عين على الحركة الإسلامية في القدس والمواجهة الدائمة مع المحتل

عين على الحركة الإسلامية في القدس والمواجهة الدائمة مع المحتل

في تخبط واضح لكيفية التعامل مع الهبّة الجماهيرية الفلسطينية التي انطلقت في الضفة المحتلة وأراضي 48 قبل عدة أشهر، أقدمت سلطات الاحتلال الصهيوني على اعتقال الشيخ رائد صلاح “رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل”، لاتهامه بالتحريض على العنف والقتل، في وقت ناقشت فيه حكومة الاحتلال الصهيوني بكامل هيئتها، وبرئاسة رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو اقتراحاً بحظر أنشطة الحركة الإسلامية، بزعم مشاركتها في “التحريض على العنف”.

وتعتبر قيادات الاحتلال، الحركة الإسلامية وزعيمها الشيخ صلاح على وجه الخصوص، الجهة التي تحرّض على العمليات من خلال تأكيدها أن المسجد الأقصى في خطر بسبب مخططات “إسرائيل” والجماعات الدينية اليهودية ضده.

وأمام الحملة الشرسة التي تشنها سلطات الاحتلال الصهيوني على الحركة الإسلامية وقياداتها البارزة، لا بد من إلقاء الضوء على نشأة الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، والجهود التي بذلتها للحفاظ على الهوية الفلسطينية، والتمسك بالثوابت، وتوعية المواطنين بعدم الاندماج في المجتمع الصهيوني.

أراضي 48

ولكن قبل ذلك نقدم تعريفاً بأراضي 48، أو ما يطلق عليها أحياناً الداخل المحتل، وأحياناً الخط الأخضر، فهذه المنطقة من أرض فلسطين هي الأراضي التي احتلها العدو عام 1948، وتشمل كل فلسطين باستثناء الضفة الغربية وقطاع غزة، وتشكّل 77% من أرض فلسطين، وبعد انتصار العصابات الصهيونية على الجيوش العربية، أعلن أول رئيس وزراء صهيوني “بن جوريون”أن هذه الأرض هي دولة الكيان المحتل، وتوالى اعتراف دول العالم بها حتى دخلت في منظمة الأمم المتحدة عام 1949، وبانضمامها للأمم المتحدة، يعني ذلك أن هذه 77%-78% من أرض فلسطين التاريخية هي شرعية وتابعة لليهود، ولا يجوز مقاتلتهم فيها، ولا يجوز الدعوة إلى استرجاعها لأنها أصبحت دولة معترف بها عالمياً ذات حدود دولية.

وبعد تهجير الفلسطينيين من الدولة الإسرائيلية المزعومة وتشتيتهم في البلدان الخارجية نتيجة عمليات الإبادة الوحشية بحقهم، وتدمير القرى الفلسطينية التي ناهزت عن 250 قرية، بقى في تلك الأرض بعض العوائل الفلسطينية، وعاشت في ظل الدولة الإسرائيلية الوليدة التي أقيمت على أنقاض القرى المدمرة، وأشلاء الأطفال لكنها لم تندمج مع المجتمع الصهيوني رغم وسائل الترغيب والترهيب الكثيرة.

عوامل الصعود

ومن الدلائل التي تؤكد على عدم انغماس فلسطينيي 48 مع الصهاينة تشكل الحركة الإسلامية أوائل السبعينيات، وانتشار شعبيتها بشكل لافت في مختلف القرى الفلسطينية المحتلة، وساعد على ذلك هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967 وفقدان الثقة بالأنظمة العربية، إلى جانب استئناف الاتصال المباشر بالفلسطينيين وعلماء الدين في الضفة الغربية وقطاع غزة إثر حرب 1967 بشكل أوجد حوافز منشطة للعودة إلى الدين، وساعد على هذا نشاط الحركات الإسلامية في الضفة والقطاع، مثل حركات: الإخوان المسلمين، وحزب التحرير الإسلامي، والجهاد، وكذلك انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتحقيقها لفكرة إقامة الدولة الإسلامية.

وظهرت النواة الأساسية للحركة الإسلامية في فلسطين 48 بمنطقة المثلث شمال فلسطين عام 1971، وهي منطقة أكثر سكانها من العرب المسلمين، تمتد بين كفر قاسم وأم الفحم على الحدود بين فلسطين والضفة الغربية، ثم توسعت الحركة بعد ذلك وأقامت مراكز في منطقتي الجليل والنقب، وكان الشيخ عبد الله نمر درويش من أوائل المبادرين إلى تأسيس الحركة الإسلامية.

إنقسام الحركة

وبعد توقيع اتفاقية “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وسلطات الإحتلال عام 1993 والاعتراف المتبادل بينهما، وقع خلاف بين قادة الحركة بشأن تأييد الاتفاقية , ففي الوقت الذي رفض فيه الشيخ رائد صلاح الاتفاق بشدة, كان هناك بعض القيادات يميلون إلى الموافقة عليه, لينتهي الخلاف عام 1996 بانقسام الحركة إلى قسمين: الجناح الشمالي بقيادة رائد صلاح، والجناح الجنوبي بقيادة إبراهيم صرصور، ويتبنى الجناح الجنوبي ما يطلق عليه “مشروع المقاومة المدني” ويتجنب التصادم الحاد مع السلطات الإسرائيلية ويرى في المشاركة الانتخابية سبيلاً ممكناً لتحصيل حقوق الأقلية العربية، في حين يتميّز الفرع الشمالي باعتماده أسلوب المواجهة المباشرة مع النظام الإسرائيلي ومخالفة سياساته، وهذا ما جعله يواجه الحملات المنظمة ضده، شملت التضييق عليه وعرقلة نشاطه والحد من حركة قادته، ومن حيث الانتشار والشعبية فإن القسم الشمالي من الحركة بقيادة رائد صلاح يحظى بالنصيب الأكبر من القاعدة الشعبية حتى أصبح اسم الحركة الإسلامية يقتصر في كثير من الأحيان على القسم الشمالي.

أيديولوجية الحركة الإسلامية

تبنّت الحركة الإسلامية منذ نشأتها فكرًا منبثقًا من فكر الإخوان المسلمين؛ فاهتمت بإنشاء البنية التحتية المتمثلة في المعاهد الدينية والمؤسسات والنوادي والعيادات الطبية ورياض الأطفال، وأصبحت هذه المنشآت والمراكز منابر للدعوة إلى الدين وغرس تعاليمه في نفوس الشبيبة العربية منذ نعومة أظفارهم، فنشأ جيل من الشباب الملتزم اتجاه الحركة الإسلامية الذي يرى أن حل القضية الفلسطينية يرتبط بمبدأ الحركة “الإسلام هو الحل”.

النشاطات والخدمات

يعد مهرجان “الأقصى في خطر” السنوي من أبرز فعاليات ونشاطات الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، ويحضره جموع غفيرة من المواطنين، وتتخلله الأناشيد الوطنية، والمسرحيات الهادفة والكلمات القوية، وأبدع في ذلك الشيخ رائد صلاح، ومن النشاطات كذلك، دعوة الحركة الإسلامية إلى المظاهرات في الشارع الفلسطيني داخل الكيان المحتل للتضامن مع فلسطينيي الضفة والقطاع؛ الأمر الذي سبب مشاكل أمنية وأحرج الكيان المحتل أمام الرأي العام العالمي، بالإضافة إلى دعم أسر الشهداء والجرحى وكفالة أبناء الشهداء، الذين نفّذوا عمليات استشهادية داخل “إسرائيل”، وكان قمة نشاط الحركة من خلال مؤسستها “لجنة الإغاثة الإنسانية” في مخيم جنين؛ حيث كانت أكبر جهة إغاثة، قامت بمساعدة وإغاثة مخيم جنين، وأعلنت الحركة أنها على استعداد لإعادة إعماره بالكامل، إلى جانب “مسيرة البيارق” وما حققته من ربط وتواصل بين الأقصى وفلسطينيي 48، وقد وصل عدد الحافلات التي نقلت الفلسطينيين من جميع مدن والقرى الداخل المحتل، خلال سبتمبر الماضي 457 حافلة تحمل المسلمين الذين أدوا الصلاة داخل المسجد الأقصى، إضافة إلى مصاطب العلم التي تم إحياؤها لمواصلة الدروس الدينية.

تعامل السلطات الصهيونية مع الحركة الإسلامية

في 5 سبتمبر 1999 وقع حادثَا تفجير في مدينتي طبريا وحيفا؛ حيث انفجرت سيارتان مفخختان، قيل إنه كان يقودهما أشخاص من سكان الجليل الأعلى، اتهمتهم الشرطة الصهيونية بالانتماء للجناح الشمالي من الحركة الإسلامية (بزعامة الشيخ رائد صلاح)، ومنذ ذلك الحين بدأت موجة من الخطوات ضد الجناح الشمالي من قبل أجهزة الأمن الصهيونية، ومنها: منع خطب الجمعة في المساجد لرجال حماس أو مقربيهم داخل الكيان المحتل، ومنع دخول زعيم الجناح الشمالي الشيخ رائد صلاح ونائبه الشيخ كمال الخطيب إلى قطاع غزة أو الضفة الغربية، إضافة إلى فحص المصادر المالية التي تمول الحركة، وإغلاق صحيفة “صوت الحق والحرية” الناطقة بلسان الجناح الشمالي، وإغلاق المؤسسات التربوية التعليمية التابعة للجناح الشمالي والتي لا تحمل ترخيصًا.

وبشكل عام أصبح الفرع الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح يواجه مشاكل ومعوقات كبيرة وكثيرة مع السلطات الإسرائيلية بسبب نشاط مؤسسات حركته، والتي يزيد عددها على 22 مؤسسة خدمية في جميع المجالات.

جدير بالذكر أن العلاقة بين فرعي الحركة الجنوبي والشمالي لم تنقطع، وجرى الحديث مراراً عن العمل على إعادة توحيد الحركة، لكن الصورة الأوضح حتى الآن، أن المواجهة مع الكيان المحتل تحظى بالاهتمام الأكبر.

Exit mobile version