“إيكونوميست”: الخروج البريطاني ينذر بزلزال اقتصادي عالمي

أفردت مجلة ” إيكونوميست” البريطانية تقريرا مطولا تناولت فيه التداعيات السلبية لنتيجة الاستفتاءالخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على الاقتصاد العالمي، ولاسيما في ضوءء تراجع الجنيه الإسترليني مقابل الدولار إلى أدنى مستوياته في 30 عام، مباشرة عقب ظهور نتيجة الاستفتاء والمخاوف من تباطؤ وتيرة الاستثمارات العالمية.

وإلى نص التقرير:

قال نايجل فراج، زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة ” يوكيب” لأنصاره إن يوم الـ 23 من يونيو ينبغي أن يُخلد بوصفه يوم الاستقلال البريطاني. وقد جاءت استجابة الأسواق المالية لفوز معسكر ” الخروج” في الاستفتاء الذي شهدته بريطانيا أمس الخميس حول عضويتها في الاتحاد الأوروبي، سريعة. فخلال اليوم الأول للتداول، هبط الجنيه الإسترليني مقابل الدولار بأكثر من 10% إلى 1.32 دولار، مسجلا أدنى مستوياته في 30 عام.

وانخفض الجنيه الإسترليني أيضا بمعدلات أكبر أمام الين الياباني، وبدأ المستثمرون يهرعون إلى السندات الأمريكية الأمنة. ومع افتتاح الأسواق الأوروبية، سجلت مؤشرات الأسهم الرئيسية في أسيا تراجعا بنسبة 10% تقريبا.

ويكره المستثمرون حالة ” عدم اليقين،” وهو ما فسرته نتيجة استفتاء أمس. لكن التراجع الذي شهدته أسواق الأسهم الأسيوية ما هو سوى حكم مبكر على تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على ” الاقتصاد العالمي. فأسواق المال عادة ما تُظهر ردود أفعال فورية تجاه المتغيرات المحلية والعالمية. وتمثل بريطانيا 3.9% فقط من الناتج العالمي، وهي نسبة لا تكفي للاشتراك في قيادة دفة الاقتصاد العالمي، كما هو الحال مع الولايات المتحدة أو الصين. لكن الاقتصاد الأمريكي يمر هو الأخر بمرحلة تباطؤ، وثمة مخاوف كبيرة على قدرة الصين على تجاوز تداعيات ديونها الضخمة.

ويبرز الاقتصاد البريطاني بقوة على خارطة الاقتصادات الأوروبية، والتي يبدو فيها مستهلكا يُعول عليه في قارة تشهد في الأساس انكماشا اقتصاديا، مما يجعل أي انخفاض في معدلات النمو مسألة غير مرغوب فيها ولاسيما الآن.

وأكد البنك المركزي البريطاني صابح اليوم الجمعة:” إننا مستعدون جيدا لهذا.” وقد يقم البنك على خفض أسعار الفائدة الأساسية من مستواها الحالي البالغ نسته 0.5%. وربما حتى يلجأ البنك إلى إحياء برنامجه الخاص بالتسهيل الكمي، وشراء السندات بالأموال الإليكترونية التي تم صكها مؤخرا.

ومع ذلك، يبدو ركود الاقتصاد البريطاني أمرا محتملا، فالاستثمارات التي تضخها الشركات ستتأثر سلبا جراء عدم اليقين حول الوصول المستقبلي إلى كل من السوق الأوروبي الموحد وأماكن أخرى ترتبط معها لندن باتفاقيات تجارية تم التفاوض عليها من جانب الاتحاد الأوروبي.

وفي أوقات الاضطرابات، تحجم الشركات دائما عن الإنفاق قدر المستطاع. ونفس الشيء ينطبق أيضا على المستهلكين. فالغالبية التي صوتت على الخروج من الاتحاد الأوروبي ربما يعتقدون أن توقعات الركود في حالة الانفصال ما هي سوى طرق لتخويف الناخبين. وإذا كان الأمر كذلك، فلن يقدم هؤلاء الأشخاص على الأرجح على خفض مستويات إنفاقهم بين عشية وضحاها.

لكن ومع دنو ظهور النتائج الضبابية على الاقتصاد البريطاني، ستتباطأ مستويات الإنفاق على السلع الكبيرة على الأرجح، كما أن انهيار الجنيه الإسترليني سيدفع معدلات التضخم إلى الارتفاع، مما سيقلل الدخول الحقيقية، وسيتم إلغاء الكثير من الوظائف، وسينخفض أيضا عدد ساعات العمل، وسيتقلص نمو الأجور والرواتب.

وبالتأكيد فإن الركود الاقتصادي في المملكة المتحدة سُيسمع صداه في الاقتصاد الأوروبي. وأيا كان حجم التراجع في نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني، فسيعاني الاقتصاد الأوروبي من انخفاض في النمو بمعدل النصف.

الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي سيؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي بطرق أخرى، لكن مصدر القلق الأكبر يتمثل في النطاق الذي ستظهر فيه تداعيات هذا الخروج على لاعبين كبار في الاقتصاد العالمي، وأبرزها الصين وجنوبي أوروبا. فإيطاليا لديها استفتاء على تغيير دستوري في أكتوبر المقبل، ويقول رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي ذو العقلية الإصلاحية أنه سيستقيل حال لم تصب النتيجة في صالحه، لكن نتيجة الاستفتاء البريطاني لا تساعد على تعزيز فرص نجاح رينزي.

ومن الطبيعي أن الأسواق المالية ستتأثر بهذه الأوضاع، لكن الأثار ليست اقتصادية فحسب ولكن الاثار السلبية إنعكست أيضا على المستوى الاوروبي ككل، فوجود بريطانيا يحقق توازنا داخل الاتحاد والأقطاب الأوروبية وخروجها يرجح كفة المانيا وبذلك ستسير أوروبا وفقا للسياسة الألمانية، لأن فرنسا لا تستطيع بمفردها أن توازي الدولة البريطانية التي أخذت معها شرق أوروبا فالنتيجة الآن أن أوروبا ستدور في فلك الألمان .

ودائما عندما يكون هناك انهيارات بالأسواق المالية فانها تنتقل حتما إلى الاسواق الحقيقية من خلال التأثير على ثقة المستهلك والمستثمرين فالأزمة تنتقل من المصارف البريطانية إلى الاوروبية إلى العالمية، وهو ما يؤدي إلى انكماش في حركة الإقراض والاقتراض، وبالتالي لا بد من الانتظار بضعة أيام لتتضح تداعيات الأزمة الاقتصادية، لكن المؤشرات الأولية تشير إلى أن اللتداعيات ضخمة ولكن الغير واضح بعد إذ كانت أزمة عالمية ضخمة كأزمة 2007.

إن الأزمة ستكون زلزالا اقتصاديا عالميا ولكن لم يتضح حتّى الآن إلى أي مدى ستكون تداعياتها، لاسيما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي جاء في وقت يعاني الاقتصاد العالمي في الأصل  من أزمة ويعاني من ركود كما المصارف المركزية العالمية لا تملك ذخيرة لخفض الفوائد، ولم تُرى نتائج ايجابية لبريطانيا على الصعيد الاقتصادي.

Exit mobile version