“الموندو”: نظام بوتين قد يسقط بشكل دموي

لطالما اصطدم المعارض الروسي مراراً وتكراراً مع نفس النظام السياسي في البلاد؛ من اعتداءات، واعتقالات، والكاميرات الخفية للابتزاز، وكذلك استجواب الشرطة له بسبب استخدام مكبر صوت “بدون تصريح” في المظاهرات.

بعد اندلاع أول مظاهرات بسبب استياء الروس من الوضع في البلاد في عامي 2011 و2012م، تم التضييق أكثر على المعارضة الروسية؛ حيث يحاكم العديد من قادتها أمام العدالة، كما أن فرص فوزهم بمقاعد في البرلمان في انتخابات سبتمبر المقبل أصبحت ضئيلة جداً.

وفي الوقت الراهن، يمكن أن يهدد الوضع الاقتصادي الصعب، بسبب انخفاض أسعار النفط والركود جراء العقوبات الدولية “العقد الاجتماعي السري” بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمواطنين، الذي يحمل عنوان “الاستقرار مقابل الحرية”.

في الفترة الأخيرة، دعا المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قائد المعارضة الروسية إيليا ياشين إلى زيارة العاصمة الإسبانية كي يشرح للصحفيين والنواب الاستبداد والانجراف السلطوي في بلاده، وقد أكد هذا الأخير أن الخوف من تردي الأوضاع التي تسود الشارع الروسي؛ يخدم فقط الحكومة، وصرح قائلاً: كانت التسعينيات سنوات صعبة للغاية، ولكن بعد أن وفر الرئيس الروسي نوعاً من الرعاية الاجتماعية والرفاهية؛ استغل هذا الأخير تحسين مستويات المعيشة للحد من حريات المواطنين.

وحسب رأيه، سمح الروس إلى هذا الوقت للسياسيين بإدارة الحكومة، ويقول ياشين في هذا الإطار: إن كل هذه الأمور كانت ممكنه خلال فترة ارتفاع أسعار البترول، لكن الآن أمام الأزمة الحادة التي يشهدها قطاع النفط وانخفاض مستوى المعيشة، يحاول بوتين تعويض هذا النقص ويبحث عن تعديل الموازين في دولته من خلال تعبئة وطنيّة شاملة.

ويعتقد ياشين أن هذه العاصفة الاقتصادية مكنت بوتين من تغيير مسار البلاد واهتمام المواطنين نحو القيم المشتركة مثل العَلم أو الجيش، وأضاف: هذا هو السبب الذي جعل الرئيس بوتين يضم شبه جزيرة القرم، ويُقْدم على الحرب في شرق أوكرانيا ويتدخل في سورية، لكنني لا أعتقد أن “العقد” الجديد الذي أبرمه بوتين مع شعبه سيدوم طويلاً.

وإلى الآن، حققت زيارة ياشين إلى مدريد قليلاً من النجاح، كما أن المعارضة خارج البرلمان التي يقودها عديد الأسماء على غرار أليكسي نافالني، وميخائيل كاسيانوف، قد فشلت في تحديد جدول أعمال الكرملين، زيادة عن ذلك فإن محاولة المعارضة أن تشغل مناصب لتمثيل الشعب في منطقة كوستروما، قد انتهت بالفشل، ويشهد حزب “بارناس” الروسي المعارض كذلك هذه الأيام توترات داخلية.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد تجذر الخوف في صفوف عديد المعارضين عقب اغتيال المعارض بوريس نيمتسوف العام الماضي، هذا السياسي الشاب الليبرالي، كان يعرف أنه في خطر، وأن الحكومة التي يواجهها لن تترك له مجالاً للفرار منها، وخلال الفترة التي سبقت اعتقاله، كان الشاب متعباً من الأسئلة التي توجه إليه حول وضعه وهو مدى تشاؤمه من النتائج المستقبلية؛ لذلك كانت له دائماً إجابة جاهزة يرددها: “أنا متفائل على الرغم من عدم وجود أسباب لذلك”.

ما معنى أن تكون معارضاً في روسيا؟

وفي هذا الإطار، يقول ياشين بمرارة: يمكن للمعارضة أن تأتي إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية، يمكننا التصريح بانتقاداتنا، ولكن لا شيء أكثر من ذلك، هذا هو معنى المعارضة في روسيا.

ويضيف قائلاً: تحدث الثورات في روسيا لعدة مرات، وعلى الرغم من أن رموز المعارضة لم يتغيروا، فإن التغيير في هذه المرة لا مفر منه، وبالنسبة لياشين، فإن نظام بوتين مُدان بتهمة عدم القيام بإصلاحات، وعدم البحث عن نموذج اقتصادي يحد من اعتماد البلاد على النفط.

ويضيف في غضب: إن الوضع يزداد سوءاً، كما تشهد روسيا دائماً فساداً في نظامها، لكن الطريقة التي يتم من خلالها سرقة البلاد الآن، لم تعرف من قبل، وهي الأسوأ على الإطلاق، وقد جاءت “وثائق بنما” في الآونة الأخيرة لتبرهن على مظاهر الفساد في روسيا؛ حيث تم الكشف على تكلفة زفاف الأب الروحي لبوتين، عازف التشيلو، سيرجي رولدغين.

وأضاف ياشين قائلاً: ادعى بوتين أن المال لشراء الآلات الموسيقية، لكن الأمر مستحيل لأن التكلفة باهظة للغاية.

خلال زيارته إلى إسبانيا، قدم ياشين تقريراً عن زعيم الشيشان رمضان قديروف، الذي يحكم بقبضة من حديد، وهو الأمر المثير للجدل، ولكنه كذلك يقدم “الدعم الكامل لبوتين”، كما تحدث ياشين عن العلاقة الوثيقة التي تجمع الزعيمين، ويذكر أن حوالي 85% من الميزانية الشيشانية توفرها موسكو؛ ومن هنا يجني قاديروف الملايين لتسديد نفقات زيارة مارادونا أو مايك تايسون.

ويقول ياشين: إن “نائب الملك بوتين” في الشيشان، أصبح خطراً على البلاد بأكملها، ويضيف: أصبح جزء من الجيش الخاص للرئيس قاديروف، رسمياً، جزءاً من قوات الأمن في البلاد، كما أنه من المؤكد أن هذا الأخير يعتبر نفسه نداً لبوتين؛ الأمر الذي يظهر من خلال محادثاته معه، زيادة على ذلك، فهو لم يعد يهدد فقط النقاد، بل تعدى ذلك إلى تهديده لممثلي سلطة الدولة الروسية.

الشيشان، هي تقريباً دولة إسلامية داخل روسيا، لها قوانينها الخاصة، كما أن جيشها وسياستها الخارجية مختلفة عن سياسات الحكومة الروسية، ويعتبر ياشين أن قاديروف قد نجح في استغلال الدين لكسب العديد من الأتباع.

ووفقاً لياشين، عمد الرئيس الروسي إلى حجب مظاهر الانحطاط السياسي عن شعبه، لكن هذه المظاهر أصبحت جلية بالنسبة إلى الروس منذ فترة طويلة، ويفسر ياشين هذا الصمت الذي يسود الشارع الروسي، جزئياً، بالنتائج السلبية التي خلفتها حربا الشيشان خلال التسعينيات، في نفوس الروس، ويضيف هذا الأخير قائلاً: من المؤكد أن بوتين يخشى حرباً جديدة في الشيشان، كما أن مواجهة القوى التي كوَّنها قاديروف سيكون بمثابة مواجهة خطرة للغاية.

ويضيف قائد المعارضة الروسية: إن نظاماً مثل نظام بوتين قد يسقط بشكل دموي، ويجدر في هذه الحالة التذكير بحالة الدكتاتور الروماني نيكولاي تشاوشيسكو، الذي كانت شعبيته أكثر من بوتين، قبل أسبوعين فقط من إطلاق النار في وجهه، كما أنه من الأشياء التي تثير غضب ياشين اليوم هي النفاق الأخلاقي الذي تتبناه النخب.

وفي الختام، يوضح ياشين أن اهتمام الرئيس الروسي في هذه الفترة يتركز حول آثار أسلوبه في المجتمع الروسي، مضيفاً: تتمثل سياسة بوتين في عزل “أوفياء” نظامه عن مجموعة “الخونة”، ولكن دعونا نسمي الأشياء بأسمائها، كل هذه المظاهر تنبئ بحرب أهلية في روسيا.

 

المصدر:

http://www.elmundo.es/internacional/2016/05/12/573469f0468aeb180f8b4680.html

Exit mobile version