لغز “ساويرس”.. من تاجر للمزاج إلى صانع للسوق!

في شارع عبدالخالق ثروت بوسط القاهرة، على يمين السائر نحو ميدان الأوبرا والعتبة، يقبع بار بلون أخضر كالدولار، لا يمكن لأحد أن يتخيل أن مثل هذا البار المتواضع هو ملك لأحد أغنى مائة رجل على وجه الكرة الأرضية، جنرال المال في مصر نجيب ساويرس.

لا يزال ساويرس محتفظاً بالبار لأنه كان فاتحة أعماله، و”وش السعد” عليه، وبعد أن استثمر في بدايته أموال والده في مشروعات أخرى لم ينجح فيها – باستثناء نجاحه في هذا البار – بات يتحكم مؤخراً في ربع قطاع السمسرة في مصر، عقب اقتناص بنك الاستثمار “سي.آي كابيتال” من “البنك التجاري الدولي” بعد شهور قليلة من استحواذه على بنك الاستثمار “بلتون” في نوفمبر الماضي بنحو 650 مليون جنيه (نحو سبعين مليون دولار).

وأعلنت شركة أوراسكوم للاتصالات والإعلام التابعة لساويرس صفقة شراء سي.آي كابيتال مقابل 924 مليون جنيه (نحو مائة مليون دولار) من البنك التجاري الدولي، وهو بذلك نجح في اقتناص اثنين من أكبر بنوك الاستثمار في مصر، مقابل نحو 1.6 مليار جنيه (نحو 170 مليون دولار) .

لعبة ساويرس المليارية بدأت منذ نحو ربع قرن، حينما جرى طرح رخصة للمحمول “كليك” (فودافون لاحقاً)، ليعمل بها القطاع الخاص إلى جانب الدولة الممثلة في الشركة المصرية للاتصالات وشركتها للمحمول المصرية لخدمات المحمول (موبينيل)، وفشل ساويرس في الحصول عليها لأن عرضه كان يقل كثيراً عن عرض محمد نصير الفائز بها.

غير أن ساويرس قام بتوسيط شخصيات كنسية لها وزنها ومسموعة الكلمة لدى الرئاسة، للقاء الرئيس المخلوع حسني مبارك، وشكا له – كما اعترف بنفسه في مقابلات صحفية – بأنه تعرض لاضطهاد لأنه قبطي، قائلاً نصاً: أنا لو كان اسمي محمداً كنت أخذتها (يقصد الرخصة).

وكان من الألغاز التي لا حل لها حتى اليوم، هو القفزة المباغتة التي حققها سهم “موبينيل” عند طرحه بالبورصة، حيث ارتفع إلى عنان السماء مدفوعاً بنشاط غامض، ثم هوى بنفس قوة الاندفاع الغامض، ليحقق ملايين الجنيهات لبضع آلاف من المضاربين اشتروا معاً وباعوا معاً فيما يشبه التحرك الجماعي المنظم بدقة.

ومضى ساويرس يستثمر في كل ما له تأثير مباشر على حياة المصريين، من المحمول للإعلام، حتى السياسة دخلها ليتقاسم مع الانقلاب كعكة السلطة السهلة الهضم، دافعاً أكبر مبالغ عرفتها لعبة السياسة لإنجاح مرشحي حزبه” المصريين الأحرار”.

ولمعرفة حجم السيطرة التي آلت لساويرس على سوق المال، فإن شركة بلتون التي استحوذ عليها من قبل يتبعها نحو 18 شركة متخصصة في نشاط الاستثمار وإدارة الأصول والأوراق المالية وتغطية الاكتتابات وتدير أصولاً بنحو 30 مليار جنيه.

منافسات

ولا تنافس ساويرس الآن سوى المجموعة المالية هيرميس هي أحد أكبر بنوك الاستثمار في الشرق الأوسط.

وسادت حالة من الارتباك بين 137 شركة للسمسرة في مصر.

وحاولت الدولة عبر ذراعها البنك الأهلي المصري أكبر بنك حكومي في البلاد منافسة ساويرس على شراء سي.آي كابيتال، حيث أبدى رغبته في الاستحواذ على بنك الاستثمار، إلا أن البنك الأهلي سرعان ما سحب عرضه بعد أيام قليلة.

وتدير بلتون كذلك نحو 10 صفقات استحواذ واندماج هذا العام بأكثر من 60 مليار جنيه (7.7 مليار دولار) في 6 قطاعات؛ هي الغذاء والتجزئة والعقارات والتغليف والبنوك والغزل والنسيج.

وتستهدف الشركة زيادة أصولها المدارة هذا العام لتصل إلى 50 مليار جنيه من 30 ملياراً حالياً، كما أن بعض أطراف صفقات الاستحواذ والاندماج شركات إقليمية وأجنبية.

كما تستهدف زيادة الأصول التي تديرها من 30 مليار جنيه حالياً إلى 50 مليار جنيه بنهاية العام من خلال زيادة محافظ وصناديق الأسهم محلياً وإقليمياً بالإضافة لزيادة عدد صناديق المؤشرات.

وترمي الشركة لدخول مجال الاستثمار المباشر خلال عام 2016م بحوالي ملياري جنيه مع مستثمرين آخرين في القطاع العقاري والتجزئة، والتوسع هذا العام في جميع أنشطة الخدمات المالية غير البنكية سواء من خلال الاستحواذ على شركات في هذه المجالات أو من خلال إنشاء شركات جديدة، فالسيولة لديها في حدود 250 مليون جنيه، ورأسمالها 325 مليون جنيه.

وفي يناير 2015م أطلقت بلتون أول صندوق للمؤشرات في مصر؛ وهو ما سمح بظهور “صانع السوق” لأول مرة، أيضاً في البورصة المصرية، لكن الصندوق لم يحقق بعد النجاح المتوقع، وصناديق المؤشرات هي صناديق استثمارية مفتوحة تتبع حركة مؤشر معين، ويجرى تقييد الوثائق المكونة لها وتداولها في سوق الأوراق المالية مثل الأسهم والسندات.

خطر

وقال الكاتب والمحلل هاني هديب: رجل أعمال فاحش الثراء كنجيب ساويرس لم يبن إمبراطوريته الاقتصادية الضخمة في بلد مأزوم وفقير لمجرد أن لديه شيئاً من ميراث آبائه، أو لأنه عبقري فوق العادة, بل على العكس، فكثير مما صدر منه من تصريحات وما اتخذه من مواقف في أعقاب الثورة لا يمكن وصفها بالذكاء أو الحنكة أو بعد النظر, لكن الأمور لا تقاس هكذا في منطقتنا الكتومة, فما يميّز ساويرس عن غيره أنه يمتلك ما لا يمتلك غيره من معلومات, فالرجل الذي استحوذ مؤخراً على سي آي كابيتال صار يستحوذ على ما يقارب ربع شركات السمسرة في مصر, الأمر الذي يُمكّنه من الاطلاع على كل تفاصيل الاقتصاد المصري بما يشمل خطط الحكومة وقراراتها ومفاوضاتها وسياساتها المالية.

وقال ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق والخبير الاقتصادي: إن ساويرس اشترى “سي آي كابيتال”؛ لأنها شركة تعاملات مالية وأسهم وليست شركة خدمية أو إنتاجية، مؤكداً أن ما حدث هو نقل ملكية إلى نجيب ساويرس، وهو أمر لا ينعكس إيجاباً على المواطنين؛ حيث لا توفر هذه الشركات أي فرص عمل جديدة للمواطن أو تدعم الاقتصاد المصري.

وأضاف الولي: شراء ساويرس لهذه الشركة جاء إرضاء للنظام الحالي؛ بعد الضغوطات المفروضة من الحكومة حول عدم استثمار رجل الأعمال في مصر، منذ الانقلاب على د. محمد مرسي في يوليو 2013م.

Exit mobile version