مفتي منطقة حوض الفولكا: مسلمو روسيا سيشكّلون 40% من السكان قريباً

أكد الشيخ «مقدس عباس بيبارس»، مفتي منطقة حوض الفولكا بمدينة سراتوف في روسيا، أن مخلفات الفكر الإلحادي الشيوعي ما زالت تلقي بظلالها على الكثير من أمور الاعتقاد لدى المسلمين في روسيا، مؤكداً أن تقديم الإسلام كرحمة للناس جميعاً هذا هو شعارهم في العمل الدعوي.

وأشار في حواره مع «المجتمع» إلى أن حضورهم الإعلامي دون المستوى المطلوب، ويحتاج إلى بذل جهود أكبر وإلى تجهيز كوادر مدربة ومتعلمة لتقديم خطاب إعلامي جيد، مؤكداً دورهم في مواجهة الصورة المغلوطة عن الإسلام.

ما أبرز القضايا التي يهتم بها المسلمون ويحتاجون فيها إلى الفتوى؟

– القضايا الفقهية من أهم ما يتداوله المسلمون في حياتهم كونهم يعيشون في مجتمع أغلبه من غير المسلمين، فالكثير من الأسئلة تأتي عن قضايا المعاملات والتجارة والحلال والحرام والجيران وغيرها، من هذه الأسئلة ما يسهل الإجابة عنه، ومنها ما يحتاج إلى دراسة أعمق واستفسار لدى مراكز الفتوى، وحيث إن روسيا في عمومها لا يتوافر فيها مركز للفتوى فنتوجه إلى إصدارات مجلس الإفتاء الأوروبي، حيث قرب طبيعة المجتمع لواقعنا.

ومن هذه القضايا القضايا العقدية، وهي من الأمور الصعبة للغاية؛ حيث إن مخلفات الفكر الإلحادي الشيوعي ما زالت تلقي بظلالها على الكثير من أمور الاعتقاد لدى المسلمين، وهي مسألة يعاني منها الجيل القديم، وأما جيل الشباب فهو يعاني من الخلافات العقدية وتشعب الفرق والطوائف، فالإنترنت يمثّل بالنسبة لهم مصدراً مهماً يتلقّون منه كل شيء، وهذا يسبب إشكالية بين جيل الشباب وجيل الشيوخ.

ماذا عن نشاطكم الدعوي؟ وماذا تقدمون؟ وما الخطاب الأمثل للمسلمين الآن؟

– نحن إدارة دينية لمسلمي المنطقة، ونعتبر الجهة الرسمية التي تمثل المسلمين، والدولة تتحاور معنا بناء على هذا الأساس، وعلى اعتبار أن الإسلام دين معترف به ومكوّن أساسي من مكونات المجتمع الروسي، ولذا فنحن نقوم بتقديم خدمة للمسلمين على اختلاف قومياتهم من حيث بناء المساجد والمراكز الإسلامية، إقامة الشعائر الدينية، تنظيم العلاقات الاجتماعية، والتعليم الديني، حيث يوجد عندنا معهد إسلامي معترف به من قبل الدولة واسمه «مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية»، ويقوم بتخريج الأئمة ويقدم خدمة التعليم لجميع شرائح المجتمع مجاناً، العمل الاجتماعي والخيري ومشاركة المجتمع كل ما يواجهه وتقديم مساهمة لمواجهة الأخطار الاجتماعية التي تهدد التعايش، ونحن نعتقد بأن الخطاب المعتدل والمتزن هو الأمثل من خلال النشاطات الاجتماعية والمشاريع الرائدة، كما أن تقديم الإسلام كرحمة للناس جميعاً هذا هو شعارنا في العمل الدعوي، وكذلك نسعى من خلال نشاطاتنا إلى إشراك ممثلي جميع الديانات والمؤسسات لتحقيق مبدأ الشراكة والانفتاح.

ماذا عن حضوركم ونشاطكم الإعلامي؟

– لا شك في أن الحضور الإعلامي دون المستوى المطلوب، ويحتاج منا إلى بذل جهود أكبر، وإلى تجهيز كوادر مدربة ومتعلمة لتقديم خطاب إعلامي جيد، ورغم ذلك فإننا في الإدارة الدينية نشكل حالة جيدة في الإعلام؛ حيث نقدم برنامجاً تلفزيونياً تحت اسم «الموزاييك الإسلامي»، يعرض على القناة الرسمية المحلية، ويعرض عبر «اليوتيوب» أيضاً، وهو يغطي أخبار مسلمي منطقة سراتوف، مواقع الإنترنت حيث يوجد موقع خاص بالإدارة الدينية باللغة الروسية، ويقابله صفحة باللغة العربية في «الفيسبوك» لنقل أخبار مسلمي سراتوف إلى العالم، ووجود موقع على مستوى روسيا يسهم بشكل كبير في معالجة قضايا المسلمين في روسيا والعالم الإسلامي، كذلك نقوم بعقد مؤتمر صحفي سنوي أقدم فيه كمفتي تقريراً سنوياً عن أوضاع مسلمي منطقة سراتوف، وعادة يكون مع بداية شهر رمضان، والمشاركة في ندوات تلفزيونية وإذاعية كثيرة.

 ما أبرز مشكلات الشباب المسلم في روسيا؟

– الشباب دوماً عماد النهضة والدعوة وهم رافد مهم للعمل الإسلامي ولا شك بأنهم يتعرضون لخطر كبير بسبب الفضاء المفتوح والعولمة.

فالأخطار تحيط كثيرة ومنها الانحلال الأخلاقي والخروج عن كل القيم والقوانين وغيرها، ولكني أريد الحديث عن الشباب الملتزم تحديداً وهم شريحة موجودة ولله الحمد، ولكن كما يعلم الجميع بأن روح الشباب متقدة وترغب في التغير السريع، ولا تملك الصبر والتأني، وحيث إنهم يعيشون في مجتمع غالبيته من غير المسلمين فهم ينظرون إلى المفتيين على أنهم مقصرون في تغير الأحوال، وينتظرون خطوات أكثر وتقدماً أكبر، وهم لا يدركون حقيقة الأمور، ويرجع هذا الأمر إلى سببين؛ عدم توافر فرصة للتعليم الديني العالي لهم، والسبب الآخر توافر الفتاوى في مواقع الإنترنت دون الأخذ بعين الاعتبار معطيات الواقع والظروف التي تحيط بالمسلمين.

 هل يوجد موجات تشدد لدى الشباب المسلم؟ وكيف تعالجون ذلك؟

– لا شك في أن التشدد ظاهرة متوافرة لدى الشباب تحديداً، وخاصة من المسلمين الجدد، وترجع لأسباب عدة؛ منها قلة العلم الشرعي وحب التميز والظهور، ولهذه الظاهر صور؛ منها الدعوة إلى اللامذهبية، وعدم التقيد بالإمام، والاتهام دوماً بالبدعة، ويصل الأمر إلى التكفير ولكنه بشكل محدود جداً في مدينة سراتوف، ونحن في الإدارة الدينية قمنا بوضع برنامج للتصدي لهذه الأفكار، ومن هذه الإجراءات عقد لقاء حواري دوري للشباب ليطرحوا أفكارهم ويتم معالجتها، ودروس ومحاضرات عامة بشكل دوري في المركز الإسلامي، ومنع نشر أي مواد دينية دون موافقة اللجنة الشرعية في المركز، وتوحيد الفتوى والتوعية بأهمية وحدة المسلمين، وغيرها من البرامج.

 ما المفاهيم المغلوطة عن الإسلام؟ وما جهودكم في تصحيح صورته؟

– لا شك أنه يوجد العديد من الأفكار والتصورات المغلوطة عن الإسلام، وتكاد تكون معروفة على مستوى العالم والمجتمع الروسي ليس استثناء من ذلك؛ منها أن الإسلام دين العنف وانتشر بالسيف، وأن المرأة ليس لها حقوق وتكاد تكون مستعبدة، وأن الإسلام دين يرفع من مكانة الرجل فقط؛ ولذلك يسمح له بتعدد الزوجات، وغياب قضية المساواة بين الرجل والمرأة، دين مبني على العبودية وغياب الحرية وغيرها من التصورات.

ونحن بدورنا قمنا بدراسة هذه الصور النمطية المغلوطة، وخصصنا ندوات علمية مفتوحة لكل من هذه القضايا للرد عليها وتبيان الحقيقة، وكان لمثل هذه الملتقيات الأثر الكبير على كل من شارك فيها، كما أننا ندخل قاعات الطلاب في الجامعات والمدارس الحكومية، نقدم ما عندنا ونرد على هذه الأفكار بالتوضيح والتبيان، وكذلك عبر وسائل الإعلام والممارسات العملية، لا شك بأن ممارسات بعض المسلمين الخاطئة ترسخ هذه التصورات المغلوطة عن الإسلام، ولذا فإننا نركز في خطابنا الداخلي على ضرورة التحلي بالأخلاق الحسنة مع المسلمين وغير المسلمين، وبأننا رسل للإسلام وعلينا استشعار هذه المسؤولية.

سمعنا أن لكم نشاطاً في السجون، اشرح لنا ذلك، وما أثره مجتمعياً؟

– نعم هذا صحيح، فنحن وقعنا عقد تعاون مع إدارة مصلحة السجون في محافظة سراتوف، ونسعى من خلال برامجنا داخل السجون إلى التأثير على الأشخاص المسلمين الذين ارتكبوا جرائم أدت إلى دخولهم السجن، وقد نجحنا ولله الحمد بافتتاح 5 مصليات داخل السجون في منطقتنا، ويوجد إمام يشرف على العمل مع السجناء ويراقب المصليات ويتعهدها بالزيارة وتقديم الدروس والمواعظ للمساجين، وخلال الزيارات نقدم لهم الكتب الإسلامية والهدايا خاصة في المناسبات الدينية.

 ماذا عن القرآن ونشره؟ وهل لديكم ترجمات معتمدة؟

– نحن نسعى من خلال التواصل مع المؤسسات والجمعيات الخيرية للحصول على نسخ من المصحف الشريف وتوزيعه، فنحن نعاني من نقص حاد في توافر المصاحف وخاصة نسخة المدينة المنورة؛ لما لها من الخصوصية في نفوس الناس، وقد كان جهد طيب من سفارة المملكة العربية السعودية حيث وفرت لنا مجموعة من النسخ قمنا بتوزيعها على المساجد والمراكز الإسلامية في منطقتنا، أما بخصوص ترجمات معاني القرآن الكريم فيوجد العديد من هذه الترجمات، ولا يوجد ضابط شرعي لها، والقانون لا يفرض على الناشر شيئاً من هذا القبيل، والأمر يرجع إلى المراكز الإسلامية والإدارات الدينية في اعتماد ما يرونه مناسباً من الترجمات المتوافرة.

ماذا عن التعليم الديني؟ وهل لديكم مدارس في هذا المجال؟

– التعليم الديني يتوافر في الكثير من المساجد، ولكن مستواه ضعيف ويقتصر على تعليم قراءة القرآن وأسس الإسلام، ولكن يوجد بعض المدارس والمعاهد والجامعات على مستوى روسيا، ولكنها قليلة جداً وإمكاناتها محدودة، ونعمل على إنشاء مدرسة دينية تحمل اسم «مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية» وتم افتتاحها عام 2005م، وحصلنا على ترخيص رسمي في العام 2007م، وفي عام 2013م حصلنا على ترخيص مفتوح الأجل بممارسة التعليم الديني بمستوى معهد مهني، ومدة الدراسة 4 سنوات، وتشمل قسم الدراسة الملتزمة والدراسة المسائية والدراسة بالانتساب وقسم الأطفال، مجموع من يدرسون في المدرسة 400 طالب وطالبة من مختلف الأعمار، ونوفر السكن والطعام والتعليم المجاني لطلاب المرحلة الملتزمة، ويدرس فيها 8 طلاب، وهي القدرة الاستيعابية، وذلك لعدم توافر مبنى مستقل للمدرسة، كذلك نشارك في العديد من المسابقات على مستوى روسيا بين طلاب المدارس الدينية، وقد حصل طلابنا على مراكز متقدمة.

 هل لديكم مهتدون جدد؟ وما الذي يجذبهم للإسلام؟

– نعم يوجد ولا يكاد أسبوع يمر إلا ويوجد شخص أو اثنان يعتنقون الإسلام، ويوجد إمام مناوب طوال اليوم ليستقبل الزوار ويستمع إلى مشكلاتهم، ويجيب عن تساؤلاتهم، ولكن قضية المسلمين الجدد تبقى حساسة جداً في روسيا؛ بسبب علاقة الكنيسة مع السلطة، وسعياً منا إلى تحقيق التعايش فنحن لا نقوم بالإعلان عن الأعداد والأسماء حتى لا نثير موجات الاحتجاج من قبل الكنيسة، ومن أكثر الأسباب التي تجذب الناس للإسلام هو التعامل الجيد من قبل بعض المسلمين، والالتزام بمنهج حياة متكامل، وكذلك موضوع الأسرة المسلمة المتماسكة تلفت انتباه الكثير؛ مما يجعلهم يدرسون الإسلام ويبحثون عن الحقيقة.

 كيف ترى مستقبل الإسلام في روسيا؟

– الإسلام في روسيا في تقدم وازدهار بإذن الله، والمستقبل كله أمل، وأعتقد بأن مسلمي روسيا يعانون من تهميش وعدم اهتمام من قبل إخوانهم في الدول العربية والإسلامية، بل أجد أن مسلمي روسيا هم كنز لم يتم اكتشافه بعد، الوضع الديموجرافي في روسيا لصالح المسلمين، فحملات الهجرة إلى روسيا أغلبهم من المسلمين، ولكن المشكلة في استيعابهم، الكثير يتحدث عن الأرقام والنسب، وأنا أرى أن مسلمي روسيا قريباً سيشكلون ما يقارب 40% من السكان.>

Exit mobile version