تركيا و”إسرائيل”.. أسباب التقارب ودوافع الصلح

– عبدالله: يكفي تركيا فخراً أنها حققت معظم شروطها في ظل الظروف الراهنة

– الدجني: الاتفاق لم يحقق تطلعات الفلسطينيين.. لكن الأمل في تركيا لم ينقطع

 

بعد ستّ سنوات من الهجوم “الإسرائيلي” على أسطول كسر الحصار عن غزة الذي أدى إلى مقتل 10 أتراك، تعود تركيا و”إسرائيل” مجدداً لتطبيع العلاقات بينهما في اتفاق لم يغيّب قطاع غزة من بنوده.

وكانت تركيا وضعت ثلاثة شروط لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”؛ وهي اعتذار علني عن الهجوم، وتعويضات مالية للضحايا, ورفع الحصار عن قطاع غزة.

وقد أثار الاتفاق جدلاً واسعاً في الأوساط الفلسطينية بين من عبّر عن خيبة أمله في استبعاد شرط رفع الحصار عن قطاع غزة، ومن يرى أن الاتفاقية حققت الجزء الأكبر من الشروط التي وضعتها تركيا لإعادة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان لا سيما في ظل الظروف الإقليمية والضغط المستمر على تركيا، إضافة إلى أن عدم رفع الحصار أعطى تركيا الحق في إرسال المساعدات والإغاثات العاجلة لسكان القطاع المحاصرين.

ليس مثالياً ولكن..

ويرى الكاتب إبراهيم عبدالله أن الاتفاق بين تركيا و”إسرائيل” ليس مثالياً، لكن يكفي تركيا بقيادة العدالة والتنمية فخراً وفي ظل الظروف المحلية والإقليمية والدولية المعقدة، أنها حققت مجموعة من الأهداف، فقد فرضت على “إسرائيل” أن تعترف بمسؤوليتها عن مجزرة مرمرة، وأن تعتذر بشكل واضح دون مواربة عن جريمتها، ودفعها مرغمة مبلغ تجاوز العشرين مليون دولار كتعويضات لأسر الضحايا والشهداء.

ويضيف الكاتب عبدالله أن تركيا وإن لم تستطع انتزاع موافقة “إسرائيلية” واضحة لإنهاء رسمي لحصار القطاع، إلا أنها انتزعت اعترافاً غير رسمي برفع الحصار من خلال الاتفاق على إعطاء تركيا حرية مطلقة في تنفيذ مشروعات خدماتية عملاقة لسكان القطاع، وهو الذي معناه ببساطة إنهاء آثار الحصار عملياً وللأبد، كما رفضت تركيا رفضاً قاطعاً تدخل “إسرائيل” في شأنها السيادي بما يخص إقامة علاقات مع من تراه مناسباً بمن في ذلك “حماس”، حيث أصرت تركيا على إبقاء العلاقة بينها وبين قيادة “حماس” في تركيا بعيداً عن الاتفاق.

مسايرة الظروف الراهنة

ويشير الكاتب عبدالله إلى أن أردوغان والقيادة التركية يعون تماماً “فقه الأولويات”، و”فقه الموازنات” والذي يعني استثمار كل الظروف “ما أمكن” لتحقيق “ما أمكن” من إنجازات، والتخفيف “ما أمكن” من الخسائر على المستوى الفلسطيني في غزة والقدس والضفة وحتى في الداخل الفلسطيني، وذلك في ظل خلل واضح وأزمة حقيقية على المستويين العربي والإسلامي، أصبحت فيه أغلب هذه الدول إن لم يكن كلها، منشغلة بأزماتها الداخلية وبالصراعات الإقليمية التي أخذت بُعداً خطيراً بدخول محور الشر: روسيا – أمريكا – إيران – “إسرائيل” وأذنابها دولاً ومنظمات، على خط هذا الصراع.

وتقضي بنود الاتفاق التركي “الإسرائيلي”، وفق ما أعلن عنه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بتعهد “إسرائيل” تقديم تعويضات تقدر بعشرين مليون دولار لأقارب ضحايا سفينة “مافي مرمرة”، التي تعرضت للاعتداء من قِبل الجنود “الإسرائيليين” عام 2010م، وإيصال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر، حيث ستتوجه أول سفينة تحمل عشرة أطنان من المساعدات الإنسانية إلى ميناء أسدود الجمعة بموجب الاتفاق، إلى جانب استكمال مؤسسة الإسكان التركية مشاريعها في غزة، وتسريع إنشاء المنطقة الصناعية في منطقة جنين، وكذلك تفعيل السفارات وتعيين سفراء لدى كلا الدولتين.

دوافع الصلح

وعن الأسباب التي دفعت تركيا للتنازل عن شرط رفع الحصار يبين الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني أن أبرز الأسباب تكمن في وجود فيتو فلسطيني وإقليمي ضاغط على الاحتلال “الإسرائيلي” وداعم لبعض المواقف الصهيونية الرافضة لتشييد ميناء أو مطار، وهما أهم معالم رفع الحصار عن قطاع غزة، إضافة إلى أن تقاطع المصالح بين الدولتين لا يسمع بإهدار مزيد من الوقت، وعليه كان خيار تخفيف الحصار مدخلاً لتجاوز المعضلة، إلى جانب تلك الأسباب فإن تركيا تدرك أنها كي تكون فاعلاً دولياً ولاعباً مهماً بالملف الفلسطيني ينبغي أن تكون علاقاتها جيدة مع كل الأطراف، وهذا ما يحصل حالياً، فتركيا بعد الاتفاق تربطها علاقات بـ”إسرائيل” والسلطة والفصائل وعلى رأسها “حماس”، ما يؤهل تركيا لممارسة دور سياسي واقتصادي كبير في المرحلة المقبلة.

هل فقد الفلسطينيون الأمل؟

ويقول الكاتب الدجني في جوابه عن هذا السؤال: لا شك أن الاتفاق أصاب الشعب الفلسطيني بخيبة أمل كونه أنهك من الحصار، ورغم إدراك شعبنا بأن سواعد الرجال (المقاومة) هي من يفرض على الاحتلال الشروط، فإن الأمل في تركيا لم يقطع، ويعتقد الفلسطينيون أن أردوغان وحكومته لن يفقدوا الأمل، وسيستغلون كل لحظة لبناء الميناء والمطار في قطاع غزة، انطلاقاً من صرخة إنسانية تنطلق كل يوم من المرأة والطفل والرجل: كفى حصاراً، من حق غزة أن تعيش.

وينهي الاتفاق 6 سنوات من الخلاف بعد الهجوم على سفينة “مافي مرمرة” الذي وقع في 31 مايو 2010م، وكان أهم الأحداث التي أضعفت العلاقة بين البلدين، حيث هاجمت القوات “الإسرائيلية” أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية لكسر الحصار المفروض على غزة.

Exit mobile version