صحيفة إيطالية: “مخابئ” مصرية لتعذيب المعارضين

نشرت صحيفة “ليسبريسو” بإيطاليا تحقيقاً صحفياً مرعباً حول “المخابئ” التي يستخدمها رجال الأمن المصري لتعذيب المعارضين وكسر إرادتهم، وكتبت أن جوليو ريجيني على الأرجح مر من داخل واحدة من هذه الغرف، بحسب “الجزيرة نت”.

تقول صحيفة “ليسبريسو” الإيطالية: إن الأمن المصري يلجأ إلى تعذيب المعارضين المصريين داخل بنايات محيطة بالقاهرة، وفي فلل موجودة بالضواحي تبدو كأنها مهجورة، وداخل مخابئ تحت الأرض، ويدفنهم أحياء في أحيان كثيرة.

وتشير إلى أن كثيرين مروا من هنا، من هذا الجحيم، حيث عاش الطالب الإيطالي جوليو ريجيني آخر أيامه، وتقول: إنه بعد ذلك الشاب الذي قتل تعذيباً بمصر، سيصل آخرون و”لكن قليلين من هؤلاء سيتمكنون من التحدث عن ذلك للناس”.

وتلفت الصحيفة إلى عبارة للجنرال محمد الفهام، مسؤول سجن العقرب جنوب القاهرة: “أستغرب كيف تستطيعون أن تتحملوا كل هذا الوقت الطويل.. إن هذا السجن بني بطريقة تجعل من يدخل إليه إما أن يموت أو أن يفقد صوابه”.

وتروي عن الباحث المصري هيثم غنيم، الذي عاش التجربة وأمضى سنوات في جمع شهادات من كان قد انتهى بهم الأمر هناك، وتقول: إنه بعد ظهور قضية ريجيني، وجد غنيم بداخله الشجاعة ليروي قصته للعالم، ونشر بمدونته على الإنترنت أنه نشر كل ما كان في جعبته ليتمكن أخيراً من أن يغمض عينيه وينام ليلاً، مشيراً إلى أنه كان في كل مرة يغمض فيها عينيه يسمع صرخات التعذيب.

جثث بالطريق

ووفق نفس الصحيفة، فإنه عام 2015م كان متوسط عدد المختفين قسرياً بمصر ثلاثة يومياً تقتادهم الشرطة دون ترك أي أثر، ولا يوجد أي دليل على أنهم موقوفون بالسجون.. ببساطة اختفوا ولا فائدة من البحث عنهم في مراكز الشرطة المختلفة، لأن الإجابة هي دائماً نفسها “ليس هنا، ابحثوا عنه بمركز شرطة آخر”.

وتشير إلى أنه بعد أيام من الاعتقال غالباً ما يعثر على جثثهم ملقاة على قارعة الطريق، وأن الروايات الرسمية هي دائماً نفسها، وحتى بقصة ريجيني: الموت بسبب حادثة سير، التعدي من قبل مجموعات إجرامية، أو الاشتباك المسلح مع قوات الأمن، وفي النهاية يوكل تحقيق العدالة للجناة.

وتنسب الصحيفة لغنيم قوله: أخذوني من بيتي ليلاً، على مرأى ومسمع من والديّ وشقيقتي.. انتهى بي الأمر بفيلا كنت أعتقد أنها مهجورة، حيث كنت أمرّ من أمامها يومياً، لكنها في الواقع كانت قاعدة سرية لرجال المخابرات من أجل استجواب المعتقلين.

ووفق غنيم، فإن الضابط الذي عذبه ستة أيام متوالية لم ير وجهه مطلقاً، وإن الشيء الوحيد الذي يتذكره هو صوته قبيل بدء الاستجواب: “لا شيء يثبت أنك سجين لدينا، ولن تتمكن عائلتك من إثبات أي شيء، وإن أردنا أن نبقي عليك مختفياً هنا فبإمكاننا فعل ذلك مدى الحياة.. لن يعثر عليك أحد أبداً، ولو رغبنا في قتلك، فسوف نفعل وندفنك كشخص مجهول الهوية في مكان مجهول، ولن يرى أحد مطلقاً قبرك.. ولذا فإن تصرفت جيداً معنا فسوف نعمل على إخراجك من هنا وستتمكن عائلتك من رؤيتك من جديد، وإلا فأنت تعرف جيداً ما سيحدث”.

ويضيف: “عروني من ملابسي، والشيء الوحيد الذي كانوا يغطونه دائماً هو عيني، لقد وضعوني في غرفة باردة جداً”.. وفي اليوم السادس تقدم الضابط ليعتذر بالقول: “لقد فعلنا ما فعلنا معك من أجل بلدنا، من أجل مصر، سنقوم الآن بتحريرك لكن إن ذهبت إلى الساحات للاحتجاج أو إن كشفت عن أي شيء فأنت تعرف ماذا سيحصل لك”.

حبيس صدفة

سأل غنيم ذلك الضابط عن رفيق له بالزنزانة، شخص كبير السن كان يعمل في مغسلة وكان قد انتهى به الأمر في السجن لمجرد أنه وجد نفسه فجأة وسط مداهمات الشرطة.. وردّ عليه الضابط “صحيح إنه لا يزال لدينا.. نسيته تماماً.. ذهب بالكامل من ذهني”.

ويفيد التحقيق أنه في اليوم الذي اختفى فيه ريجيني يوم 25 يناير 2016م، عثر على جثة شاب آخر، وهو محمد حمدان محمد علي، الذي كانت قد اقتادته القوات الأمنية قبل 15 يوماً إلى مكان مجهول، وكانت عائلته تقدمت على الفور ببلاغ للشرطة يفيد باختفائه.. وبعد مرور أسبوعين كانت جثته بالمشرحة مخرّقة بالعيارات النارية، وكانت مليئة أيضاً بعلامات تدلّ على حروق بأعقاب السجائر، وبعض الجروح.. وبالنسبة للداخلية فقد “قتل الشاب في اشتباك مسلح”.

السيناريو نفسه أيضاً بالنسبة لأحمد إسماعيل – الذي أوقف بتاريخ 20 يناير وعاد جثة هامدة بتاريخ 31 من نفس الشهر بعيار ناري بالرأس – لم يكفِ لتغطية آثار التعذيب الواضحة على جسده.

وفي الثالث من مارس 2014م، اقتيد محمد وجيه من مقر شركته، بعد أن كانت الشرطة تبحث عن شقيقه الذي كان في ذلك اليوم غائباً، وبما أن هؤلاء لم يرغبوا في العودة فارغي الأيدي فقد اعتقلوا وجيه.. ولم تتمكن عائلته من رؤيته إلا بعد مرور تسعة أيام.. “كانت حالته الصحية تدهورت جداً لدرجة لم يكن يستطع مدّ يده لمصافحتي.. لم يكن قادراً على المشي ولا على الجلوس، وكان مصاباً بعدة كسور في الأضلاع.. كدمات في جميع أنحاء جسمه.. لقد ربطوه لمدة خمسة أيام على التوالي”، وذلك وفق الباحث الذي يشير إلى أن كثيرين من هؤلاء المعتقلين ينتهي بهم الأمر في مستشفيات الأمراض النفسية.

وفي حادثة “مطابقة” تماماً لمقتل ريجيني، يشير التحقيق إلى مقتل محمد الجندي (28 عاماً) وهو ناشط سياسي، كان قد اختفى من ميدان التحرير يوم 25 يناير 2013م، قبل ثلاث سنوات بالضبط من حادثة ريجيني، وكان العديد من الشهود قد رأوا العسكر وهم يلقون القبض عليه، فقد ألقي الشاب على قارعة الطريق، وكان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبالنسبة للسلطات فإن الأمر تعلق بحادث سير، رغم أن جسده كان مليئاً بندوب التعذيب.

ووفق الصحيفة الإيطالية، فإنه في روايات التعذيب الواردة بالتحقيق توجد جميع التفاصيل التي أكدت عليها عملية تشريح أجريت على جثة الشاب الإيطالي، حيث تربط أيدي المعتقلين ويشبحون على الحائط، تماماً مثل الحيوانات التي تعلق بعد ذبحها لتسلخ وتقطع، كما يتعرض هؤلاء لصعق كهربي وبعدة أشكال، أحياناً أيضاً في المناطق الحساسة، وأخرى على الرأس، أو باستخدام أوعية مليئة بالمياه مكهربة، وكذلك الفراش الموضوع على شبكات مكهربة، كما يتعرض المعتقلون لنزع أظفار أيديهم وأرجلهم.

الضرب بالهراوات بالنسبة لهؤلاء لا يعتبر سوء معاملة، وهو اللغة الوحيدة التي يتواصل السجانون من خلالها مع السجناء.

ويذكر التحقيق أن عناصر الأجهزة الأمنية لا تقصر نشاطها على العنف الجسدي، بل إنهم يلجؤون أيضاً للإهانة والإذلال، حيث يجرد السجناء من ملابسهم ويُجبرون على البقاء مع الآخرين في ظل هذه الظروف.

كما لا تغيب أيضاً حالات الاعتداء الجنسي؛ “عندما تدخل إلى هنا، لا شيء لديك يمكن اعتباره غير قابل للانتهاك أو محرّماً.. أنت من ملكنا الآن ونستطيع أن نفعل معك ما نريد”.. هذا ما قاله صبي صغير كان قد اضطر للبقاء في هذا الجحيم ستة أيام قبيل أن يقدم أمام المدعي العام الذي وجه له تهماً باقتراف شيء لم يفعله على الإطلاق.

لكن في النهاية من الأفضل أن تتهم وتُدان ظلماً، بدلاً من قضاء حياتك في حفرة منسياً من العالم، وفق الصحيفة.

Exit mobile version