رمضان والأزمة الليبية.. فرج قريب أم أمل بعيد؟

انقطاع الكهرباء وغياب السيولة وارتفاع الأسعار.. أبرز المشكلات في رمضان

العديد من عامة الشعب يربطون رمضان بزيادة تفاقم الأزمات

لا يمكن تقدير نظرة مستقبلية بخصوص الاستقرار العسكري في رمضان بشكل دقيق

 

تمر ليبيا بمرحلة صعبة جداً في تاريخها، فالأزمة السياسية والانقسام الحاد بين الفرقاء السياسيين على أشده، والاشتباكات المسلحة بين مختلف الأطراف الليبية وتنظيم الدولة من جهة وبين الأطراف المتنازعة فيما بينها من جهة أخرى على أشده أيضاً، والمختنق السياسي على ما هو عليه، فحكومة الوفاق لم تعمل بكامل طاقتها بعد، والوزراء لم يستلموا مهامهم رسمياً بسبب عدم إعطاء الثقة لحكومتهم من قبل مجلس النواب الذي لا يبدو أنه سيجتمع قريباً لإنهاء هذه المعضلة، والمجتمع الغربي في تسارع كبير وتسابق لمحاولة إنهاء الأزمة والتفرغ لحشد وتنظيم القوى المحلية التي يمكن التعاون معها في قتال “تنظيم الدولة”.

وتحت وقع تسارع الأحداث، يقبع المواطن الليبي الذي يعاني عديد المشكلات التي تبدأ من انعدام الأمن وانتشار الخطف والسرقة بالإكراه وعمليات القتل والتهريب.. ولا تنتهي أزمة المواطن بانعدام الأمن من سد الجوع الذي يمكن أن يعانيه، فأزمة السيولة وانخفاض قيمة الدينار الليبي بشكل غير مسبوق أمام الدولار في السوق السوداء يسبب أرقاً كبيراً للمواطن الذي يعاني الأمرين في هذه الأحداث، فلا يعرف إلى أين يتجه، ولا حقوق يأخذها.

هذه الورقة عبارة عن تقرير للإجابة عن سؤال مهم وهو: كيف سيمر شهر رمضان على الليبيين في ظل الظروف الراهنة؟ نحاول فيه تقييم وتقدير الموقف من خلال المعطيات الحالية.

تفاقم الأزمات

يربط العديد من عامة الشعب الليبي شهر رمضان الكريم بزيادة تفاقم الأزمات التي تمر بها البلاد، وهو أمر غير مقصود بذاته، على قدر ما هو إقرار يقوم به العقل الباطن لشعب عاش معاناة كبيرة سنة 2011م التي انطلقت فيها الثورة الليبية، وعاشت فيها أغلب المدن ظروفاً صعبة كان أشدها في شهر رمضان الكريم، حيث انقطع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وعانى الناس من غياب السيولة في البنوك الليبية، ومن ارتفاع أسعار السلع التموينية والخضراوات، قبل أن يدخل الثوار مدينة طرابلس ويطردوا كتائب القذافي منها.

لكن الحال لم تتبدل كثيراً، فخوف الناس في طرابلس مما يجري خارج منازلهم تسبب في إغلاق بعض المحلات، إضافة إلى استمرار بعض العمليات النوعية والاشتباكات المتقطعة في بعض مناطق البلاد، وبعد استقرار الثوار في طرابلس انتهت الأزمة، لكن ذاكرة الحدث لم تنتهِ ولم تُمحَ من أعين وفكر الليبيين الذين عادوا ليعيشوا ظروفاً سيئة جداً، بدءاً من عام 2014م؛ حيث انطلقت الاشتباكات في طول البلاد وعرضها، بانطلاق “معركة الكرامة” في المنطقة الشرقية، وانطلاق عملية “فجر ليبيا” في المنطقة الغربية، إضافة إلى اشتباكات اندلعت في بعض مناطق جنوب البلاد.

وفي ذلك العام كان تأثير الأزمة مباشراً بنزوح العائلات من مناطق الاشتباك، تاركين وراءهم أموالهم ومنازلهم إلى مناطق أكثر أمناً، فيما دُمرت الكثير من المحال التجارية، وتوقفت البلاد عن العمل في الكثير من المناطق والمدن الرئيسة في البلاد، وهو ما كان له الأثر الأكبر على عامة الشعب، خاصة في المنطقة الغربية، والتركيز على السؤال: لماذا لم تنطلق العمليات العسكرية لـ “فجر ليبيا” إلا في رمضان؟ وهو ما زاد من ارتباط خوف الناس من تأزم الأوضاع في هذا الشهر من كل عام، وهو ما تحقق فعلاً في عام 2015م في أغلب مناطق البلاد، حيث أصبح تأثير الحروب والاشتباكات غير مباشر، وذلك بظهور الأزمة الاقتصادية المتمثلة في استمرار توقف الحقول النفطية عن العمل مقابل زيادة وارتفاع وتيرة الأزمة السياسية الليبية، وتكاملاً مع سيطرة بعض الأطراف على سوق العملة في الأسواق السوداء وحركة تدفق البضائع، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار السلع التموينية بشكل غير مسبوق لم تشهده البلاد حتى في عام 2011م.

لكن وحتى ذلك الوقت يمكن اعتبار أن هناك بعض الأمور التي كانت تهوّن من الأزمة، ومنها أن السيولة كانت متوافرة إلى حد ما في المصارف الليبية؛ ما مكن الكثير من العائلات الليبية من مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية ولو بخسائر مالية أكبر بسبب ارتفاع الأسعار التي ربطها التجار بارتفاع سعر الدولار وإغلاق مطار طرابلس الدولي.

ورغم أن الكثير من الليبيين تابعوا وانتظروا موعد توقيع اتفاق الصخيرات الذي كان من المفترض أن ينهي الأزمة السياسية الليبية، وينتج حكومة موحدة، وينهي الانقسام السياسي ولو بشكل ظاهري، فإن مخرجات الحوار لم تكن كذلك، فحكومة الوفاق الوطني تواجه الكثير من المشكلات، على رأسها عدم إعطاء الثقة لحكومة السراج بعد، أو بالأحرى عدم تداول الموضوع من الأساس؛ وهو ما فاقم من الأزمة السياسية، إلى جانب انطلاق العمليات العسكرية في محيط مدينة سرت من قبل قوات من المنطقة الغربية شكلت تحت غرفة أنشأها المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة تحت اسم عملية “البنيان المرصوص”.

بالإضافة إلى أن الأمور لم تستقر بعد لصالح حفتر في مدينة بنغازي، حيث ما زالت القوارشة وسوق الحوت ومساحة شاسعة من منطقة الصابري تحت يد مجلس شورى ثوار بنغازي، والقوات المساندة له، بالإضافة إلى سيطرة “داعش” على بعض هذه المناطق، كما أن الأمور ليست مستقرة بعد في مدينة درنة التي يخيم عليها شبح تجدد الاشتباكات في المدينة، لكن هذه المرة بين مجلس شورى ثوار درنة وقوات حفتر.

وبالموازاة مع ذلك، تفاقمت الأوضاع المالية أكثر فأكثر في البلاد، فتفاقمت أزمة السيولة، بحيث أصبحت المصارف تكاد لا تستقبل سيولة في خزائنها سوى مرة واحدة في الأسبوع أو أسبوعين، كما أن السلع التموينية زادت في قيمتها إلى الحدود اللامعقولة التي لم يعد يستطيع المواطن العادي التعامل معها.

مؤشرات إيجابية

تلوح بعض المؤشرات الإيجابية في الأفق رغم سوء المعاناة، فإذا ما استمرت الأوضاع العسكرية في هدوئها وهدنتها الحالية في مناطق التوترات المتكررة مثل الجنوب الليبي وخاصة أوباري وسبها، وكذلك درنة شرقاً، وطرابلس وورشفانة غرباً، فإن المشكلة المالية قد تحل، إثر توحيد جهود المصرف المركزي وإنهاء الانقسام الذي كان يعاني منه من خلال انتقال علي الحبري، النائب السابق لمحافظ مصرف ليبيا المركزي إلى البيضاء، للعمل من هناك تحت مجلس النواب الليبي، فيما ظل الصديق الكبير في طرابلس، وتقاسم الطرفان تسيير العملية المالية لقرابة العامين، مع وجود بعض السلبيات التي نتجت عن ذلك الانقسام.

كما أن الإجراءات التي تحدث عنها مصرف ليبيا المركزي والتي تشمل وصول طبعة جديدة من الأوراق النقدية الليبية، وعودة السماح بإعطاء مستندات اعتمادية لبعض التجار ورجال الأعمال لبعض العمليات التجارية، وهي إجراءات من شأنها أن تخفف من الأزمة الليبية في البلاد، إذا ما تم تنفيذها، حيث إن إعادة إعطاء المستندات الاعتمادية يعني انخفاض أسعار المواد الغذائية ولو بشكل بسيط، كما أن توافر السيولة في المصارف من شأنه أن يحل الأزمة المالية بالنسبة لعامة الناس الذين يعانون بشكل كبير من نقص السيولة أو عدم توافرها.

وبالعودة إلى الأحوال السياسية والعسكرية، فإنه لا يمكن تقدير نظرة مستقبلية بخصوص الاستقرار العسكري في شهر رمضان بشكل دقيق؛ لأن المعطيات العسكرية وتوزيع خريطة الأطراف، وإمكانات وأدوات كل طرف، من الممكن أن تتغير وبشكل سريع؛ ما يعني إمكانية انطلاق اشتباكات في مناطق مختلفة من البلاد، إلا أننا نأمل ألا يستمر ارتباط شهر رمضان المبارك بأزمة أو حرب أخرى تشتعل في أي منطقة من مناطق البلاد.

Exit mobile version