ماذا بعد دخول حكومة السراج إلى طرابلس؟

باتت عيون الليبيين أولاً، وكل المعنيين بالملف الليبي ثانياً، متجهة صوب الخطوة المقبلة لما بعد استقرار المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج، في القاعدة البحرية للعاصمة طرابلس: هل يحصل انتقال السلطة من حكومة خليفة الغويل دموياً أو سلمياً؟ هل تتحقق مخاوف كثيرين من أن يكون هذا الانتقال مقدمة لطلب تدخل عسكري ما في ليبيا، بحجة محاربة الإرهاب ومن باتوا يسمّون “خارجين على الشرعية”، في إشارة إلى حكومة الإنقاذ؟

عملياً، انتقل السراج وفريقه بحماية عسكرية من أطراف ليبية وبتنسيق تونسي، بحراً، إلى طرابلس، أي بالقوة، من دون أن يُرغم برلمان طبرق وحكومته على الاعتراف بشرعية السراج الذي يحظى بتأييد إقليمي ودولي واسعين ناجم عن “اتفاق الصخيرات” الذي أصرّ مهندسوه الغربيون والإقليميون على رفض مبادرات ليبية ــ ليبية تُرجمت بلقاءات عديدة في الفترة الماضية، خصوصاً في تونس ومالطا، لرموز من حكومتي المؤتمر الوطني (طرابلس) والبرلمان المطعون في شرعيته (طبرق). جميعها لقاءات واجتماعات رفضها “المجتمع الدولي” تحت عنوان أن المبادرات استنفدت واتفاق الصخيرات المغربي هو السبيل الوحيد لجمع الليبيين لمحاربة “الإرهاب” ووقف موجة اللجوء إلى الغرب، التي تتخذ من ليبيا معبراً لها.

منذ الساعات الأولى لدخول حكومة السراج إلى طرابلس، حضرت ردود فعل الأطراف الليبية الرافضة لهذه الخطوة، في طرابلس، على وقع الترحيب الدولي بها والدعوة إلى حصول انتقال سلمي للسلطة بين فريقي الغويل ــ السراج. لكن هذا الانتقال السلمي ليس مضموناً نظراً إلى ما سبق من تطورات، يوم أمس الأربعاء، لناحية التمسك بما تقول حكومة الغويل، إنه “انعدام” لشرعية مجلس السراج وحكومته.

ولا تزال تفاصيل التطور الكبير غير واضحة، لكن الأكيد أن “المنطقة الخضراء” المؤقتة لحكومة السراج سيكون عنوانها القاعدة البحرية في قلب طرابلس، قرب الميناء التجاري، تحديداً في منطقة “أبو ستة”، بحماية فصائل عسكرية ليبية ممن أعلنت تأييدها ودعمها السراج وحكومته ومجلسه الرئاسي المرفوض من طبرق وطرابلس. لكن معلومات “العربي الجديد” ترجح ألا تطول الإقامة في القاعدة البحرية، وأن يكون مقر الإقامة الحقيقي في منطقة جنزور التي تحتوي على أماكان إقامة وفيلات تستطيع استقبال فريق السراج السياسي والأمني، بحسب ما يقوله الخبير الليبي عز الدين عقيل.

الكاتب والمحلل السياسي صلاح البكوش شدد خلال حديثه مع “الجزيرة” على وجود توافق “كبير” على حكومة السراج من النخب السياسية ومن قوى الثوار في طرابلس وجميع مناطق البلاد، ليس لأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الأطراف الليبية مثاليا وممتازا، وإنما لكونه أحسن الحلول المطروحة على الساحة الليبية.

واعتبر أن عودة حكومة التوافق جاء في توقيت مناسب، واتهم من أسماها أقلية متطرفة بمعارضة المجلس الرئاسي لأنها تريد التمسك بمكاسبها، وقلل في نفس السياق من حدوث مواجهة محتملة بين الليبيين بحجة ما اعتبره التوافق الكبير حول الحكومة.

توقيت خاطئ

غير أن الكاتب والمحلل السياسي فتحي الفاضلي انتقد دخول حكومة السراج إلى طرابلس لغياب التوافق بشأنها، ولأن توقيت دخولها “خطأ” وآلية اختيارها واختيار رئيسها “غلط”، إضافة إلى أن ما عدّه الإصرار الغربي الغريب على هذه الحكومة يثير الشك، خاصة أن أولويات المجتمع الدولي وهي مكافحة الإرهاب والهجرة السرية، تختلف عن أولويات الشعب الليبي.

واتهم الفاضلي المجتمع الدولي بمحاولة إدخال العاصمة طرابلس في نفق آخر من التصادم بدل الدفع بها نحو الحلول السلمية، وقال إن المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر أصر على أسماء معينة في الحكومة وهمّش تيارا وطنيا عريضا من الليبيين.

وقال إنه يختلف مع برلمان طبرق الذي يركز في معارضته لحكومة الوفاق على قضايا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بينما لا تحظى هذه الحكومة بالتوافق وقد تتسبب في تعميق الأزمة الليبية، وكشف عن تحركات قام بها “لواء الصمود” بعد دخول الحكومة، لكنها هدأت بعد تدخل جهات.

وأشار الفاضلي إلى تخوف بعض الجهات -ومنها الثوار- من تعريف حكومة السراج للإرهاب، وهل هو تعريف حفتر وروسيا والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؟

غياب النضج

الباحث في قضايا العالم العربي والإسلامي صلاح القادري رأى من جهته أن المشكلة لا تتعلق بتوقيت دخول حكومة الوفاق، وإنما بما عده غياب النضج والوعي السياسي لدى الطبقة السياسية الليبية، وهو ما يؤكد -بحسب المتحدث- الصراع الموجود بين المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق وحكومة السراج، وأيضا عدم التوصل إلى حل سياسي وبناء مؤسسات دولة تمثل كل الليبيين.

وأشار إلى غياب سياسة واضحة من المجتمع الدولي والدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن في تعاملهما مع الأزمة الليبية.

وعن الحلول، تساءل القادري عن مدى قدرة القوى السياسية والعسكرية الليبية الفاعلة على الاتفاق والحوار، وعن دور دول الجوار في كل ذلك.  

يذكر أن حكومة الوفاق الوطني باشرت مهامها من العاصمة طرابلس، بحسب ما أعلنه رئيسها السراج الذي وصل بحراً نهار الأربعاء، والذي قال إنها ستعمل على بدء مرحلة جديدة بمشاركة جميع الليبيين وكل الأطراف على أرضية الوفاق الوطني.

Exit mobile version