“ناشيونال إنتراست”: لماذا يجب على الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب تركيا؟

تبين العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة توجهاً نحو الهاوية، خاصةً بعد حادثة الانقلاب الفاشل التي شهدتها تركيا والتي دفعت الرئيس أردوغان إلى اتخاذ موقف حاسم تجاه الولايات المتحدة، ليس فقط بسبب فشلها في تلبية النداءات المتكررة التي تطالب بتسليم فتح الله غولن، بل أيضاً في عدم وقوفها مساندةً للحكومة التركية المنتخبة ديمقراطياً.

تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا منذ الفترة الثانية من رئاسة أوباما، وقد تصل إلى تشقق كبير للسياسة الخارجية، أجمع تقريباً كل صناع السياسة التركية وقادة المعارضة والشعب التركي على فكرة أن فتح الله غولن يعتبر المسؤول الأول عن الانقلاب، فهو الذي دبره وكلف أتباعه في الجيش وفي البيروقراطية بالسيطرة على الحكم.

كشفت اعترافات المتهمين بتنفيذ الانقلاب عن الشبكة السرية التي تعطي أولوية التسلل لأجهزة الجيش والشرطة والقضاء وغيرها، كانت حالة الطوارئ المعلنة في البلاد الاستجابة الوحيدة الممكنة لمواجهة هذا الاحتكار الواسع لأجهزة الدولة لأجل تدمير النظام الديمقراطي، وكانت عمليات التطهير لآلاف الموظفين في الخدمة المدنية في الدولة أسرع إجراء ينفذ ضد هذا الخطر الوشيك، الذي ظل يتغلغل في الدولة لمدة تتجاوز أربعة عقود.

لم يقع النظر إلى الانقلاب على أنه مجرد محاولة فاشلة لسحق الديمقراطية فحسب، ولكن أيضاً على أنه هجوم معتد على سيادة تركيا، لهذا السبب، تتوقع الحكومة التركية وشعبها استجابة معلنة وحازمة من قبل الولايات المتحدة والدول الحليفة الأخرى، التي من شأنها تمكين العناصر الموالية للغرب من تعزيز الديمقراطية، تمارس الولايات المتحدة دوراً تاريخياً في نظام التعددية الحزبية التركية والتطور الديمقراطي.  

إشارة خاطئة الفهم قد تؤثر على الشرعية الشعبية في تركيا وقد تقوض جهاز الدولة بأكمله وتفسح المجال للرؤى البديلة المناهضة للغرب أو الانعزالية الأوروآسيوية؛ لذلك، تحتاج إدارة أوباما إلى بذل قصار جهدها للاستفادة من الزيارة التي سيؤديها نائب الرئيس الأمريكي جو بيدن، وإلى وضع خارطة طريق لتخفيف الخلافات المتنامية بينها وبين تركيا، وللتعاون على سورية والعراق والتحديات الإقليمية الأخرى.

يتوجب على الولايات المتحدة أيضاً توضيح الدور الذي ستعتليه تركيا في مواجهة الاستقطاب المتزايد بين الغرب وروسيا، وكذلك في التكتلات الاقتصادية المستقبلية المحتملة.

قد تقود زيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى نقطة تحول في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، حتى وإن كانت هذه الأخيرة رهينة اللحظات الأخيرة لأجل البدء في خيارات إستراتجية جديدة في المنطقة.. في المقابل، قد يجبر ضعف الموقف التركي أمام التحديات الكبيرة، كقضية اللاجئين والهجمات الإرهابية متعددة الاتجاهات، صناع القرار على التوصل إلى الملاذ الآمن الذي من شأنه أن يقلل من حدة التوتر الأمني في تركيا.

يرمز خطاب الحكومة التركية بوضوح إلى سعيها للخروج، بعد أن علمت أن حوارها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لأجل تحقيق الالتزامات قد تبعه عدم التزام واستنفدت قدرتها في مواجهة تحدياتها.

في الواقع، لا تبدو التوقعات عالية من الجانبين، نظراً إلى أن ولاية نائب الرئيس الأمريكي ستنتهي بنهاية هذه السنة، وأن الأوضاع من المحتمل أن تزيد سوءًا قبل أن تتحسن في الدولة المجاورة لتركيا، لكن بيدن زار تركيا بعد زيارة أداها إلى العراق في يناير الماضي وتربطه علاقة شخصية مع الرئيس أردوغان، في هذا السياق، قد يتأسف وزير الخارجية، جون كيري على عدم زيارته لتركيا في سبتمبر 2014م، قد يعود السبب الرئيس في هذا إلى إدارة أوباما التي يبدو أنها اكتفت من إعطاء تركيا دور مزود الأمن ضد “تنظيم الدولة”.

من جهتها، تشعر الحكومة التركية أن لها الحق في وضع خطوات جديدة بالتعاون مع الولايات المتحدة أو بدونها، وذلك لأجل وقف موجة الفوضى التي لم تساهم في قلب النظام الأمني الإقليمي، ولكن أيضاً في تقويض التوازنات الداخلية في تركيا.

ينبغي على الولايات المتحدة وضع الأمور في نصابها بشأن القضية الكردية السورية والانفصال، إلى جانب ملف مكافحة “تنظيم الدولة”، التي من شأنها إحداث تغيير جوهري في مكانة تركيا في المنطقة، قد يدفع استعداد الولايات المتحدة لفتح الملف السوري والتفكير مع تركيا للبحث عن تحالفات جديدة لمنع انهيار سورية والعراق، الأمر الذي سيكون له آثار سلبية مباشرة على سلامة تركيا. 

يطلب صناع القرار الأتراك توضيحاً من إدارة الولايات المتحدة حول مخططاتها المستقبلية بخصوص حزب العمال الكردي، الذي يعتبر على قائمة الجماعات الإرهابية الخاصة بالولايات المتحدة، وكذلك حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، فقد قوض الانقلاب الفاشل في تركيا الثقة المتبقية بين هاتين الدولتين، اعتبرت تركيا محاولة الانقلاب كآخر مرحلة في هذه العلاقة؛ احتواء الغرب للمصالح الأمنية مقابل الشرعية الديمقراطية.

لذلك، قد يعتبر توقع تركيا من الولايات المتحدة تسليم غولن، باعتباره المسؤول الأول عن الانقلاب، أبعد من مجرد حجة قانونية، هذه الخطوة ستكون لها آثار سياسية كبيرة، وستكون بمثابة اختبار للولايات المتحدة لتكتشف دعمها لتركيا وللديمقراطية هناك.

وتواجه الحكومة التركية ضغطاً من قبل الرأي العام التركي حول التورط المحتمل للولايات المتحدة في الانقلاب العسكري، ومطالبتها بالامتثال لطلب محاكمة غولن في المحكمة التركية. 

سيساهم تمديد غولن لمدة إقامته في الولايات المتحدة الأمريكية أو رحيله إلى بلد ثالث في اهتزاز أسس التحالف التركي الأمريكي، ستكون الولايات المتحدة مطالبة إما بتسليم غولن إلى السلطات التركية أو بتعليق رحيله، سيكون على بيدن، في ظل هذه الأجواء الصعبة، العمل مع الحكومة التركية من أجل تحقيق ثلاثة أهداف، وهي السيطرة على الضرر وتطبيع العلاقات وتوطيدها، يحتاج بيدن إلى التعبير عن تفهمه للانقلاب ودعمه لتركيا باسم الولايات المتحدة، وينبغي على هذا التفهم أن يشمل التصور السائد الذي يقول: إن الانقلاب كان هجوماً على الديمقراطية والبلاد.

تستحق تركيا وشعبها اعتراف الولايات المتحدة بالظرف الصعب الذي عاشوه وليس فقط عدم اقتناعها بتورط غولن وأتباعه في الانقلاب، حيث يعتبر المجلس الوطني التركي منظمة غولن منظمة إرهابية، في حين يملك القضاء التركي الأدلة القاطعة على تورط هذه المنظمة في الانقلاب. 

لأجل ترسيخ الدولة التركية، ستحتاج تركيا إلى دعم الولايات المتحدة ومساعدتها في التحول المؤسساتي الذي تحتاجه، كما ينبغي على الولايات المتحدة، إلى جانب التعبير عن دعمها، التأكد من أن تركيا تملك القدرة العسكرية اللازمة لضمان الاستقرار الداخلي ولمقاومة “تنظيم الدولة”، ستكون مبادرة بيدن متمثلة إذن في الإعلان عن التزام الولايات المتحدة بإعادة القدرة العسكرية لتركيا، وفي تعزيز التعاون والتنسيق بشأن قضية حزب العمال الكردي و”تنظيم الدولة” وغولن.

بغض النظر عن مدى صعوبة الوضع، ستساعد زيارة بيدن على إعادة الثقة في التزام الولايات المتحدة مع قيم الديمقراطية والاستقرار التركي وتخفيف التوترات التي تلوح في الأفق.

 

المصدر:http://nationalinterest.org/feature/america-needs-stand-turkey-17377

Exit mobile version