محللون: “معركة سرت” أظهرت “داعش” نمراً من ورق

الصورة التي رسمها تنظيم “داعش” في مدينة سرت (شمال وسط ليبيا) لنفسه، على أنه “قوة مرعبة”، والتي ساهم في تضخيمها وسائل إعلام غربية، اتضح زيفها من خلال ما أبرزته الأحداث والمعارك، خلال الأسابيع الماضية.

إذ أثبتت الهزائم المتوالية والسريعة التي تلقاها التنظيم في سرت، خلال “عملية البنيان المرصوص” العسكرية، التي تقودها منذ نحو شهر قوات موالية لـ”حكومة الوفاق” المعترف بها أممياً، أن التنظيم في سرت لم يكن في حقيقة الأمر سوى “نمر من ورق”، بحسب مصادر للأناضول.

وربما يساهم كيفية تمكن التنظيم في وقت سابق من رسم صورة لنفسه على أنه “قوة لا تقهر” في تفسير سر الانهيار السريع الذي حدث له أمام قوات “عملية البنيان المرصوص”.

إذ نجح “داعش” في رسم صورة مرعبة عن نفسه عبر طريقتين أساسيتين:

الأولى: من خلال الإصدارات المرئية التي كان يظهر فيها مقاتليه، وهم يقومون بعمليات إعدام وذبح وحشية، وصادمة للرأي العام العالمي والليبي، ولعل أبرزها، الإصدار الذي بثه التنظيم في فبراير 2015 لعملية ذبح 21 مسيحياً مصرياً على إحدى شواطى سرت.

الثانية: عمليات القتل العشوائي، التي نفذها التنظيم في ليبيا، كما حو الحال في مناطق تواجده حول العالم، وإظهار عناصر التنظيم وحشية، وقدرة عالية على قتل الناس بدون شفقة أو تمييز، ومن هذه العمليات تفجير زليتن، في 7 يناير كانون الثاني 2016؛ حيث استهدف التنظيم أحد معسكرات الشرطة بهجوم انتحاري أدى إلى مقتل ما يقرب من مائة شخص.

لكن تلك الصورة الذهنية، التي صنعها التنظيم عن نفسه، والتي جعلته في صورة المرعب الذي لا يهزم، والذي يخشى الجميع ملاقاته وقتاله، اهتزت في أكثر من مناسبة؛ ما رفع من معنويات القوات الحكومية في سرت، وساعد هذه القوات على إلحاق الهزيمة بعناصر التنظيم دون أن تهاب مواجهتهم.

وحول ذلك، يرى الكاتب والمحلل السياسي الليبي هشام الشلوي، الباحث في “مركز العين الليبي للإعلام والصحافة والدراسات” (غير حكومي) أنه “تم تحطيم الدعاية القائلة بعدم إمكانية هزيمة التنظيم”، معتبراً في حديث مع وسائل إعلام محلية، أن “تجربة درنة في يونيو 2015، قضت بشكل نهائي على هذه الفرضية”.

 مقاتلو “مجلس شورى مجاهدي درنة” (تجمع من الثوار السابقين)، تمكنوا من طرد تنظيم “داعش”، قبل نحو عام، من مدينة درنة (شمال شرق)، وهو ليس بالمكان الوحيد الذي هُزم فيه التنظيم.

 ففي فبراير الماضي، تلقى التنظيم ضربات موجعة وانهزم في مدينة صبراته (شمال غرب)، بعد مواجهات استمرت أسبوعاً مع المجلس العسكري للمدينة، وعدد من ثوار المدن الغربية.

وبعد هزيمة صبراته بنحو أسبوع، تلقى “داعش” هزيمة أخرى في الجنوب التونسي المتداخل مع الغرب الليبي؛ عندما حاول عناصره السيطرة على مدينة “بن قردان” التونسية، في 7 مارس، غير أن قوى الأمن والجيش التونسيين، وبدعم من سكان المدينة، تمكنت من إفشال مخطط التنظيم.

تضخيم أعداد التنظيم في سرت

وبخلاف الصورة الذهنية كـ”قوة لا تقهر”، والتي اهتزت على وقع هزائم سابقة للتنظيم، أظهرت معارك سرت أن الأرقام التي أوردتها وسائل إعلام غربية لأعداد عناصر التنظيم في سرت مبالغ بها.

فقد تحدثت التقارير الغربية على امتلاك التنظيم مقاتلين في سرت، يتراوح عددهم بين 6 – 10 آلاف، لكن مصادر عسكرية ميدانية قالت، إن عملية “البنيان المرصوص” بينت أن أعدادهم لا تتجاوز ألفي مقاتل، على أقصى تقدير.

وأوضحت المصادر ذاتها، للأناضول، مشترطة عدم الكشف عن هويتها، أن عدداً ليس بالهين من هذه القوات، وبصفة خاصة العناصر الليبية، هربت من المدينة قبل حصارها من قبل القوات الحكومية.

وتقدّر المصادر أن عدد الذين قتلوا من عناصر التنظيم منذ بدء عملية البنيان المرصوص، يقارب الألف، بينما تتوقع أن المئات فقط، – وأغلبيتهم من الأجانب – متبقون في المدينة.

ومن دلائل قلة عدد مقاتلي التنظيم داخل سرت، حالياً، أسلوب قتاله الذي يعتمد على التفخيخ بالألغام، والقنص، وليس الاشتباك المباشر، وهو الأمر الوحيد الذي يعيق عملياً تقدم قوات “البنيان المرصوص”.

فقدان الحاضنة الشعبية

ويعد فقدان التنظيم لحاضنة شعبية أو قبلية في سرت من أسباب انهياره السريع في مواجهة القوات الحكومية.

فقد استغل التنظيم الانقسامات السياسية التي تعيشها ليبيا، والفراغ الأمني الذي تعيشه مدينة سرت، معقل نظام معمر القذافي، التي كانت ولا زالت منهكة من تداعيات ثورة 17 فبراير 2011، والتي أطاحت بحكم الأخير، ليتسرب إلى المدينة ويستقر فيها، حتى أحكم سيطرته عليها بالكامل بداية 2015.

ووفق مراقبين، نجح التنظيم في استمالة عدد من الموالين لنظام القذافي، خاصة من الذين كانوا يريدون الانتقام من ثورة 17 فبراير، ويسعون للعودة كفاعلين في المشهد الليبي، ولو من خلال التنظيم، بعد أن أقصتهم الثورة.

غير أن العلاقة بين التنظيم وأهالي المدينة سرعان ما ساءت؛ نظراً للممارسات البشعة في حق السكان؛ وهو ما جعل التنظيم فاقداً لكل حاضنة شعبية أو قبلية في سرت، حسب هؤلاء المراقبين.

التفوق العسكري للقوات الحكومية

وأخيراً، من العوامل الحاسمة في معارك سرت هو تفوق قوات “البنيان المرصوص” في العدد والعتاد.

فحسب مصادر عسكرية حكومية، يقدر عدد مقاتلي “عملية البنيان المرصوص” بـ 8 آلاف مقاتل، مدعومين بسلاح الطيران، الذي لعب دوراً مهماً في المعركة ضد التنظيم.

وأضافت المصادر ذاتها، للأناضول، أن الطيران استهدف عدداً من قيادات “داعش” في سرت، ومخازن السلاح التابعة للتنظيم، بمساندة من عمل استخباراتي، جعل عدداً من أهداف التنظيم مكشوفة.

Exit mobile version