كاتب مقرب من النظام المصري يتساءل: ما الذي أحبط الخليجيين منا؟

ما أسباب الفجوات التي حدثت مع الأشقاء في الخليج؟

لماذا كان الإحباط؟

ما الحقيقة بالضبط؟

طرح هذه الأسئلة وغيرها الكاتب المصري المقرب من النظام الحاكم عبدالله السناوي في مقاله اليوم بجريدة “الشروق” المصرية.. حيث قال:

“سألت شخصية مصرية علاقاتها واسعة في الدوائر البريطانية أندرو نايت، الذي انتشل مجلة «الإيكونوميست» من فشل مذر إلى نجاح مؤكد قبل أن يعتزل عند القمة، عن فرص خفض حدة الحملات الإعلامية قبل زيارة الرئيس المصري للعاصمة لندن نوفمبر الماضي.

كانت إجابته تعبيراً عن حجم الأزمة فـ«ليس هناك الكثير مما يمكن فعله».

كأنه أراد أن يقول: على مصر أن تساعد نفسها قبل أن تطلب مساعدة الآخرين، وأن تحسين الصورة يتطلب تغيير البيئة السياسية العامة، التي تشوبها أوضاع مقلقة تحجب أي تعاطف ممكن.

بعد نحو عام يبدو استنتاجه دقيقاً واستخلاصاته في محلها، فقد كانت للغة «الإيكونوميست» العنيفة في عددها الخاص الذي عنونته بـ«تخريب مصر» انعكاس لتدهور الصورة السياسية بأكثر من الأرقام الاقتصادية.

في أي حسابات تنظر إلى المستقبل، وما يمكن أن يجري فيه، لا يمكن الفصل بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي، ولا بين إدارة الأزمة الاقتصادية والقدرة على المبادرة في ملفات الإقليم المشتعلة بالنيران.

هيبة الدول تصنعها صورها وحيويتها وقوتها وقدرتها على بناء التوافقات الوطنية الواسعة.

بغض النظر عن أي تحفظات على التسييس الزائد الذي انتهجته المجلة الاقتصادية الأكثر رصانة واحتراماً وتأثيراً عالمياً في النخب الاقتصادية والمالية وحركة الاستثمارات ومجتمعات المال والأعمال، فإن مجمل انتقاداتها استندت إلى أساس لا يمكن نفيه، فالأزمة الاقتصادية متفاقمة في مصر وحكومتها تتطلع لتوقيع عقد مع صندوق النقد الدولي بقيمة ١٢ مليار دولار وقروض إضافية من مؤسسات دولية أخرى بـ9 مليارات دولار كطوق إنقاذ أخير قبل أي انهيار محتمل.

أخطر رسالة أن مصر تفتقد التعاطف الدولي الضروري في لحظة تلوح فيها مخاطر وجودية تهدد مستقبلها.

ذلك يضرب بقسوة في فرص جذب الاستثمارات الأجنبية أو عودة السياحة إلى سابق عهدها.

رغم إشارات «الإيكونوميست» عن تراجع البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي في ضخ قروض تطلبها مصر؛ فإنه من المستبعد أن تترك لتغرق، فالتبعات الإستراتيجية لا يحتملها أحد في العالم.

السيناريو الأرجح أن يمعن صندوق النقد الدولي في فرض اشتراطاته المشددة بزعم أن الوقت قد تأخر في علاج الاقتصاد العليل أياً كانت الآثار الاجتماعية أو الاضطرابات التي قد تحدث.

بقدر ما يقال هنا: إن قرض الصندوق شهادة ثقة دولية لجذب الاستثمارات، فإن تقارير «الإيكونوميست» دعوة للتشدد مع المفاوض المصري.

الصورة العامة – بحسب المجلة الأكثر تأثيراً – للفريق الاقتصادي المصري أنه يفتقد أي كفاءة وفاشل تماماً في إدارة ملفاته حتى وصل إلى «تخريب مصر».

يلفت النظر الكلام عن ضجر خليجي وتأهب لإعادة نظر كاملة في المعونات الاقتصادية.

الكلام في توقيته مقلق، وللمجلة صلاتها بدوائر القرار الاقتصادي في دول الخليج الحليفة.

ما الحقيقة بالضبط؟

ما أسباب الفجوات التي حدثت مع الأشقاء في الخليج؟

لماذا كان الإحباط؟

تلك أسئلة ضرورية لا مفر من مواجهة استحقاقاتها.

أسهل إجابة نفي الإشارات المقلقة واتهام المجلة البريطانية بترويج الأكاذيب.

«دولة الإنكار» من العناوين الحساسة في عدد «الإيكونوميست»، وهو اتهام له أساسه في الواقع، فلا أحد رسمياً يعترف بعمق الأزمة الاقتصادية أو مستعد لمراجعة أسبابها العميقة التي أفضت إلى الفشل، أو بناء سياسات متماسكة قبل المضي في المشروعات التي جرت بعضها بلا دراسات جدوى، أو إعادة النظر في المجموعة الاقتصادية وخياراتها.

إنكار الأزمة من أسباب تفاقمها وتراجع الثقة في القدرة على تجاوزها.

إذا لم يكن بوسع أحد تجاهل «الإيكونوميست» بالصمت، فإن مواجهتها بالصراخ الإعلامي هو في أفضل الأحوال مادة للاستهلاك المحلي لا تغير شيئاً من المعادلات الرئيسة.

في توقيت متزامن مع عدد «الإيكونوميست» عن «تخريب مصر» نعت «النيويورك تايمز» الأمريكية في افتتاحيتها الرئيسة الدور المصري وقالت: إن «مصر البائسة» لم يعد لها أي تأثير يذكر قياساً على ما كان لها من أدوار في السابق أو على الدورين الإيراني والسعودي اللذين يتنازعان فوق مسارح الإقليم.

قد ينظر إلى التزامن باعتباره أوركسترا بدأ العزف لممارسة الحد الأقصى من الضغوط وابتزاز السياسات، غير أن «نظرية المؤامرة» لا تبرر الأخطاء الفادحة التي تشجع على الاستهتار بأي مصالح مصرية.

ورغم أن الصحيفة الأمريكية الأبرز اعتادت التعريض بالنظام المصري منذ 30 يونيو، وافتقدت تأثيرها من فرط عداوتها، فإنها أخذت زخماً من دخول مجلة رصينة مثل «الإيكونوميست» على خط الانتقادات الصاخبة.

في السياق، يلفت الانتباه إلى أن إدارة الهجرة بوزارة الداخلية البريطانية أوصت بمنح حق اللجوء السياسي لمن يثبت تعرضه للاضطهاد في مصر من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو من الصحفيين.

في ذات السياق تأخرت رئيسة الوزراء البريطانية الجديد «تيريزا ماي» بأكثر مما هو طبيعي ولائق، لنحو ثلاثة أسابيع، في الرد على طلب الرئيس المصري إجراء اتصال لتهنئتها.

كانت تلك “جلافة” دبلوماسية من رئيسة وزراء بلد عهد عنه العناية بالأصول والتقاليد.

بوضوح، فإننا مقبلون على أوضاع شديدة الصعوبة في العلاقات الدولية، تأخذ مداها من علاقات متراجعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلاقات أخرى مع الولايات المتحدة قد تتعرض لهزات كبيرة مع رئاستها المقبلة.

الاقتصاد هو نقطة الضعف الأساسية في الموقف كله.

وفق نص «الإيكونوميست» في الجملة الأخيرة من افتتاحيتها عن «تخريب مصر»، فإن نقطة التنشين التي تصوب إليها كل الانتقادات الحادة «اختصار رئاسة السيسي»، أو الضغط عليه لعدم الترشح لدورة رئاسية ثانية عام ٢٠١٨م.

هذا كلام ليس جديداً، فقد كانت هناك إشارات عن نزوع متصاعد لبعض الأطراف الغربية للضغط على الرئيس عبدالفتاح السيسي لعدم استكمال فترته الرئاسية الأولى، كما كتبت نصاً في هذا المكان 9 مارس الماضي.

ما كان يجري في الغرف المغلقة خرج إلى العلن على صفحات أكثر المجلات رصانة وأوسعها تأثيراً في العالم.

ذلك يخرج عن طبيعة العمل الصحفي الاقتصادي ويدخل في نطاق العمل السياسي المباشر.

لماذا يخرج هذا الطلب إلى العلن الآن؟

أكثر الأسباب جوهرية هو انكسار الرهانات الكبرى على 30 يونيو، وتفكك قواعد الدعم والإسناد تحت وطأة الإحباط السياسي والاجتماعي معاً.

بقدر التماسك الواسع تمكنت مصر من صد الحملات عليها وفتحت ثغرات تقدمت منها بشيء من الثقة في النفس.

ذلك لم يعد موجوداً الآن، والفراغ السياسي أفضى إلى هشاشة البنيان العام أمام أي عواصف محتملة.

الوضع كله يحتاج إلى مراجعة عاجلة تتطلب فتح نوافذ الحوار العام لا اعتبار الاجتهادات تشكيكاً في الإنجازات والاستماع بجدية إلى الأنين الاجتماعي ورفع أي مظالم سياسية بالإفراج عن كل المعتقلين الذين تعرضوا للظلم الفادح دون أن يكونوا قد تورطوا في أي عنف.

إذا لم يتماسك هذا البلد على إجراءات عاجلة تصحح أوجه الخلل الفادح فهو مقبل على واحدة من أسوأ أزماته في التاريخ الحديث.

Exit mobile version