أمريكا تدعم انقلاباً ناعماً في البرازيل.. والإعلام والقضاء أنيابها

في عام 2003م، كانت البرازيل معروفة بدولة كرة القدم التي تمتع جماهير العالم أجمع، فقد كانت إحدى الدول النامية في أمريكا اللاتينية، حيث يعيش شعبها تحت مستويات الفقر الطبيعية.. مجتمع منقسم بين سادة باللون الأبيض وعبيد وخدم بالبشرات الداكنة، وكان انتخاب الرئيس لولا دا سيلفا ما هو إلا حدث عادي ضمن أحداث كثيرة غير مهمة كون البلد ليس على خريطة القوى العالمية خاصة الولايات المتحدة.

تأميم وتحول

جاء دا سيلفا من بين الطبقات الكادحة ليعلن عن توجه اشتراكي اقتصادي، وترسيخ أسس ديمقراطية تسمح للدولة الضائعة أن تجد لها موطئ قدم، وبالفعل خلال فترة قصيرة استطاع الرجل زعيم حزب العمال أن يقود نهضة أعجزت الكثيرين عن فهمها، حيث تمت في فترة قصيرة وأعطت أولوية للكادحين ونقلتهم إلى ظروف أفضل من حيث المعيشة والجوانب الاجتماعية.

 وفي عام 2007م، دعمت الظروف الطبيعية خطط وتوجهات الرجل، حيث تم اكتشاف أكبر حقل نفط في أمريكا اللاتينية ليصل الإنتاج إلى 50 مليون برميل، من خلاله دعمت خطط حزب العمال في الصحة والتعليم وغيرها.

حمل دا سيلفا أولاً ومن بعده تلميذته ديلما دا روسيلف – رئيسة الدولة الحالية التي أقيلت مؤخراً لاتهامات بقضايا فساد – مبادئ اليسار الاقتصادي الذي يعطي الدولة والكادحين الأولوية ضد اليمين الذي يقود الصراع تجاه السوق المفتوحة.

وقد نجح اليسار في أن يصبح الناتج المحلي السنوي قرابة 2.5 تريليون دولار، وتنخفض البطالة إلى 6.2%، ويشعر الشعب بالرفاهية، لذا كان للرئيسة الحالية وأستاذها مكانة كبيرة لدى الشعب البرازيلي الذي بلغت تعداده 250 مليون نسمة.

ومن الأفكار التي تبناها اليسار أن يتم تأميم شركة النفط الوحيدة التي تم تأسيسها عام 1945م لتصبح هي التي تحتكر هذا المنتج، وليتم إدخال الأرباح كاملة لخزينة الدولة، ورفض دا سيلفا ومن بعده روسيلف الضغوط الأمريكية من أجل أن تدخل الشركات الأمريكية وتحصل على نصيبها.

ولم تفلح تلك الضغوط خاصة في ظل ارتفاع النفط وقدرة الحكومة على توزيع الإيرادات والفوائض على برامج رفاهية الشعب، لكن مع انخفاض أسعار النفط مؤخراً على ما يبدو لم تستطع حكومة اليسار وزعماؤها تلبية احتياجات وطموحات الشعب.. فانقلب السحر على الساحر.

غسيل السيارة

هذا المصطلح أطلق على الحملة التي يقودها القضاء والإعلام ضد قيادات اليسار في أضخم تحالف بين القوتين اللتين هما أقرب لليمين في البرازيل، والمقصود بها عملية تتبع ومحاكمة بعض القيادات، ومنها دا سليفا نفسه عن اتهامات بالفساد.

وقد ظهر شخص يُدعى ألبرتو يوسف، في قنوات إعلامية محلية، متهماً مسؤولين كباراً بتلقي رشى وغسيل أموال، خاصة أن هذا الرجل نفسه متهم بغسيل الأموال، ولكن هذه التهم دفعت القضاء بالتحري، حيث وجد ضالته في مارس 2016م عندما وجه القاضي المعروف باسم سرجيو مورو بالقبض على الرئيس السابق سيلفيا دا روسي والتحقيق معه لخمس ساعات قبل إطلاق سراحه.

إلا أن دا سيلفا قرر أن يصعد، فربما شعر الرجل بحجم الألم الذي انسكب عليه بعد التحقيق معه، فخرج إلى أنصاره مرتدياً الرداء الأحمر وهو اللون الذي ينتسب لحزب العمال، ويعلن وهو بين أنصاره أنه يستحق احتراماً أكثر من ذلك، وأنه قرر أن يترشح مرة أخرى لانتخابات عام 2018م ليختار الشعب مرة أخرى من يقف في وجه المؤامرة التي تقودها قوى الغرب متمترسة بقوى داخلية على حسب قوله.

وعلى ما يبدو أنها معركة حقيقية سيقودها الرجل وحزبه، لكنها تحتاج إلى نفس طويل.. معركة لم يكن الرجل يتخيل أنها ستحدث بهذا الشكل، فهو الذي اختار أن يستقل القضاء، حيث ألغى صلاحية رئيس الوزراء في اختيار النائب العام، كما أنه ترك شركة “جلوبل” التي تمتلك 60% من الإعلام البرازيلي والمحسوبة على اليمين المقرب من الولايات المتحدة والتي تشن الآن حملة شعواء غيرت قناعات وزيفت الحقائق، لكن الرجل هو من تركها تعمل بحرية تامة تحت عنوان حرية الإعلام.

Exit mobile version