يعقوبي: المصارف والعقود الربوية طارئة على المجتمعات الإسلامية

قال المفتي الشرعي والمصرفي البحريني الشيخ نظام يعقوبي حول المصارف الإسلامية: إن المصرفية الإسلامية جزء صغير من الاقتصاد الإسلامي العالمي، مطالبا بأن نعامل كبنوك إسلامية على قدم المساواة فلا نظلم، ونترك الناس يختارون.

وأضاف في حوار خاص لـ”المجتمع”: البحرين تعتبر من البلدان الرائدة، بل هي أكبر بلد في العالم فيها نسبة المصارف الإسلامية إلى التقليدية من حيث الترخيص، موضحا أن البنوك الإسلامية تمتاز أنها تمتلك رقابة إضافية وهي شرعية واجتماعية، وكذلك هي تمتثل بالأسس الأخلاقية فهي لا تتاجر بالخمر والأمور الخليعة والقمار وغيرها.

وإليكم هذا اللقاء:

١- ما هي قصة بداية دخول الصيرفة الإسلامية في مجتمعاتنا؟

المسلمون في حياتهم كلها كانوا يتعاملون بالعقود الشرعية في بيعهم وشرائهم وإيجاراتهم، أما المصرفية التقليدية والعقود الربوية فهي طارئة دخلت بعد دخول المستعمر إلى بلاد المسلمين وغيروا قوانين المحاكم، وتبعًا لذلك غيروا القوانين المالية والمصرفية، بالطبع فإن المصارف بطريقتها الحديثة لم تكن موجودة وإنما أخذت منهم بفكرها الربوي، ولما بدأت المنطقة تزدهر بالنفط والتجارة احتاجوا إلى مصارف، فدعوهم إلى فتح المصارف في ذلك الوقت الذي لم تكن فيه موجودة المصارف الإسلامية، ففتحت هذه المصارف الربوية وانتشرت، ثم بعد ذلك لما استقل المسلمون من القوى الاستعمارية بدأت حركة فكرية للرجوع إلى الأصول الاقتصادية الإسلامية، وخرجت دراسات وبحوث، لكن أكثرها كان نظريًا يتكلم عن الاقتصاد الإسلامي كشكل شامل للحياة كلها، وهذا الأمر تنفيذه في الواقع يحتاج إلى جهود دول وتكاتف عدد من الوزارات، فهناك مجموعة من التجار كانت تنادي أنها لا تستطيع أن تنتظر حتى يتم هذا الأمر كله وهي مسؤولة أمام الله عن تجارتها وبيعها وأموالها أين تضعها، فقالوا نحن نبدأ بشي بسيط ولو جزء من هذا الاقتصاد المنشود، فالمصرفية الإسلامية هي جزء صغير من الاقتصاد الإسلامي العالمي، ليست هي كل الاقتصاد المطلوب، فالاقتصاد الإسلامي ككل لابد أن يكون هناك نظرة شاملة للوقف والمصاريف والإيرادات والزكاة غيرها، فالبنك الإسلامي والصيرفة جزء فقط، وأول ما بدأ في منطقتنا بنك دبي الإسلامي سنة 1975م، وبعدها تتالت البنوك الإسلامية.

٢- كما نعلم أن الناس في طبيعتها تتوجس من التغيير، وبعد سنين من تعامل الشعوب العربية مع النظام الربوي، كيف كان تقبّل الناس لفكرة ونظام الصيرفة الإسلامية؟

هي كانت رغبة من الناس والشعوب، فهي كانت راغبة في أنها تتعامل بالعقود الشرعية عندما بدأ التجار ورجال المصارف الصالحون يؤسسون هذه البنوك، في الحقيقة فإن الذي ذكرته صحيح وهو أنه أمر مستغرب، فلذلك كانت البنوك المركزية في ذاك الوقت مستنكرة ذلك، مثلًا في البحرين كانت هناك مؤسسة نقد البحرين لما تقدم التجار بطلب استنكرت ذلك ولم يعطوهم رخصة بحجة كيف سيتم العمل بلا فائدة وربا، فذهبوا وقابلوا حاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة –رحمه الله- فخاطب المرحوم المؤسسة يسأل عن سبب منع التجار؟ فردت المؤسسة أنها لا تعرف هذه الطريقة والبنوك التي تعرف تتعامل بالربا، فقال ماذا تريدون حتى تسمحوا لهم؟ فقالوا مرسوم أميري، فقال الأمر سهل إذن وأعطاهم ذلك المرسوم وقال إن كان خيرًا فهو خيرٌ للبلاد، وإن لم يكن فهو استثمارهم وأموالهم .

٣- هل هناك معايير واضحة للصيرفة الإسلامية؟ وهل هناك هيئات أو مؤسسات تعتني بذلك؟

نعم هناك هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وهي تضع المعايير وهي هيئة دولية يشرفنا أن مقرها في البحرين، ولها مجلس شرعي ومحاسبي، فالأول يضع المعايير الشرعية، والآخر يضع المعايير المالية والحسابية.

٤- ما هو وضع الصيرفة الإسلامية في العالم اليوم؟ هل هي في مرحلة نمو ولها قبول ومكانة أكبر عند الناس؟

هي الآن كتب الله لها القبول، وبدأت الجامعات العالمية بالاهتمام بهذا الموضوع حتى في جامعة هارفارد وغيرها، وكذلك اهتمام من قبل الصين واليابان وأوروبا، فهم وجدوا أن الجيل الجديد من المسلمين متجه نحو هذا، والآن كل الناس يتكلمون عن الإبداع والتجديد، فأين التجديد والإبداع في القضايا المالية؟ الآن منذ أن نشأت البنوك الغربية من 500 سنة وعندهم فقط عقد واحد وهو عقد القرض بربا! فنحن نخبرهم أنه لماذا تقيدون الناس بعقد واحد فقط؟ افسحوا المجال للتجارة والصناعة والزراعة والإجارة، فالعقود الإسلامية ليس لها حدود، فبإمكانك إنشاء أي عدد تريد من العقود إذا كانت مباحة ومن العقود الشرعية، بينما هم ليس لديهم إلا عقد واحد، وبعدما رأوا العالم في 2008 الكساد الذي حصل في أمريكا ودول العالم بسبب أزمة الإنسان وبيع شراء الديون، فالعالم اليوم كله متجه لهذا ويرون فيه الخلاص، فالمسؤولية اليوم على المسلمين كبيرة في إيجاد هذا.

٥- هل تعتبر البحرين من البلدان الرائدة في مجال الصيرفة الإسلامية؟

لا شك أن البحرين تعتبر من البلدان الرائدة، بل هي أكبر بلد في العالم فيها نسبة المصارف الإسلامية إلى التقليدية من حيث الترخيص، فعندنا تقريبًا 30 بنك ما بين استثماري وتجاري.

٦- ما هي احتياجات البحرين في الصيرفة الإسلامية؟ وما هي وسائل تطوير هذا القطاع المهم؟

هي البحرين قطعت شوطاً، لكننا اليوم بحاجة إلى قانون مركز ينظم الأمور المالية كالقانون الماليزي، وبحاجة إلى تطوير الجهاز القضائي حتى يتدرب على هذه المصرفية لأنه صار مطلوبًا على المصارف تطبيق المعايير بحيث القاضي يفهم في هذه المسائل، كذلك في لجنة فض المنازعات ووجود خبراء متخصصين، وقد اقترحنا أن تكون جهة الخبرة هي الهيئة العليا الشرعية في البنك المركزي، كذلك التثقيف والتعليم، ونحن في البحرين قطعنا شوطاً جيداً خاصة bibf وجامعة البحرين.

٧- قد يشكك بعض الناس في معاملات البنوك الإسلامية والتي في بعضها شبهة، فيتجه إلى التعامل مع البنوك الربوية بحجّة أن النظامين متشابهين.. ماذا تقول في ذلك؟

لا تنظروا إليه بالنظرة السطحية، فهي غالبًا ليست دقيقة وعميقة، قد تكون هناك تماثل من خلال غايات الناس، فأنت تريد أن تحفظ مالك، تشتري سيارة أو بيت، فهنا تشتري وهنا تشتري، ولكن إذا نظرت إلى العقود المنظمة لهذه العملية فهي التي تختلف، فهنا عقده قرض بربا، والآخر إما بيع أو إجارة، فالمخاطر تختلف، فلا يوجد أي موظف يعمل في المخاطر في البنوك سيقول لك إن مخاطر عقد البيع نفس مخاطر عقد الربا، ثم البنوك الإسلامية تمتاز أنها تمتلك رقابة إضافية وهي شرعية واجتماعية، وكذلك هي تمتثل بالأسس الأخلاقية فهي لا تتاجر بالخمر والأمور الخليعة والقمار وغيرها، بينما البنك الربوي لا يهمه إذا كنت ستدفع فسيموّل لك صفقة خمر وغيرها، فهناك أمور واضحة في هذا الأمر، قد يقول إنسان أنهم مقصرين في خدماتهم وقد يكون هذا، ولكن البنوك الإسلامية تلحق بهذا والكثير منها متطور.

8- أخيرًا.. هل هناك توجه عالمي نحو استبدال النظام الربوي بالنظام الإسلامي؟

توجه عالمي بمعنى أن كل العالم متجهين إلى هذا لا أستطيع أن أقول مثل هذا الكلام ولا ينبغي أن نبالغ في هذا الموضوع، ولتعلم أن جميع المصارف الإسلامية لو اجتمعت ميزانيتها قد لا تعادل ميزانية مصرف واحد من المصارف العالمية الكبيرة، فنحن يجب أن نعرف قدرتنا وحجمنا واستطاعتنا، نحن نقول أن هذه حركة الحمد لله قد جاوزت مرحلة الحمل والولادة والرضاع، ووصلت إلى الفطام، لكن أمامنا وقت طويل حتى نصل إلى شاب وصبي وكهل وشيخ، فلا زال أمامنا قطاعات كبيرة يجب أن نقطعها، فإذا قلنا من 1975 إلى 2015 معدل 40 سنة فهي تعتبر تجربة قصيرة ومتواضعة مقارنة بالتجربة التقليدية التي تجاوزت 400 أو 500 سنة، لكن كل الناس العالميين الذي ذكرتهم ينظرون إلى هذه التجربة نظرة توقير واحترام، بدليل أن أقسام بعض البنوك العالمية فتحت أقسام إسلامية، فالكل بدأ ينظر لهذا الأمر، فإذا كنت تقصد بالعالمية اهتمام العالم بذلك فنعم، أما إن كنت تقصد أن نطرح أنفسنا كبديل كامل لكل الصيرفة فنحن لا نستطيع في هذه المرحلة وليست لدينا القدرة، ولكن يجب علينا أن نتدرج ونبدأ على الأقل في بلادنا، مثل الآن في المملكة كل البنوك في قطاع التجزئة صارت إسلامية وهذا برغبة الشعب، فنحن لا نقول على الدول أن تغلق كل البنوك الربوية فهذا الأمر لا يمكن، إلا إذا البرلمان طالب بذلك مثل السودان، ولكنه في الواقع أيضًا صعب، ونطالب أن نعامل كبنوك إسلامية على قدم المساواة فلا نظلم، ونترك الناس يختارون.

Exit mobile version