رمضان فلسطين: مائدة إفطار غائبة.. وجدار يخنق الفرحة..

مائدة الإفطار في شهر رمضان التي غابت عن أسرى مع عائلاتهم، مكثوا في الأسر عدة سنوات، تعود ويتحقق حلم لمّ الشمل العائلي.

المحرر علي شواهنة (36 عاماً) من قرية كفر ثلث غرب نابلس يعيش مع عائلته أول مائدة رمضانية حرمه الاحتلال منها منذ عام 2000م، بداية مطاردته من قبل قوات الاحتلال واعتقاله والحكم عليه بالسجن خمسة شر عاماً.

المحرر شواهنة يصف الجلوس مع أفراد العائلة، والوالدة تزين مائدة الإفطار قائلاً: “هذا الحلم تحقق بعد غياب طويل، ففي السنوات السابقة عشت رمضان مع إخواني الأسرى خلف القضبان، واليوم مع أفراد عائلتي وهذا بفضل الله وكرمه، وهو انجاز يحلم به كل أسير غيبه الأسر سنوات، فالأسر يحرم الأسرى من كل أحلامهم حتى لو كانت الاجتماع على مائدة إفطار، والشعور النفسي للأسير يكون مع كل مناسبة دينية أو اجتماعية وهو غائب عنها لا يوصف، وتكون المشاعر كموج البحر المتلاطم، فالأسر يخنق كل معاني السعادة”.

أما المحرر علاء شريم الذي أمضى 15 عاماً في الأسر وتحرر قبل أسابيع يقول عن أول مائة رمضانية مع والدته وأهله: “لمة الأهل على مائدة رمضان لا تقدر بثمن، فقيمة هذه المائدة وعليها أفراد العائلة، لا يعرف قيمتها إلا الأسير المحروم منها وهو خلف القضبان، وهي بمثابة أول هدية له بعد الإفراج، والأسرى الذين يتحررون قبل رمضان يكونوا في غاية السعادة والسرور، فهم يخططون لهذه المائدة الرمضانية وهم في الأسر قبل التحرر، ويتحدثون عن أصنافها التي ستكون حاضرة على المائدة”.

ويضيف: “يتعمد الاحتلال التنغيص على موائد الإفطار داخل الأسر، فمصلحة السجون تتقن فن التنغيص والتنكيد على الأسرى في كل المناسبات ومنها شهر رمضان ومائدة الإفطار اليومية على مدار الشهر”.

ويعتبر الأديب المحرر وليد الهودلي أول مائدة رمضانية للأسير المحرر مع أفراد عائلته بالحدث المهم جداً، فهي تشكل دفعة معنوية له ولأفراد عائلته، فالغياب له ضريبة، والحضور له بهجة وسعادة وسرور، والمائدة الرمضانية بوجود المحرر تمسح كل آثار الماضي القاسية من غياب طويل، فالعائلة تفتقد الأسير بمشاعر حزينة تؤثر على مجمل حياتهم وخصوصاً في شهر رمضان.

ويعيش قرابة السبعة آلاف أسير في سجون الاحتلال في ظروف قاسية، ويمر عليهم رمضان 2016م في ظروف قاسية.

رمضان في منزل عائلة أسير

تعبر والدة الأسير لؤي داود (42 عاماً) عن حلول رمضان بغياب ابنها في غياهب السجون، برفع أكفها إلى السماء ودموع الحزن لا تتوقف، فابنها أمضى في سجون الاحتلال ما يزيد على الأحد عشر عاماً، ويعاني من ضعف شديد في النظر ويحتاج إلى زراعة قرنية، وقبل اعتقاله منعه الاحتلال من السفر بهدف العلاج وإنقاذ بصره.

أم بلال والدة الأسير لؤي تقول لـ”المجتمع”: “الاحتلال دائماً ينصب لنا راية الحزن، فهو لا يتوقف عن ملاحقة ابني شبه الضرير، وفي كل صلاة فجر كنت أنتظره، وهو ذاهب للصلاة كي لا يقع في إحدى الحفر، ومع كل آذان لصلاة الفجر تحدثني نفسي: ماذا يفعل ابني؟ وكيف يتدبر أمره؟ مع علمي المسبق أن إخوانه الأسرى يحبون مجالسته والحديث معه، فهو لديه علاقات متينة مع الأسرى”.

تتحدث أم بلال عن أول مائدة رمضانية في أول أيام رمضان، وتقول: “أولاده وزوجته وأنا سنكون في وضع نفسي صعب، فمائدة السحور كانت تعلوها الكآبة، فالاحتلال قام بتجديد الاعتقال الإداري بحقه قبل حلول شهر رمضان بأسابيع، والكل كان ينتظر الإفراج عنه ليشاركنا شهر رمضان والعيد، ومع ذلك فخيمة الحزن ستزول عن ابني الأسير وعن جميع الأسرى، وأنا الذي يؤلمني أولاده الصغار الذين دوماً يقولون لي: “متى سيأتي بابا؟”.

الطفل عبدالرحمن (13 عاماً) الابن البكر للأسير لؤي داود يقول: “أنا أتضامن مع أبي من خلال نشر أخباره على “الفيسبوك”، وغيابه عنا ليس بالأمر الجديد، فقوات الجيش دائماً تداهم منزلنا، وفي الاعتقال الأخير كان الانتقام واضحاً في تخريب محتويات المنزل وطريقة الاعتقال الوحشية”.

ويصف الطفل عبدالرحمن غياب والده في شهر رمضان قائلاً: “أترجم مشاعري ومشاعر عائلتي بجمل أنشرها على “الفيسبوك”، كي يشعر الجميع بمشاعر عائلة الأسير، وحتى يعلم الجميع أن عائلة الأسير تتوجع في كل يوم وفي كل لحظة، فعند الفطور أتذكر المأكولات التي كان يحبها والدي، وأشاهد دموع جدتي ووالدتي، وجدتي تضع صورته أمامنا كي يكون حاضراً، ووضع الصورة على المائدة يزيد من وجعنا جميعاً وهي تعبير عن الشوق له”، رمضان في القرى المعزولة جنوب قلقيلية تحت التفتيش وخنق المواطنين بالإجراءات الأمنية.

الجدار يخنق الصائمين

يتحرك المواطنون في القرى المعزولة خلف الجدار جنوب مدينة قلقيلية شمال الضفة لغربية، على مدار العام عبر بوابات التفتيش العنصرية، وفي شهر رمضان يفضل أهالي التجمعات المعزولة عدم التحرك ذهاباً وغياباً خوفاً من إجراءات التفتيش المذلة.

مختار عرب الرماضين أشرف كساب يتحدث لـ”المجتمع” عن صعوبة شهر رمضان في القرى المعزولة ويقول: “أستطيع القول: إن شهر رمضان في تجمعاتنا لا أستطيع في مقابلة صحفية أن أصفه، فكل مواطن يريد الخروج عليه الدخول في غرفة إلكترونية يقوم فاحص من أفراد الشركة الأمنية بالإشراف على تفتيشه، وبعد الخروج من الغرفة يتعرض لتفتيش يدوي، ولا يتم استثناء أي مواطن من هذه الإجراءات سواء كان صغيراً أو كبيراً أو رجلاً أو امرأة، ولا يمكن التفاهم مع أفراد الشركة الأمنية الذين لا يعرفون من الإنسانية إلا اسمها”.

وأضاف: “يحل شهر رمضان ولا نشعر به، فالكل يلتزم المنازل وعدم الخروج لأن الإجراءات في شهر رمضان أشد تأثيراً على الصائمين منها في الأوقات الأخرى”.

يقطن التجمعات المعزولة خلف الجدار في عرب أبو فردة وعرب الرماضين الجنوبي قرابة 550 مواطناً، جميعهم لديهم ملفات أمنية ويتم تفتيشهم إلكترونياً ويدوياً عند الخروج والعودة.

يعود المختار كساب للحديث عن كيفية التفتيش للأغراض التي يحضرها المتسوقين من مدينة قلقيلية والقرى المحيطة خارج الجدار ويقول: “عند قدوم السيارة التي تقل المواطنين يجبر الجميع النزول ومعهم أغراضهم مهما كان وزنها، وتتقدم السيارة إلى البوابة وهي فارغة من المواطنين والأغراض، ويتحمل كبار السن مشاق حمل الأغراض والسير بها إلى البوابة مشياً، من أجل التفتيش وهذا الأمر يجعلنا كسكان في المنطقة إلى تجنب إحضار أي مواد إضافية، لأن حملها مسافة طويلة عملية شاقة وصعبة علينا جميعاً”.

ويروي المواطن محمود شعور قصة مع أول أيام شهر رمضان قائلاً: “زوجتي أنجبت مولوداً بعملية قيصرية، وعند العودة إلى عرب الرماضين، أصر أفراد الشركة الأمنية نزول زوجتي مع طفلها من السيارة وهي في حالة تعب وإرهاق، وطلبنا من الضابط المسؤول النظر إلى داخل المركبة ومعاينة الحالة، وكان الجواب بالرفض، وأجبرت زوجتي على السير مشياً على الإقدام، وتعرض المولود الذي لم يتجاوز عمره الثلاثة أيام إلى التفتيش، فهذا المثال جزء يسير من العذاب الذي يتعرض له كل المواطنين في المنطقة.

ويصف المختار كساب حال المواطنين في شهر رمضان بجملة “رمضان تحت التفتيش”، ويقول: “نتجنب جميعاً الخروج خوفاً من ضياع وجبة الإفطار علينا، فإذا لم يكن الفاحص المشرف على الغرفة الإلكترونية موجوداً علينا الانتظار حتى يحضر ويقوم بعملية الفحص، ولا مراعاة لأي خصوصية في شهر رمضان كما يزعم الاحتلال من وجود تسهيلات”.

ولفت المختار كساب على أن أسباب العذاب اليومي من قبل الاحتلال، حتى نضطر إلى الموافقة على عرض الإدارة المدنية القاضي بترحيلنا إلى أماكن بعيدة عن المنطقة من أجل أن تتوسع مستوطنة ألفية منشة المجاورة لنا.

وتابع قائلاً: “منازل المستوطنين لا تبعد عنا سوى مئات الأمتار والفرق بيننا وبينهم في الحياة المعيشية كالفرق بين السماء والأرض، فنحن في سجون جماعية وهم في تجمعات فيها كل مقومات الحياة الأساسية والترفيهية وأطفالنا يخضعون للتفتيش وآخرهم المولود ابن الثلاثة أيام”.

Exit mobile version