تونس: 65 ألف ضحيّة قدّموا ملفاتهم لهيئة الحقيقة والكرامة والأرقام مفزعة

تونس: عبدالباقي خليفة

أكثر من 65 ألف ضحية من ضحايا الاستبداد على امتداد ما يزيد على نصف قرن من الديكتاتورية، في تونس تقدموا بملفاتهم إلى هيئة الحقيقة والكرامة، ومثلت النساء نسبة لا بأس بها من الضحايا وهي 23 % أي أكثر من 13 ألف ضحية، و4% ذوات معنوية.. هذا ما أعلنته هيئة الحقيقة والكرامة، في مؤتمر صحفي، وهي هيئة تونسية منصوص عليها وعلى مهامها في الدستور التونسي المجتمع عليه بين مختلف مكونات الساحة السياسية والثقافية والاجتماعية في تونس بعد الثورة. وذلك بمناسبة مرور سنتين على انطلاق عمل الهيئة، وانتهاء آجال التسجيل في منتصف شهر يونيو 2016م، وصدور التقرير السنوي للهيئة للعام 2015م.

أرقام مفزعة

تمثّل ملفات القتل العمد، والاختفاء القسري، وعدم توفر ضمانات المحاكمات العادلة، قمة التنكيل والانتهاكات التي مارستها الديكتاتورية في تونس ما قبل 2011 م بحق المعارضين ولا سيما الإسلاميين منهم الذين دفعوا النسبة الأعلى من فاتورة المظالم التي حاقت بالبلاد والعباد. فقد بلغت ملفات القتل العمد 379 ملفاً، والاختفاء القسري 95 ملفاً، والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة 32 ملفاً. وهناك 10 انتهاكات تمثل حوالي 80 في المائة من جملة الانتهاكات الواردة في الملفات وهي 23303 ملفات إلى حدود 16 يونيو 2016 م. منها 61 في المائة إيقاف تعسفي، و59 في المائة انتهاك لحرية التعبير والإعلام والنشر، و56 في المائة المنع من الارتزاق واعتداء على حق العمل، و50 في المائة تعذيب، و50 في المائة اعتداء على الحرمة الجسدية أثناء الاحتجاجات والمظاهرات أو بمناسبتها. و35 في المائة انتهاك للحق في السكن وحرمة المسكن. و28 في المائة انتهاك الحق في الحياة الخاصة، و27 في المائة انتهاك الحق في حرية التجمع السلمي، و26 في المائة الرقابة الإدارية، و25 في المائة انتهاك الحق في التقاضي والمحاكمة العادلة.

ضحايا من مختلف المرجعيات

رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، أكدت “للمجتمع” أن الضحايا من مختلف الحساسيات السياسية، والمرجعيات الفكرية، ومن كل الأجيال، حيث هناك اليوسفيون (أنصار صالح بن يوسف الذي اغتاله بورقيبة في ألمانية في ستينيات القرن الماضي) والقوميون، واليساريون، والإسلاميون، والناشطون في مجال حقوق الإنسان، والحريات العامة، والمطالبون بديمقراطية حقيقية في البلاد، علاوة على الاتحاد العام التونسي للشغل، (منظمة نقابية عمالية) “وقد شكّل لجنة متابعة خاصة مع الهيئة وتمكينها من الأرشيف الذي لديه، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وعمادة المحامين، ونقابة الصحفيين، وجميع المنظمات النقابية الأخرى، وجمعية القضاة، ومرصد استقلال القضاء، والجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، والجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين، ومنظمة حرية وإنصاف، والمجموعات العرقية. إضافة لوجود 30 ملفاً تقدمت بها أقاليم تعرضت للتفقير والتهميش في عهد الاستبداد.

التحكيم والمصالحة

رئيس لجنة التحكيم والمصالحة، خالد الكريشي، أكد بدوره “للمجتمع” أن من بين أكثر من 65 ألف ملف هناك 6 آلاف ملف تتعلق بالتحكيم والمصالحة، وهي آلية منصوص عليها في التكليف الخاص بهيئة الحقيقة والكرامة، تمكّن المرتكب للانتهاكات من طلب المصالحة مع الضحية، التي يمكن أن تكون فرداّ، أو مجموعة أفراد، أو مؤسسة، أو حزب، أو حتى الدولة نفسها، حيث هناك 685 ملفاً تقدم بها المكلف العام بنزاعات الدولة لحل إشكالاتها عبر هذه الآلية.

رئيسة لجنة البحث والتقصي، علا بن نجمة، أشارت إلى أن الضحايا الذي لمسوا أن القضاء لم ينصفهم، ولم يقتنعوا بما صدر من المحاكم، يمكنهم أن يلتجأوا لهيئة الحقيقة والكرامة لإعادة تلك المحاكمات في إطار عملها في مجال تقصي الحقائق حول إنفاذ العدالة في مثل هذه القضايا، حيث نقوم بتحليل المعطيات وإجراء التحقيقات اللازمة ونقدم الملفات للدوائر المختصة، من أجل العدالة وحفظ الذاكرة .

رد الاعتبار وجبر الضرر

كما حدث في دول أمريكا اللاتينية، وأوربا الشرقية، وجنوب إفريقيا، وكذلك المغرب، فإن من حق ضحايا الاستبداد رد الاعتبار لهم وجبر الضرر الذي لحقهم، ويقوم ذلك على ركيزتين إحداهما معنوية كالاعتراف والاعتذار، وثانيهما مادية وهي التعويض وجبر الضرر وغالباً ما تقوم الدولة التي تمت باسمها تلك الانتهاكات بذلك. وكشفت رئيسة لجنة رد الاعتبار وجبر الضرر حياة الورتاني عن رصد ميزانية في الغرض بلغت سنة 2015 م 1.5 مليون دينار (حوالي 750 مليون يورو) ومليونا دينار (مليون يورو تقريبا) عام 2016م، وهي أرقام محتشمة، إلا أنها أشارت إلى أن صندوق الكرامة الذي سيمثّل وعاء جبر الضرر للضحايا لا يزال في طور النقاش بين الهيئة ورئاسة الحكومة، والذي يعوّل عليه بعد الله، في جبر ضرر الكثير من الضحايا الذين فقدوا كل شيء تقريباً طيلة سنوات القمع والقهر والاستبداد.

ملفات الداخلية

رغم تردد وزارة الداخلية التونسية في تسليم الملفات التي بحوزتها، والتي تعد الصندوق الأكثر سواداً لانتهاكات حقوق الإنسان في عهود الاستبداد والديكتاتورية، إلا أن نسخاً من تلك الملفات موجودة في أماكن أخرى، وقد توصّلت إليها هيئة الحقيقة والكرامة. وقد بادر بعض الضباط وعناصر الداخلية ومنهم متقاعدون بالتقدم بملفات مصالحة، لكن بعض من بقي منهم في الخدمة لا يزال يتمترس بالحصانة، إلا أن ذلك لن يدوم طويلاً حيث تبدي رئاسة الحكومة استعداداً لتسليم ملفات الداخلية لهيئة الحقيقة والكرامة احتراماً للدستور والقانون.

Exit mobile version