاد المؤتمر، نجحت، سنة 2014، في ضم شبه جزيرة القرم وزعزعة استقرار منطقة شرق أوكرانيا، حيث كان الهدف من ذلك إرسال رسالة إلى الغرب مفادها، أن حدود البحر الأسود والفضاء السوفيتي السابق تعود إلى روسيا وأن نظام الأمن الأوروبي الذي تواصل بعد الحرب الباردة لم يعد مناسبا.
كانت سورية أكثر دولة منحت بوتين الشجاعة، حيث استلهم منها لكي يطلق العنان لكل طموحاته الدولية في الشرق الأوسط والعالم. وفي أغسطس سنة 2013، قدم بوتين مخططاً يقوم على نزع الأسلحة الكيميائية من النظام السوري ويهدف إلى منع التفجيرات الأجنبية في سورية.
والجدير بالذكر أن تدخل روسيا ساعد الأسد على المحافظة على قوته وصلاحيته في سورية. كما تتلخص خطة بوتين في إبعاد التدخل الأجنبي الذي تقدمه الدول الغربية، من خلال أنظمة الدفاع الجوي، واستعمل هذه الخطة في سورية وشبه جزيرة القرم.
في الأخير، وبالتحديد في نهاية سنة 2015، نجح بوتين في فرض مكانته في الأمم المتحدة من جديد والوقوف على منصتها، بعد غياب تواصل لمدة عشر سنوات. وقد أفاد مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، توماس غمارت، في تعليقه على عودة بوتين إلى الأمم المتحدة أن “الروس أثبتوا قدرتهم على إدارة العالم“.
لكن روسيا تستمد قوتها من ضعف من هم حولها؛ فإذا كانت روسيا قوية ومسيطرة، فهذا يعود إلى ضعف الدول الأخرى، بدءًا من الإدارة الأمريكية. ويكمن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط في حل الالتزامات التي وضعت فيها نفسها. أما روسيا، من جهتها، فقد استغلت بذكاء ابتعاد الولايات المتحدة وتذبذب إستراتجيتها وترددها حول استخدام القوة، الذي تعتبره دليلا على الضعف، ورأت في ذلك فرصة مجانية لعكس مسار التاريخ والانتقام. هذا ناهيك عن الحديث عن القوة الأوروبية، التي أصبحت غائبة ومشتتة وضعيفة أمام روسيا، على إثر انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وفشلها في الدفاع عن نفسها.
ولكن إستراتيجية روسيا تتضمن حدوداً من المستحيل تخطيها. وقد أفاد دبلوماسي، في حديثه عن التدخل الروسي في سورية، أن “بوتين يسعى إلى فرض انطباع “القوة” في سورية، من خلال استعماله للقنابل وإسقاطها، ولكنه لا يملك حلاً سياسيا للدولة”. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن بوتين من إنشاء “الائتلاف الدولي الكبير” الذي أراد تكوينه بهدف مكافحة الإرهاب.
لم ينجح بوتين في رفع العقوبات المتعلقة بالملف الأوكراني. لكن فيما يتعلق بالتزامه ودعمه لنظام الأسد، فإنه من المحتمل أن يتحول ذلك في يوم من الأيام إلى مستنقع لن يقدر على الخروج منه.
الصحيفة: لوفيغارو
الكاتب: ازابيل لاسير