لتجنب التدخل العسكري الغربي.. مراهنة على حكومة التوافق في ليبيا

تنتظر تونس، وأغلب دول الجوار، مباشرة حكومة التوافق الليبية لأعمالها في طرابلس، نظراً لما يمثله ذلك من استقرار داخل ليبيا، له عميق الأثر على مجمل الأوضاع في المنطقة، ولا سيما تونس والجزائر، المستهدفتين من ذيول إقليمية، وقوى دولية بقيادة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.

حيث انعكست الأوضاع السياسية والعسكرية سلبياً على الوضعين الأمني والاقتصادي في تونس، وهدد وحدتها الترابية، وسلامة مواطنيها، وزوارها الأجانب بشكل جدي وخطير، كان آخرها أحداث بنقردان (جنوب تونس) التي سبقتها عمليتان خطيرتان في متحف باردو بالعاصمة، ومنتجع إمبرييل بسوسة الساحلية.

وهذا ما جعل وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، يؤكد في اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا على أن بلاده تضع خبراتها وإمكاناتها على ذمة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، وفق ما يحدده من احتياجات، وذلك حتى يتمكن من إرساء مؤسساته، ومحاربة الإرهاب، واستعادة مكانة ليبيا.

دور تونس

الاستعداد التونسي لتقديم جميع أشكال الدعم والمساندة للحكومة الليبية التوافقية برئاسة فائز السراج، وعلى كافة المستويات، سواء كانت الثنائية، أو في إطار مجموعة دول الجوار، وعلى الصعيد الدولي، هي الرسالة التي ما فتئت تونس تجدد التأكيد عليها في كل مناسبة.

إذ إن تونس مثلت الملجأ والملاذ لليبيين أثناء مقاومة الاحتلال الإيطالي، وأثناء ثورة 17 فبراير، وبعدها وحتى اليوم، حيث يعالج الليبيون في المصحات التونسية، ويتزودون للسوق الليبية من تونس، فضلاً عن وجود مصاهرات تعود لعقود خلت، وهناك أسر ليبية أصبحت مكوناً من مكونات النسيج الاجتماعي في تونس.

ودور تونس يختلف عن أدوار بعض الأنظمة التي تنظر للوضع الليبي من زوايا ضيقة، فقد حرصت (وهو ما أكدته المصادر التونسية، الحكومية والحزبية والمجتمع المدني) على لقاء جميع الأطراف الليبية، والوقوف على مسافة واحدة من كل الفعاليات المؤثرة، ودعتها كما أشار وزير الخارجية التونسي إلى حل جميع خلافاتها بالطرق السلمية، وعن طريق الحوار، وتقديم التنازلات للوصول إلى نقاط التقاء، تفرز اتفاقات مشتركة، لتجنيب ليبيا التدخل العسكري الغربي، الذي كان قوب قوسين أو أدنى (ولا يزال يمثل تهديداً جدياً) لولا رفض تونس والجزائر بالخصوص لخطر التدخل الذي لن يزيد الأمور إلا تعقيداً كما حدث في العراق وغيرها.

كما حرصت تونس على إبقاء حدودها مفتوحة مع ليبيا، حتى في أصعب الفترات، بما في ذلك قيام طائرات خليفة حفتر بخرق الأجواء التونسية، أو قدوم “دواعش”، لتنفيذ عمليات إرهابية.

معنى حكومة وفاق وطني

لا شك أن قيام حكومة وحدة وطنية ليبية في طرابلس، سيكون له أثر كبير على تحسن الوضع في ليبيا ودول الجوار، وسيتنفس كثيرون في المنطقة والعالم الصعداء، بعد تجنب السيناريو الكارثي الشيطاني، وهو التدخل العسكري الغربي في البلاد، كما يعيد الأمل لليبيين الذين هجرتهم الحرب، والخلافات السياسية، حيث لا تزال هناك أربع حكومات، تحميها أربعة جيوش، وهو ما هدد ليبيا بخطر التقسيم لا سمح الله، وكان بالإمكان تفجير الوضع في المنطقة لو تم التدخل الأجنبي، الذي سيكون ذريعة أخرى لقيام أعمال مسلحة في دول الجوار أخطر مما هو حاصل الآن، وهذا ما سيدفع بالقوات الغازية للتمدد لمحاربة “الإرهاب” حتى تحتل المنطقة بأسرها، وتعود بالفعل للقرون الوسطى، كما هدد أحدهم في عام 2001م.

بل إن الخطر كان سيكبر وسينتقل للدول الغربية ذاتها، وما التفجيرات التي شهدتها بروكسل، العاصمة البلجيكية، وقبلها باريس، وما جرى في السنوات الأخيرة بعدد من الدول الأوروبية مثل إسبانيا وبريطانيا، إلا لفحة من نار الحرب التي يوقدها البعض في ديار العرب المسلمين؛ وبالتالي تم السقوط فيما حذر منه كثيرون دون جدوى، والأمل أن تكون الحكومة الليبية الوفاقية، حكومة كل الليبيين، وليست ضد أي طرف ليبي أو غيره، وتبسط سلطتها على كامل الأراضي الليبية، وتضع حداً لحالة الفوضى والانقسام، وتكون سلطة مركزية قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاستخبارية التي تستهدف ليبيا وشعبها ومقدراتها، وتكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب ، وتعجل برفع المعاناة عن الشعب الليبي، وتنكب على حل مشاكله بدل الصراع والجدال العقيم.

واجب دول الجوار والعالم

تعتبر دول الجوار الدول المعنية الأولى بأمن واستقرار ليبيا، إذ تم التأكيد في الاجتماع أن التوافق هو سر النجاح في القرن الـ21، بعد أن انتهى عصر المتغلب بسيفه، وفرض خيارات على الشعوب والأمم بقوة السلاح، أو ما يعرف بالانقلابات العسكرية التي ثبت فشلها، بل جنايتها على الأمن والاقتصاد وحريات الشعوب، بل تأكدت تأثيراتها السلبية على الوضعين الإقليمي والدولي، وتغليبها لمصلحة الفرد والعصابة على مصلحة الشعب والأمة.

وقد أشار رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج إلى ذلك في كلمته، ودعا الليبيين إلى الالتفاف حول حكومة الوفاق الوطني، كما دعا دول الجوار والمجتمع الدولي إلى مساعدة ليبيا على الخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه، بفعل حسابات خاطئة كاذبة، كانت قفزاً على الواقع، أملاه الوهم، وتوقع الدعم من الخارج. كما دعا المجتمع الدولي لإعادة إعمار ليبيا.

كما تحدث عن هذه المخاطر المبعوث الدولي مارتن كوبلر أمام وزراء خارجية دول الجوار الليبي؛ محذراً من أن ليبيا مهددة بالانفجار، وأن التدخل الغربي يبقى قائماً إذا ما فشلت جهود إنجاح حكومة التوافق.

Exit mobile version