ارتفاع سعر الدولار في مصر.. رؤية تحليلية

– الارتفاع المتسارع في سعر الدولار وراءه لوبي أصحاب المصالح الذين يحركون العملة الخضراء للاستفادة من فروق الأسعار والاسترباح

– لن تتوقف حدة الانخفاض في الجنيه خلال الفترة القادمة فالقادم أسوأ والكساد قادم لا محالة في ظل الحول التنموي الحكومي وانخفاض مصادر الموارد الدولارية

 

في الوقت الذي ما زال فيه سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في السوق الرسمية في البنوك المصرية ثابتاً عند 8.88 جنيه، شهد سعر الدولار يوم الإثنين 25 يوليو 2016م ارتفاعاً مفاجئاً ومتسارعاً بنسبة كبيرة في يوم واحد، حيث ارتفع من 11.50 جنيه إلى 13 جنيهاً، وارتفع في اليوم التالي الثلاثاء إلى 13.60 جنيه ثم انخفض متسارعاً في اليوم التالي الأربعاء إلى 11 جنيهاً، وبذلك ارتفع بنسبة 18.3% في يومين، ثم انخفض بنسبة 23.6% في يوم واحد.

وهذا الارتفاع والانخفاض المفاجئ والمتسارع محل نظر، فهو يبرز أن العامل الاقتصادي وحده ليس هو المحرك له، بل هناك عوامل أخرى قد تكون سياسية وراء هذا التغير.

فوفقاً للأبعاد الاقتصادية، من المتوقع ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه (ولكن ليس بهذه السرعة) في ظل انخفاض الحصيلة الدولارية لمصر بصفة مستمرة منذ الانقلاب العسكري، وليس آخرها ما نشره البنك المركزي المصري منذ أيام عن أداء ميزان المدفوعات المصري خلال 9 شهور من شهر يوليو حتى نهاية شهر مارس من العام المالي 2015/ 2016م مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق من انخفاض حصيلة الصادرات السلعية من 17096.7 إلى 13405.7 مليون دولار بنسبة انخفاض 27.5%، وانخفاض حصيلة تحويلات المصريين العاملين بالخارج من 14336.6 إلى 12382.2 مليون دولار بنسبة انخفاض 13.6%، وانخفاض حصيلة الإيرادات السياحية من 5470 إلى 3257.1 مليون دولار بنسبة انخفاض 40.5%، وانخفاض حصيلة إيرادات قناة السويس من 4081.4 إلى 3877.7 مليون دولار بنسبة انخفاض 5%.

لوبي المصالح ودوره

إن الارتفاع المتسارع في سعر الدولار وراءه لوبي أصحاب المصالح الذين يحركون العملة الخضراء للاستفادة من فروق الأسعار والاسترباح، خاصة بعد تلميحات محافظ البنك المركزي طارق عامر بتعويم الجنيه المصري، وأصحاب المصالح هؤلاء قد يكونون من داخل السلطة نفسها، أو من الدولة العميقة ذاتها الخاصة بنظام مبارك، كما أن رجال الأعمال في ظل عسكرة الاقتصاد ومزاحمتهم له بل وطردهم من السوق, وقتل روح المنافسة جعل بعضهم يتجه بأمواله للخارج، وليس بعيداً ما أثير عن مقابلة جهة سيادية مصرية لبعض رجال الأعمال في ظل تنامي أزمة الدولار.

كما أن الصدام الذي بين محافظ البنك المركزي طارق عامر ورجل الأعمال نجيب ساويرس لم ينته بعد على إثر عرقلة الأول لاستحواذ الثاني على بنك “سي آي كابيتال”.

وتحاول جهات تسطيح الأمور ومحاولة طمس الفشل الحكومي في لصق كل نقيصة بالمعارضة بات شيئاً مكشوفاً, رغم الأموال السخية التي حصل عليها من الخارج والتي تعدت 50 مليار دولار فضلاً عن القروض التي بات الإسهال فيها منهجاً ومسلكاً.

أما الانخفاض المفاجئ في سعر الدولار في يوم واحد بنسبة 23.6% فقد عزاه البعض إلى إعلان الحكومة عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بمبلغ 12 مليار دولار، واجتماع السيسي مع وزراء المجموعة الاقتصادية حتى قال أحد المذيعين: «إن السيسي لو تدخل بنفسه في سعر الدولار لأصبح الجنيه بعشرة دولارات!».

وللأسف هذا تسويق إعلامي فاشل، وكلام لا محل له في علم الاقتصاد وقوى السوق، فإذا كان هذا الانخفاض قد حدث فإنه حدث ظاهرياً نتيجة لاستخدام الحكومة البعد الأمني بغلقها عشر شركات صرافة جديدة في يوم واحد، وإجبار ما تبقى من شركات صرافة على إعلان سعر بيع الدولار بـ11 جنيهاً، ولكن في الواقع حينما تذهب لتشتري فالرد أنه لا يوجد دولارات للبيع، فلم يكن عرض هذا السعر إلا «بربوجندا» إعلامية لا تعكس من واقع الحال شيئاً.

القادم أسوأ

إن الناظر لإجراءات السياسة النقدية في مصر فيما يتعلق بإدارة سعر صرف الجنيه يجد أنها تراكمات لحكم العسكر الذي ينظر لأعراض المرض دون أسبابه، مستبدلاً بالعقل والرؤية الاقتصادية والاستقلالية العضلات والقرارات العسكرية الاستبدادية؛ فالسياسة النقدية ينبغي أن تكون مستقلة عن السياسة المالية مع التنسيق بينهما وخادمة للسياسة الهيكلية التي غابت عن قاموس الانقلابيين.

ولن تتوقف حدة الانخفاض في الجنيه خلال الفترة القادمة، فالقادم أسوأ والكساد قادم لا محالة في ظل الحول التنموي الحكومي، وانخفاض مصادر الموارد الدولارية، وتشجيع حمى المضاربة، وارتفاع وقود التضخم، وتنامي الديون الخارجية، وتصدير القرارات العسكرية.

فالمشكلة في أساسها ترجع إلى انقلاب العسكر وما نتج عنه من استبداد ومزيد لعسكرة الاقتصاد، بل والجمع بين السلطة والثروة، وتقنين الفساد، وهذا خير رسالة لـ«تطفيش» الاستثمارات، والتنافس في تهريب الأموال، وهو ما يعني في النهاية مزيداً من ارتفاع سعر الدولار.

Exit mobile version