العلاقة بين الرضا والسعادة

إن من أهم عناصر السعادة هو الرضا، بل إن كل من وفقه الله ومنَّ عليه بنعمة الرضا فهو سعيد ويتضاءل أي حزن مهما بلغ مع فضل الرضا في غمر النفس بالسعادة بمرضاة الله.

وفي المقابل يجب ألا يربط المؤمن رضاه عن الله بمستوى سعادته، فهو راض بما ابتلاه الله بالعطاء وهو – نعوذ بالله – ساخط إذا ما ابتلاه الله بالمنع، بل يجب على المؤمن أن يكون دائما مطمئن القلب بجانب الله، إنه راضٍ وعلى يقين أن كل ما ابتلاه الله به فهو خير له، فقد قال المولى عز وجل في سورة براءة ” قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) أي أن كل ما ابتُلي به العبد فهو له وليس عليه (كَتَبَ اللَّهُ لَنَا).

هل الرضا هبة من الله أم توفيق منه سبحانه؟

إن عطاءات الله نوعان، نوع هبة مثل الذرية، وقد ذكر الله أن الذرية هبة، فكل الأزواج يفضي بعضهم إلى بعض، ولكنه جل وعلا يهب ويمنع من يشاء بحكمته، وفي المقابل لم يقل النصر هبة بل ربط النصر بشروط وهي نصرة الله، لذا فالنصر توفيق من الله للمؤمنين بعد اتباعهم لأسباب النصر من الإخلاص وإعداد العدة والتوكل على الله والإلحاح في الدعاء، فإن شاء وفقهم وحققوا النصر على أعداء الله أو ابتلاهم لأخذ العبرة والدرس ولله الحكمة البالغة.

نرى -والله العليم- أن الرضا توفيق من الله للعبد المؤمن المخلص والذي بذل وجاهد نفسه وكرس حياته على برنامج معرفي يتدبر فيه آيات الله فيخر لله ساجدا لعظمته وكل خلجة في نفسه تسبح بحمده عز وجل ويطمئن قلبه بذكر الله، ويعيش في معية الله مع أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فهو في محراب العبودية الخالصة سواء في مسجده أو سعيه لإعمار الأرض، ذو بصيرة واعية يتدبر آيات الله، ففي كل آية من القرآن الكريم وفي كل نظرة للحياة والموت عبرات وعظات ويجد حقا أن الكون كله يتعبد بالتسبيح بحمد الخالق العظيم، فيوفقه الله للرضا وقد وعد الله بأنه لا يضيع أجر من عمل صالحا ومن جاهد فيه سبحانه وتعالى أن يهديه ويمنَّ عليه بالرضا وهو ثمرة كل العبادات.

لذا فالرضا قرار.. يتخذه العبد الكيس الفطن بتطبيق برنامج حياتي قائم على قناعات عقليه بأنه لا سبيل لمرضاة الله إلا بالاعتقاد اليقيني الكامل المبني على المنطق السوي القويم بأن الله هو ربنا ومولانا متكفل بكل شؤوننا وأن كل ما يقدره ويقضي به فبعلمه وحكمته؛ لأنه سبحانه منزه عن كل نقص وما يواجهه العبد من خير فبفضل الله ورحمته وما يواجهه من سوء فبما اقترف ويعفو بعزته عن كثير.

لهذا فإن العبد المؤمن يحرص ويروض نفسه على الرضا حتى يرضى الله عنه، فقد شاء الله أن يربط رضاه عن العبد برضا العبد عنه. وقد وردت عبارة {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عنه} أربع مرات في القرآن الكريم على النحو التالي:

قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) المائدة.

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة.

لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) المجادلة.

جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) البينة.

وكما يقول العلماء ربط المولى عز وجل رضاه عن العبد برضى العبد عنه سبحانه وتعالى، ويرضى العبد عن الخالق عز وجل برضاه عن كل ما يقدره ويقضي به على الإطلاق سواء وافق ما يحب أو كرهه، لأنه من عند الله، حتى ينال رضاه.

لذا على المؤمن أن يكرس نفسه ويوطنها على الرضا بكل ما يقدر به الله حتى يكون ديدنه حمد الله ليس فقط بلسانه بل بكل جوارحه ومشاعره وأحاسيسه، فعقليا هو على قناعة تامة وعقيدة راسخة بأنه عبدٌ لخالق عظيم ورب رحيم عليم حكيم.. ويستجيش مشاعره حتى يكون هواه تبعا لما قضى الله به، فيطمئن قلبه بحب الله وقضائه وأن الخير كل الخير في الرضا بالله وحكمه، فتسكن نفسه وتهدأ وتعلم أن ما عليها هو السعي الشرعي لتحقيق ما تراه مراضاة لله، ولكنها راضية بما سيقدره الله سواء وافق هواها وما اشتهت ورغبت نفسه أو كان قضاء الله مخالفا لها فهي قد سكنت على حب الله وما يقسم به.

ولكن عن أي رضا نتحدث؟

الرضا الإيجابي قبل وأثناء وبعد أي عمل يشرع المؤمن فيه.

تحديد غاية ترضي الله وبذل الجهد الموافق للضوابط الشرعية والمناسب لتحقيق الغاية المرادة، دون توجس وخوف وهلع، هل سيتحقق وننجح في تحقيق ما نريد، أم سنفشل وتضيع جهودنا هباء؟

نحن مأجورون بفضل الله ومنّه منه على البذل والجهود، ما دمنا قد أخلصنا النية لله وحددنا غاية ترضيه جل وعلا، واتبعنا الضوابط الشرعية في ذلك؛ فالغاية لا يمكن أن تبرر الوسيلة، فنحن غير مسئولين عن النتائج؛ لأنها بين يدي الحكيم القدير، والذي عنده كل شيء بمقدار.

Exit mobile version