كارثة الأنهار الجليدية في أوروبا

يشهد العالم تحولات درامية عنيفة في مختلف مكوناته وأطرافه، إلا أن التحولات الأخطر هي تلك المتعلقة بالبيئة وسلامتها، فقد نشر الكاتب سايمون برادلي تحقيقاً تناول فيه مخاطر التحولات البيئية المتمثلة في انهيار الأنهار الجليدية الكبرى في أوروبا، قائلاً: على مدى الأعوام الأربعين الماضية، انكمشت نهاية النهر الجليدي الموجود بمنطقة يونغفراو بسشويسرا بنحو 1300 متر، كما يوضح لاودو ألبرخت، مدير مركز أليتش في المنظمة السويسرية غير الحكومية المعنية بالحفاظ على البيئة برو ناتورا، ومثلما أضاف: ليس النهر أقصر فحسب، ولكنه أضيق بنحو 200 متر أيضاً.

وفي هذا العام، يحتفل مركز الحماية الذي يجتذب ما يقرب من 17 ألف زائر سنوياً بمرور 40 عاماً على تأسيسه، بإقامة معرض لا تقيده المحظورات ويتناول مسائل غير مطروقة في السابق، يسلط الضوء على الكيفية التي تغيّرت بها البيئة المحلية.

ألبرخت، الذي نشأ في هذه المنطقة، ويعمل في هذا المركز منذ 30 عاماً، شاهـدٌ عاين بنفسه هذه التغييرات، ويشكو قائلا: أنا مُستاء، إن نهر أليتش الجليدي جزء من هذه المنطقة، إنه بمثابة الصديق الذي تربطني به معرفة جيدة جداً، ولكنه يودعني ببطء.

وكما يحذر المكتب الفيدرالي للبيئة، فمن المُحتمل أن تزداد الأمور سوءاً في السنوات المقبلة، وإذا ما استمر النهر الجليدي بالذوبان على هذه الوتيرة، فإنه سيتقلص حتى نهاية القرن الحالي من 118 كيلومتراً مربعاً (في عام 2010م) إلى 35 كيلومتراً مربعاً، فاقداً بذلك حجماً من الجليد بمقدار 1.7 كيلومتر مكعب، ولن يتبقى له سوى أقل من 10% من حجمه الحالي.

“سوف تختفي جميع الأنهار الجليدية في سويسرا بحلول نهاية هذا القرن”.. كما يقول ألبرخت، الذي يُشَبِّه منطقة أليتش بدون نهر جليدي بـمنتجع زيرمات الجبلي من غير جبل ماترهورن.

وبالإمكان ملاحظة انهيارات أرضية صغيرة في الأماكن التي يتراجع فيها النهر الجليدي، ويعود ذلك إلى التقاء صفيحتين جيولوجيتين في الوادي؛ ما يؤدي إلى تحريك الصخور بالتالي، ومما لا شك فيه، أن هذا يشكل تحدياً لشركات المقاولات أيضاً، وفي السنوات الـ 25 المقبلة، يتعين على تلفريك موسفلوه Moosfluh، الذي حل محله قطار مُبتكر في ديسمبر 2015م، أن يأخذ في الحسبان حدوث حركة أفقية من 11 متراً باتجاه الشمال الغربي، وأخرى عمودية من 9 أمتار.

وكما توقَّع بعض الباحثين السويسريين في عام 2014م، سوف يُخلف ذوبان نهر أليتش الجليدي وراءه سلسلة من البحيرات الصغيرة، التي سترتبط مع مخاطر محتملة كالفيضانات والانهيارات الأرضية، لا سيما بالنسبة للبلديات الواقعة تحت مستوى هذه البحيرات الجديدة.

وعلى مدى الأعوام الـخمسين أو المائة المقبلة، من المتوقع أن يكون لارتفاع درجات الحرارة الناتج عن ظاهرة الدفيئة والذي يقدر بنحو 3 – 5 درجات مئوية، تأثير شديد على منطقة جبال الألب السويسرية، ويعتقد الباحثون أن نباتات الألب المحلية لن تضطر إلى التعامل مع درجات الحرارة العالية فحسب، ولكن أيضاً مع المنافسة القاتلة لعدد من النباتات غير المألوفة التي ستغزو المنطقة.

ووفقاً لألبرخت، لم يتم تثبيت أي تغييرات جديرة بالذكر حتى الآن، لكن هذا لا يعني أن ما من شيء يحدث، فقط لأنه يستغرق وقتا طويلاً، وفي هذا السياق، يشير مدير مركز أليتش إلى ملاحظته لبعض الظواهر بنفسه، ضارباً المثل بحشرة ذبابة البومة – وهي من رتبة الحشرات الشبكية الجناح – التي تتواجد في العادة في المناطق الصخرية لكانتون فالي، حيث الطقس الحار والجاف، ويقول: لقد رأيت إحدى هذه الحشرات هنا بالأمس للمرة الأولى، وقد تكون هذه علامة على زيادة دفء المنطقة وبحث هذه الحشرات عن موائل جديدة.

فضلاً عن ذلك، كان بالإمكان ملاحظة تغييرات أخرى تخص الحيوانات المحلية، وإن لم يكن لها ارتباط مباشر مع تغير المناخ، فعند افتتاح مركز الحماية التابع لمؤسسة برو ناتورا في عام 1976م، كانت رؤية الغزلان في هذه المنطقة المسجلة في قائمة مواقع الإرث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) مشهداً نادراً، واليوم، وبعد انقضاء 40 عاماً، يعيش في المنطقة المحمية لغابة أليتش الممتدة على مساحة 400 هكتار، من 200 – 250 غزالاً في فصل الصيف، ولا يمكن القول: إن ما تخلفه هذه الحيوانات وراءها من آثار هي مرغوبة بمجملها.

وبحسب ألبريخت، في الماضي، كانت شتلات الأرزية (جنس شجري يتبع الفصية الصنوبرية) والصنوبر الصغيرة تؤكل من قبل الأبقار، ولكن هذه الشجيرات لم تعد تنمو اليوم، بسبب هذا العدد الكبير من الغزلان التي تأكل كل شيء.

قبل 40 عاماً، كانت الأرياف في المناطق الجبلية مأهولة من قبل الأبقار والماعز بالدرجة الأولى، ومع مرور الوقت، أصبحت اليد الطولى في هذه المناطق للسياحة والتلفريك، والشاليهات ومنازل العطل.

على سبيل المثال، تضاعفت عدد أسرّة السياح في منتجع ريدَرآلب بثلاث مرات في السنوات الـ40 الماضية، بيد أن عدد ليالي المبيت لم تستطع مجاراة المنحنى التصاعدي لهذه الأسرّة، الذي لم يرتفع إلّا ببطء إلى 261.078 ليلة فقط (في عام 2015م).

يأتي معظم الضيوف إلى هنا في فصل الشتاء، أما فصل الصيف فهادئ على العموم، ومن الملاحظ أن أكثر من نصف الأسرّة في المنتجع هي من الفئة التي تُطلَق عليها تسمية “الأسرَة الباردة” بسبب عدم استخدام منازل العطلة إلّا لأيام معدودات في السنة، حيث لا يُقضّي أصحاب المنازل الثانية سوى من 5 – 6 أسابيع وبعض عطل نهاية الأسبوع في منازلهم هذه، وهذا الوضع يمثل مشكلة، بحسب بيتر ألبرخت، رئيس بلدية ريدرالب.

من الناحية النظرية، لا يُسمح ببناء المزيد من المنازل الثانية في المنتجع منذ دخول قانون “ليكس فيبر” حيز التنفيذ، ويفرض هذا القانون سقفاً بنسبة 20% لعدد المنازل الثانية في كافة البلديات الجبلية، لهذا السبب، يوجد هناك اليوم 40 هكتاراً من الأراضي المخصصة للبناء غير المستغلّة، التي ينبغي تحويلها إلى مساحة صالحة للاستخدام الزراعي أو السياحي.

في الوقت الحالي، يعيش نحو 11% من سكان ريدَرآلب على الزراعة، مقابل 86% يعتاشون على السياحة، أما أهم التحديات التي يُواجهها المجتمع المحلي هنا، فتتمثل بالحفاظ على جاذبية المنطقة على امتداد العام ليس للسياح فحسب، ولكن للسكان المحليين أيضاً.

 

المصدر: http://www.swissinfo.ch/

Exit mobile version