هل يتغير القلب؟

سُئل أحد العارفين: هل يكره المرء بعد أن أحب؟ هل يتغير القلب؟

فأفتى مولانا: بأن القلب إذا هوى تقلب، ولكن إذا أحب أو أغرم أو عشق، فإنه لا يتغير أبداً، ولو كدر صفو الدنيا ما في القلب والروح، ولو خطت الدنيا في الروح آلاف المآتم والأحزان والأفراح، الذي يتغير حقاً هو المرء.. لا ما يشعر به.

البعد، مرور العمر، رائحة الدنيا الجديدة، الأفكار الجديدة، كلها تجعل من المرء شخصاً آخر، روحاً جديدة مغايرة تماماً لما كان عليه، لا ينقلب المرء على براءة طفولته، أو يكرهها.. ولكنه ينضج، لا يكره المرء “أفكاره” في الصغر.. ولكن يستبدلها بأفكار أخرى، وربما تطل ابتسامة منه على شفاهه حين يتذكر كيف كان يفكر.. فما بالك بالشعور؟

يحتفظ المرء في روحه بكل ما اختلج حواسه، ولكنه يتغير، يصبح شخصا آخر، يحمل أحلاماً، وآلاماً، وأفكاراً وأرواحاً أخرى غير التي كان عليها، وإذا افترق صاحبان والتقيا بعد عمر، لا يجد منهما الآخر نفس الشخص الذي تعلق به، وربما تصبح كل مشاعر التعلق تلك ملك شخص آخر تماماً.. عاش في عمر آخر.. غير اللذين التقيا.

يحمل المرء معه في الدنيا كل الأرواح التي آلفها، وأحبها أو خطت طرقاً في روحه، ولا يكره المرء الذي أحب أبداً، ولكن يستوعب أن ما كان في النفس كان ملكاً لآخر، يعرفه المرء جيداً، ويعرف كيف كان يسعد ويتألم ويفرح.. يعرفه جيداً، جداً، بعمق، يعرفه كأنه يعرف رائحة روح حبيبه، وربما تطاله نسمة سكينة أو رعشة تصيب القلب بالانقباض، أو حتى تنهيدة سعادة.. ولكن يهدأ كل ذلك لأنه أصبح ملكاً لآخر، لا ملك الشخص الذي يحيا اليوم؛ لأنه تغير، لأن روحاً أخرى تسكنه اليوم.

تتغير القلوب والأرواح.. ولكنها تحتفظ بذاكرة، تماماً كما يحفظ العقل أفكاره ومعلوماته، ولكن ينمو العقل، ويحصل أفكاراً جديدة، وكذلك تحصد الأرواح والقلوب أرواحاً وقلوباً أخرى.. أليس كذلك؟

من يحب أحد لا يكره أبداً؛ لذلك قيل: إن عكس التعلق هو “اللا مبالاة”؛ لأن كل ما يحدث هو أن المرء يترك تلك المشاعر، لشخص آخر في ذاكرة روحه.. ليس إلا.

Exit mobile version