تونس: مدير حملة الرئيس السبسي الانتخابية في “وثاق بنما”

لم يمر وقت طويل على فضيحة إقامة علاقة غير شرعية مع خطيبة أحد قيادات حزبه المقيم في فرنسا، حسب إفادات الأخير، وظهور بوادر انشقاق داخل الحزب الذي يتزعمه بعد خروجه من حزب نداء تونس، وذلك في أقل من شهر عن الإعلان الرسمي للحزب في 20 مارس الماضي، ثم نحو أسبوعين من تبنيه لحملة حظر النقاب، حتى نزل نبأ ورود اسمه في “وثائق بنما” على أنصاره كالصاعقة، إنه مدير حملة الرئيس الباجي قايد السبسي، القيادي السابق في حزب نداء تونس، ورئيس حزب مشروع تونس، محسن مرزوق، الذي ورد اسمه ضمن 140 شخصية من أكثر من 50 بلداً حول العالم هربوا أو حاولوا تهريب أموال إلى ملاذات ضريبية جزر العذراء في بريطانيا، أو دول في المحيط الهادئ في الأربعين سنة الأخيرة.

اختفاء ثم ظهور

ظل محسن مرزوق مختفياً، وأكد كثيرون حاولوا الاتصال به أن هاتفه كان مغلقاً يوم الإعلان عن اسمه ضمن “وثائق بنما”، التي سربت ونشرها موقع “إنكفادا”، الذي شارك ضمن 109 وسائل إعلامية من 78 بلداً حول العالم في التحقيق فيما يعرف بـ”وثائق بنما” التي بلغت 11.5 مليون وثيقة، تتعلق بـ210 آلاف شركة تتخفى في 21 بلداً ومدينة حول العالم.

وتعود علاقة محسن مرزوق بمكتب المحاماة “موساك فونسيكا” ببنما إلى شهر ديسمبر 2014م، أي بعيد الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر نوفمبر من نفس العام، حيث طلب محسن مرزوق وفق الوثائق المسربة معلومات عن كيفية تكوين شركة استثمار مالية غير موطنة “أوفشور”، لتحويل أموال وتهريبها إلى الخارج دون تتبعات ضريبية، وجاء رد مكتب المحاماة على محسن مرزوق في أبريل 2015م.

ويعزي البعض الأموال التي بحوزة محسن مرزوق كما يقولون، إلى تمويلات كبيرة من دولة الإمارات، التي يقال: إنها أغدقت الملايين على خصوم أول حكومة منبثقة عن برلمان منتخب انتخابات حرة وشفافة في تاريخ تونس، بما في ذلك عتاة الشيوعيين.

وكانت أخبار السيارات الإماراتية المصفحة حيناً والفارهة حيناً آخر للمعارضة ولا سيما الباجي قايد السبسي، والناطق الرسمي باسم الجبهة اليسارية، حمة الهمامي، تزكم الحياة السياسية، علاوة على ما عرف باعتصام الأرز بالفاكهة، بتمويل إماراتي، كما يقال، والذي سبق الانتخابات، قد شغل الرأي العام ووسائل الإعلام في تونس زمناً طويلاً، وقد أكد البعض مؤخراً عبر وسائل الاتصال الحديثة أن تلك الأموال وراء خلافات وانقسامات وتشتت شمل قيادات نداء تونس، وتبدد رصيدهم الانتخابي.

وقد حاول محسن مرزوق إنكار ما نسب إليه، واعتبره مكيدة سياسية، وأنه لا يكتب إيميلات في الليل، وهو ما أصبح مثاراً للتندر والتهكم عليه في تونس، بينما أعرب أحد الصحفيين المشاركين في التحقيقات الإعلامية عن استعداده لمواجهة محسن مرزوق في مناظرة، وأنه يمتلك مجموعة الرسائل التي تخص محسن مرزوق ودليل اتصاله بمكتب المحامين المذكور في بنما، ولم يشفع لمرزوق محاولة البعض قرصنة موقع “إنكفادا” من قبل مليشيات يقال: إنها تابعة له، ودس اسم الرئيس السابق منصف المرزوقي في “وثائق بنما”.

ردود الأفعال في تونس

الرئيس المرزوقي اتهم ما وصفها بغرفة العمليات، بأنها تريد تحويل الأنظار والزج به في قضية” بنما بايبرز”، ووصف تلك العملية بالكذبة المفضوحة، وطالب بالبدء الفوري للتحقيق في الأسماء الحقيقية.

وكتب مدير حملة المرزوقي، عدنان منصر، على موقعه على “الفيسبوك”: “محسن مرزوق أراد نزع النقاب فنزعت وثائق بنما النقاب عنه”، وأسبقها بقوله تعالى: (لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ {48})(التوبة).

وكان العضو في مجلس نواب الشعب، سالم الأبيض، وزير التعليم في عهد الترويكة، قد طالب بفتح تحقيق في تورط شخصيات تونسية في فضيحة “وثائق بنما”، وطالب مجلس نواب الشعب بالتحقيق في هذه الفضيحة بعد وقوف الجهات الأخرى مكتوفة الأيدي.

وقال نائب رئيس مجلس نواب الشعب، الشيخ عبدالفتاح مورو، القيادي البارز في حركة النهضة: سيقع إحالة الطلب على مكتب المجلس لدراسته واتخاذ قرار بخصوصه، ودعا حزب حراك تونس الإرادة والجمهوري النيابة العمومية إلى مباشرة التحقيق مع كل من ورد اسمه فيما يعرف بفضيحة “وثائق بنما”.

في حين أمر وزير العدل التونسي عمر منصور الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس بمتابعة الملف، وإجراء التحقيقات اللازمة عند الاقتضاء.

وكان الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في تونس كمال بربوش قد ذكر بأنه لن يتم فتح تحقيق قضائي ما لم ترد معلومات مؤكدة من جهات مسؤولة، ثم استدرك بعد حالة الاستهجان العام، ليؤكد استعداد القضاء للمحاسبة بعد التحقيقات التي سيقوم بها مجلس نواب الشعب، ووزارات المالية، والعدل، وأملاك الدولة.

تغير المشهد السياسي

رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، الذي قال عنه محسن مرزوق: إن القيادات السياسية في البلاد تتسابق لمصافحته، وكان أحدهم، أشار إلى أن “وثائق بنما” ستغير المشهد السياسي في تونس، وتابع: التونسيون ليسوا أقل حرصاً من بقية الشعوب الحرة  على نقاء الحياة السياسية، وستسهم عمليات التحقيق في تطهيرها وفي تشكل المشهد السياسي.

“وثائق بنما”، كوثائق “ويكيليكس”، التي صفها الطاغية القذافي بـ”أوراق كلينكس”، فكنسته وغيره من الطغاة، ويعلق عليها البعض آمالاً في تساقط أوراق الخريف التي جعلت “وثائق بنما” بعضها في مهب الريح، وبعضها في كف عفريت، وبعضها في لو ويا ليت، وفي كل الحالات هناك حقيقة ساطعة يرددها كثير من التونسيين: “لا يحارب الإسلام والإسلاميين سوى فاسد”.

Exit mobile version