خبير إستراتيجي: روسيا تدعم الأسد لإيجاد موطئ قدم لها بالشرق

– بوتين رأى في سورية فرصة لإعادة التأكيد على دور روسيا على المسرح الدولي وللرد على زحف “الناتو” المستمر نحو الشرق

– روسيا تستهدف كل قوى المعارضة السورية وتعمل على ترجيح ميزان القوى لصالح نظام الأسد

– إدارة أوباما هي التي تدير المشكلة السورية ولا تريد أن تحلها والموجه الأساسي لها في سياستها في الشرق الأوسط مصالحها الاقتصادية

– مكاسب روسيا الاقتصادية في سورية تتخطى مسألة توسيع التعاملات التجارية والاستثمارات وبيع الأسلحة

 

يرى الخبير الإستراتيجي د. محمد نشطاوي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المغربية، في حواه مع “المجتمع”؛ أن الهدف من التدخل الروسي في سورية هو تدعيم موقف بشار الأسد لتقوية موقعه في أفق أي مفاوضات لحلحلة المشكل السوري، علاوة على إيجاد موطئ قدم دائم في سورية وبالخصوص في المنطقة الشرقية من حوض المتوسط بالقرب من منطقة الشرق الأوسط، وكذا بالقرب من حلفائه التقليديين سورية وإيران.

وأكد أن العملية الروسية أخذت أبعاداً أخرى غير تلك المعلنة، واستطاعت خلط الأوراق في صراع تبدو خيوط حله لا تقتصر على الأطراف الداخلية بل مرهونة بأطراف إقليمية خارجية.

ما الأسباب الحقيقية للتدخل الروسي في سورية؟

– مما لا شك فيه أن التدخل الروسي في سورية – الذي تم بمباركة أمريكية ضمنية – جاء لهدفين مباشرين أساسيين؛ إيجاد موطئ قدم دائم في سورية وبالخصوص في المنطقة الشرقية من حوض المتوسط بالقرب من منطقة الشرق الأوسط وكذا بالقرب من حلفائه التقليديين سورية وإيران، وتدعيم موقف بشار الأسد لتقوية موقعه في أفق أي مفاوضات لحلحلة المشكل السوري.

لكن ما يجب التأكيد عليه هو حقيقة الأهداف الروسية من التدخل في سورية، إذ ثمة مصالح مهمة لروسيا في سورية، بالطبع، مثل القاعدة البحرية على الساحل السوري ومراكز التصنت في جبال اللاذقية، ولكن هذه المصالح، ومهما بلغت من أهمية، لا ترقى لطبيعة الموقف الروسي من سورية، منذ بداية الأزمة السورية، ولا لحجم التدخل العسكري الأخير.

الأرجح إذن أن بوتين رأى في سورية فرصة لإعادة التأكيد على دور روسيا على المسرح الدولي، وللرد على زحف حلف الشمال الأطلسي المستمر نحو شرق ووسط أوروبا، وعلى ما يراه بوتين تبنياً غربياً للفكرة الديمقراطية من أجل إطاحة أنظمة صديقة لروسيا، بل وزعزعة نظام الحكم الروسي ذاته من خلال الموقف من النزاع مع أوكرانيا، وكذا العقوبات الاقتصادية على سورية وإقصائها من تجمع الدول الأكثر تصنيعا في العالم.

هل حققت روسيا أهدافها حتى الآن؟ ومن المستهدف الأول من هذه الحملة؟

– لعل أول الأهداف التي حققتها روسيا أنها ضربت عرض الحائط بالمخططات الغربية الرامية إلى تدعيم بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة وبعض الفصائل الإسلامية، المدعومة منذ سنوات من قبل السعودية وقطر وتركيا، لإجبار بشار الأسد على التفاوض من موقع ضعف ودفعه للتنازل عن السلطة، وقد أدى التدخل الروسي إلى وضع حد لهذه الآمال، لا سيما أن الدول الغربية كانت تعتقد بسذاجة أنه سيكون كافياً الحفاظ على صراع منخفض الحدة في سورية لإضعاف الجيش السوري.

كما تجدر الإشارة إلى أن روسيا في مطلع العملية، قالت: إنها موجهة ضد “تنظيم الدولة” والمجموعات الإرهابية الأخرى، ثم اتضح أنها تستهدف كل قوى المعارضة السورية، وتعمل على ترجيح ميزان القوى لصالح نظام الأسد، أكثر من ذلك أنها أكدت في البداية أن العملية ستستمر حوالي ثلاثة أشهر؛ ثم تراجعت عن التحديد، مؤكدة أنها عملية مفتوحة.

كل ذلك يدل على أن العملية الروسية أخذت أبعاداً أخرى غير تلك المعلنة، واستطاعت خلط الأوراق في صراع تبدو خيوط حله لا تقتصر على الأطراف الداخلية بل كذلك مرهون بأطراف إقليمية خارجية.

هل هذا التدخل يخدم فعلاً الشعب السوري كما يدعي بوتين؟

– أعتقد أن التدخل الروسي في سورية جاء لدعم نظام بشار الأسد الذي بات واضحاً أنه يضعف ويخسر حتى مع توافر الدعم الإيراني ودعم “حزب الله” اللبناني، لا سيما بعد التقدم العسكري للمعارضة المسلحة في الجنوب والشمال الغربي خصوصاً في سهل الغاب، ولهذا تمركزت الغارات الروسية على الجيش الحر الذي تقدم في هذه المناطق، وكما يبدو فهي مقدمة لتقدم قوات إيرانية ومن “حزب الله” لإعادة السيطرة على مناطق خسرها النظام خلال السنة الحالية.

وبهذا فإن هذا التدخل يخدم النظام ولا يخدم سورية، لأنه يؤدي بالضرورة إلى استمرار الصراع تحت حجة تعديل موازين القوى، وزيادة الدمار والقتل والهجرة.

إن روسيا تأتي بعد أن باتت قوى إيران و”حزب الله” وكل المليشيات التي قدمت الحماية لنظام الأسد عاجزة عن الحفاظ على بقائه، وأن ميزان القوى العسكري قد تغير بما يظهر ضعف كل من النظام وإيران و”حزب الله” في سورية، كما أنها تأتي لتغذي الصراع وليس لإنهائه حتى وإن كان على حساب الشعب السوري، وما موجة الهجرة الجماعية نحو الحدود التركية سوى دليل على أن هذا التدخل زاد من عمر هذا النزاع.

كيف تفسرون الموقف الفضفاض لعدد من الدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا تجاه هذا التدخل؟

– المشكلة، في النزاع السوري، أن لكل طرف من الأطراف المتدخلة نهجاً معيناً ناتجاً عن مصالح على طرفي النقيض لكل منها في هذه المنطقة الحساسة، ويظهر ذلك بشكل واضح في التوجهات الدبلوماسية من مختلف الجهات الفاعلة؛ وهو ما يجعل من الصعب إيجاد حل يناسب جميع الأطراف دينياً واقتصادياً وعسكرياً وإستراتيجياً.

إن الخلافات كثيرة وهي أيضاً واحدة من الأسباب التي أدت إلى الجمود في النزاع السوري، وأصبحت مسؤولة عن أكثر مقتل مئات الآلاف، وتشريد مئات الآلاف الآخرين الذين يخاطرون بحياتهم من أجل العثور على الخلاص في أوروبا.

فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن بشار الأسد طاغية لا يجوز بأي حال من الأحوال دعمه، لكن يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة للإبقاء “المؤقت” عليه، ومع حل على مراحل؛ أولاً تحييد الدولة الإسلامية، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الانتقالية وضمان إدماج السكان السُّنة في النظام السوري في المستقبل، وكذا مع دعم المعارضة السورية لوجستياً.

والتطورات في الملف أظهرت أن الحقيقة تبينت بالتدريج بأن إدارة أوباما لا تريد أن تحل المشكلة السورية، وإنما هي تدير المشكلة، والموجه الأساسي لها في سياستها في الشرق الأوسط هو مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية وأمن دولة الاحتلال.

أما بعض الدول الغربية الأخرى فترى أن بشار الأسد دكتاتور دموي جر بلاده إلى حرب أهلية، ومسؤول عن موجة النازحين إلى أوروبا، والسبب الرئيس في تشكل “تنظيم الدولة الإسلامية”، وأنه لا مجال للمفاوضات معه، بل إن رحيله شرط لا محيد عنه في مسلسل المفاوضات رغم أنها بدأت تتغاضى عن هذا الشرط في الآونة الأخيرة وخصوصاً مع التدخل السوري المباشر في الصراع.

وإذا كانت القوات الفرنسية قد قامت في السابق بضرب تنظيم “داعش” بالعراق في إطار عملية “الشمال”، فإنها شنت غارات على التنظيم فوق الأراضي السورية.

لماذا تؤيد إيران هذا التدخل بدون تردد، فيما تنكره تركيا وتحاول وقفه؟

– يمكن قراءة الموقف الإيراني للتدخل الروسي من زاويتين؛ الأولى: أن تكون إيران هي صاحبة دعوة روسيا للمشاركة في الحرب السورية، بحيث يكون على عاتق روسيا العمليات البحرية والجوية، ويكون على عاتق إيران القيام بالعمليات البرية.

والزاوية الثانية قد تصب في التخوف الإيراني من الوجود الإستراتيجي لروسيا في سورية وتحكمها في مصير الأسد، إلا أن الإيرانيين تغاضوا عن ذلك التخوف ليكون الصراع في سورية دولياً وإقليمياً، ولتقف إيران في مواجهة السعودية إقليمياً وتقف روسيا في مواجهة أمريكا دولياً.

هل يعني ذلك أن للتدخل الروسي أبعاداً طائفية ومذهبية؟

– قد نقول: إن التدخل الإيراني و”حزب الله” اللبناني له أبعاد طائفية من خلال دعم الأقلية العلوية الحاكمة في سورية، إلا أن التدخل الروسي تحكمه أبعاد عسكرية إستراتيجية واقتصادية، خصوصاً أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ينتاب روسيا شعور لدرجة العقدة بواقع عظمة روسيا، وتبني سياساتها الدولية على أساس اعتراف الدول الكبرى بمكانتها الدولية، وظلت مكانة روسيا الدولية هائمة منذ بداية التسعينيات حتى جاءت الثورة السورية فعادت لروسيا عظمتها، واستخدمت حق الفيتو، وبرزت كطرف رئيس في الأزمة السورية، وصارت لها مكانة دولية.

وهكذا وفي ظل هذه العزلة الدولية لروسيا بسبب حرج أمريكا الناتج عن أزمة أوكرانيا، أدركت روسيا أن طريقها لفك العزلة الدولية عنها والعقوبات هو عرض مزيد من الخدمات لأمريكا في الأزمة السورية، فلا يمكن الحديث عن أي دور عالمي لروسيا دون موافقة أمريكا، لا سيما أن الولايات المتحدة تتخوف من أي مستنقع آخر يذكرها بفيتنام أو العراق، وهذه الفكرة راسخة في أذهان الروس منذ فترات الوفاق الأمريكي – السوفييتي بعد الستينيات، فكانت روسيا تعرض وكانت أمريكا تطلب المزيد، وتبقي الباب موارباً لإعادة روسيا إلى الساحة الدولية.

كما أنه لا بد من الإشارة إلى أن روسيا تعلن عداءها للإسلام السياسي علناً، وتشترك مع الغرب في مكافحة بروز الإسلام تحت ذرائع الإرهاب، وتتخوف من انتشار “عدوى” الإسلام السياسي فيه في جزئها المسلم في منطقة الفولجا، وسط روسيا في جمهوريات تتارستان وموردوفيا وتشوفاش وبشكيريا، وكذا في منطقة القوقاز في داغستنا وانغوشيا والشيشان والتي لا تفصلها عن سورية سوى أراض تركية.

أيضاً لا بد من الإشارة إلى المنافع الاقتصادية التي قد تجنيها روسيا خصوصاً بعد بروزها كفاعل رئيس في أي حل مستقبلي للنزاع؛ لأنها ستتفاوض من موقع قوة، إضافة طبعاً إلى عقود التسليح التي تدر عليها ملايين الدولارات من الحكومة السورية.

إلا أنه يبدو أن مكاسب روسيا الاقتصادية في سورية تتخطى مسألة توسيع التعاملات التجارية والاستثمارات وبيع الأسلحة، إذ يبدو التواجد في سورية باعتبارها مكاناً محتملاً لمرور شبكة أنابيب النفط والغاز إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا؛ المكسب الأهم في هذا الصدد، وذلك لمنع أي تهديد لتجارة الغاز الروسية.

ماذا يجب على الدول الإسلامية والعربية عمله لمواجهة هذا التدخل؟

– إن الدول الإسلامية والعربية حائرة في التعامل مع هذه الأزمة، فهناك من تخندقت إلى جانب أطراف معارضة بكل أطيافها، وهناك من دعمت نظام بشار الأسد، وهناك من تنصلت من دور لها في النزاع، وهناك من تكفلت بمجرد إبداء الموافقة على أي حل يرضي حلفاءها.

إلا أن الشيء الأساسي أنها لا تستطيع في ظل تباعد وجهات نظرها التأثير على النزاع، ومن هنا ظهرت بعض الحلول السعودية مثلاً للتدخل البري في النزاع في ظل توجسها من تعاظم الدور الإيراني في المنطقة ككل.

Exit mobile version