“مبادرون” في غزة.. أمل الرياديين في تحقيق أهدافهم

لم تعجز العقول الفلسطينية عن الإبداع والتميز في الأفكار والمشاريع الريادية، لكن الذي أعجزها هو عدم تمكنها من تنفيذ أفكارها العالقة في الذهن على أرض الواقع بسبب ارتفاع تكلفتها المادية، وذلك في ظل الوضع الإقتصادي السيئ الذي يمر به قطاع غزة، إلى جانب الحصار الصهيوني المشدد منذ ما يزيد عن عشرة أعوام والذي يحول دون تحقيق أهداف الرياديين في غزة وطموحاتهم.

دعم المبادرين

وهنا جاء دور مشروع  “مبادرون” ليرسم طريق النجاح لأصحاب الأفكار الإبداعية، ويفتّت العقبات التي تعترضهم في سيرهم نحو تطلعاتهم وأهدافهم، وذلك بمساهمته في نقل تلك المبادرات الشبابية والأفكار من عقول أصحابها، إلى واقع عملي ومشاريع إنتاجية يمكن تسويقها محلياً أو إقليمياً، وتكون قادرة على التوسع والعمل في بيئة اقتصادية تأخذ دورها في عملية التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال التدريب الإداري والتقني المتخصص، والإحتضان والتمويل، والتوجيه والإرشاد.

ويستهدف المشروع الذي تنفذه عمادة خدمة المجتمع والتعليم المستمر في الجامعة الإسلامية بغزة المبادرين والخريجين من ذوي الأفكار الريادية الطموحة في المجالات المختلفة، والتي من الممكن أن تتحول إلى مشاريع تجارية ناجحة مدرّة للدخل.

ويوضح المهندس يوسف الحلاق مسؤول تطوير الأعمال في مشروع “مبادرون” أن الفئة المستهدفة هم أصحاب الأفكار الإبداعية من كلا الجنسين، ومختلف التخصصات ومن جميع الجامعات والكليات في قطاع غزة.

وأوضح الحلاق في حديثه لـ”المجتمع” أن اختيار المتقدمين يتم بناء على معايير معينة، منها أن لا يقل عمر المتقدم عن 19 سنة، وأن تكون فكرة المشروع قابلة للتمويل، إضافة إلى أن تكون ريادية وقابلة للتطبيق، لافتا إلى أن الفكرة تشمل التخصصات كافة، ولا يشترط أن تكون ضمن تخصص الدراسة.

ويحظى مشروع مبادرون باهتمام واسع من قبل الشباب وأصحاب الأفكار الريادية ويظهر ذلك من خلال حجم الطلبات الكبير للانضمام للمشروع، وهو ما يؤكده المهندس نادر عبد النبي مسؤول تطوير الأعمال في المشروع حيث يقول “حينما أعلنا عن المشروع كنا نظن أن لا تزيد الأفكار المقدمة  عن 300 فكرة، لكن العدد كان أكثر من الضعف بحيث يزيد عن 770 فكرة مشروع“.

مراحل اختيار الافكار

وحول آلية اختيار الأفكار للإستفاده مما يقدمه مشروع “مبادرون” يبين عبد النبي أنه يتم استقبال الطلبات إلكترونيًّا، ثم تفرز الأفكار لاختيار أفضل 100 فكرة في مرحلة التقييم الأولي، وتتبعها مرحلة “المعسكر التدريبي”، والتي تتضمن التدريب وورش عمل متخصصة، وبعد ذلك يتم اختيار 30 رياديًّا، ويتبعها مرحلة ما قبل الاحتضان ليتم تتويج المشاريع الفائزة.

والجدير ذكره أن مشروع مبادرون بدأ بنسخته الأولى التي احتضن فيها 30 فكرة ريادية، وبعد النجاح الذي تحقق في الموسم الأول من المشروع، انطلقت نسخته الثانية باحتضان 20 رياديا، لتنتهي أيضا بنجاح كبير، وتبدأ عملية استقبال الطلبات للبدء بالنسخة الثالثة من المشروع، الأمر الذي يشير إلى تميز المشروع وقدرته على تحقيق أهداف الشباب وتسهيل ما يعترضهم من عقبات.

مشاريع نوعية

وفي اطلاع “المجتمع” على طبيعة الأفكار التي يحتضنها مشروع “مبادرون”، فإنها تتنوع ما بين مشاريع تتعلق بالتكنولوجيا والتعليم وعملية الدمج بالتكنولوجيا، والمجالات الإعلامية، ومشاريع الطاقة وتوليدها بطرق مختلفة، والزراعة و”الطب البديل”، والمشغولات اليدوية، وغيرها من المشاريع الريادية.

وثبت نجاح مشروع “مبادرون” ونجاعه من خلال ما أفرزه من مشاريع تحولت إلى واقع ملموس بدأ أصحابها ينافسون محليا وإقليميا، ويحققون الجوائز القيمة.

ومن أبرز المشاريع التي احتضنها “مبادرون” مشروع “جرين كيك” المتمثل في إنتاج نوع جديد من حجر البناء صديق للبيئة، مكون من رماد الفحم كبديل للإسمنت، وقد أثبت الحجر كفاءته بناء على الفحوصات المعتمدة لهذا النوع من الحجارة، وهو ما ساعده على التأهل للدور قبل النهائي في مسابقة منتدى “إم آي تي” لريادة الأعمال في الوطن العربي بنسخته التاسعة،  ومن المشاريع التي تحولت إلى شركة على أرض الواقع شركة أرسلان “للتصميم والمونتاج”، واستطاع مديرها محمد قديح أن يدخل أسواق التصميم والبرمجة بالعالم العربي والأوروبي، وينافس الشركات البارزة من خلال توفير خدمة متكاملة من تصميم وبرمجة، وتطبيقات الهواتف الذكية للشركات وبأسعار منافسة.

ويحتضن “مبادرون” أيضا مشروع النظارة الذكية للمكفوفين وهو من بنات أفكار المهندستين جهاد أبو شقرة وإيمان الشياح  اللتين أوضحتا أن النظارة الذكية تهدف إلى مساعدة فئة المكفوفين في المجتمع وتقديم منتج وتطبيقات للتيسير من حياتهم اليومية.

وتقوم فكرة النظارة على تحديد الطريق للكفيف وتحذيره من العوائق التي تصادفه، من خلال مجس مثبت في منتصف النظارة , بالإضافة الى أطراف الكفيف، ومن ثم تنبيه الكفيف بأوامر صوتية تزداد درجة الصوت فيها كلّما اقترب من العائق أكثر.

قهوة من نوى البلح

وفي النسخة الثالثة من “مبادرون” يعد مشروع إنتاج القهوة من نوى البلح الأكثر إبداعا من بين المشاريع المحتضنة، وهو ما جعله يأخذ حيزا كبيرا من الإهتمام والمتابعة.

وحول طريقة إنتاج القهوة من نوى البلح يبين صاحب الفكرة فادي الطويل أن العملية تتم على عدة مراحل تبدأ بمرحلة تجميع النوى، تليها عملية معالجة النوى بالتنظيف والتعقيم، انتقالاً إلى مرحلة التجفيف، ثم التحميص، الذي يتم تحت درجات حرارة معينة مشابهة لعمليات تحميص القهوة، ولكنها تختلف في كونها بحاجة إلى كثافة عالية في التحميص، ووقت أطول، إضافة إلى أنها تستلزم آليات أكثر دقة، تتبعها عملية الطحن بماكنة خاصة، وإضافة المحسنات، وبذلك تصبح القهوة جاهزة التعبئة في عبوات مخصصة، ومن ثم تنتقل للسوق لاستهلاك للمجتمع المحلي.

ورغم كل الاجتهادات التي يقوم بها “مبادرون” والإنجازات التي حققها للشباب الفلسطيني في قطاع غزة، لكنه من الصعب تجاوز ألم الحصار ومعاناة إغلاق المعابر؛ حيث أوضح عبد النبي، أن الحصار له تأثير كبير على المشاريع في تطويرها وتوسيعها خاصة أنه يوجد الكثير من المعدات التي تحتاجها بعض المشاريع غير متوفرة في القطاع، إضافة إلى مشكلة انقطاع التيار الكهربائي.

Exit mobile version