صحيفة “تسايت” الألمانية: كيف اختفى 10 آلاف طفل لاجئ في أوروبا؟

تقرير: كريستيان بومي – وفرانك يانسن

 

هنالك ما لا يقل عن عشرة آلاف طفل اختفوا بعد وصولهم إلى أوروبا لطلب اللجوء، ويقول جهاز الشرطة الأوروبية: إن عصابات تهريب البشر والجريمة المنظمة تقف وراء هذه الظاهرة.

قد تكون هذه الأرقام المقدمة أقل من الواقع بكثير، على الرغم من أنها تبدو مفزعة ومأساوية؛ إذ إن ما لا يقل عن عشرة آلاف طفل جاؤوا غير مصحوبين بعائلاتهم إلى أوروبا، اختفوا بعد وصولهم خلال الأربعة وعشرين شهراً الأخيرة، بحسب ما أوردته وكالة الشرطة الأوروبية في آخر تقاريرها.

ففي إيطاليا، وحدها تقول هذه الوكالة: إن ما لا يقل عن خمسة آلاف طفل لم يتم العثور عليهم بعد أن وصلوا كلاجئين، فيما يصل العدد في السويد مثلاً إلى ألف، وقد أثار ذلك قلق عدة دول أوروبية، فيما أعلنت ألمانيا أنها سوف تكثف الاتصالات بوكالة الشرطة الأوروبية للتحقيق في هذا الأمر.

ما مصدر هذه الأرقام؟

بحسب وكالة الشرطة الأوروبية، فإن التقارير التي تضمنت هذه الأرقام كانت تستند إلى تقارير أخرى قدمتها كل دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعدد كبير من المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الدولية التي تعنى بهذه المسألة.

وقد دعت هذه الوكالة كل قادة الأجهزة الأمنية في أوروبا ومنظمات الإغاثة إلى دق ناقوس الخطر حول هذه الظاهرة والتصرف حيالها بالسرعة اللازمة، من خلال تشارك المعلومات المتوافرة عن كل واحد من الأطراف، ومد يد العون للدول التي تواجه ضغطاً كبيراً على غرار إيطاليا والسويد، ودعوتها لتقديم معلومات يومية مفصلة حول هذه المسألة.

لماذا هذا العدد من الأطفال غير المصحوبين بعائلاتهم؟

تتعدد الأسباب التي تجعل الأطفال والمراهقين يسافرون في هذه الرحلة المحفوفة بالأخطار بمفردهم، وتؤكد المنظمات التي تعنى باللاجئين أن عدد المهجرين من أوطانهم في كامل أنحاء العالم وصل إلى مستويات قياسية في السنة الماضية لم يبلغها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث وصل عددهم إلى 60 مليون شخص.

وتشير “الجمعية الأوروبية للأطفال اللاجئين غير المصحوبين بعائلاتهم” إلى أن هذه الظاهرة سببها تفرق أفراد العائلة أثناء الرحلة التي تكون محفوفة بالأخطار والصعاب، كما أن الحروب التي تعاني منها بلدانهم تجبر أحياناً أفراد العائلة على التفرق، وفي حالات أخرى يتعرض الأب والأم للموت بسبب العنف الحاصل، ما يؤدي إلى تشتت أفراد العائلة وتشرد الأطفال.

كما أن بعض العائلات تفتقد للموارد المادية التي تمكنها من دفع الأموال إلى شبكات تهريب البشر؛ ما يضطرها إلى تسفير أبنائها والبقاء في مناطق النزاع أو الدول المجاورة لها، في انتظار أن ينجح أبناؤهم في تسوية أوضاعهم القانونية في أوروبا ثم التقدم بطلب من أجل لمّ شمل العائلة.

وتوجد بالإضافة إلى ذلك أسباب خاصة تجبر المراهقين على الهروب من بلدانهم، حيث إنه في أخطر أربعة مناطق يأتي منها اللاجئون، وهي أفغانستان والعراق وسورية ومنطقة القرن الأفريقي، يتعرض هؤلاء المراهقون إلى عمليات التجنيد القسري من قبل الحكومة أو المليشيات المسلحة، فيما تتعرض الفتيات القاصرات للزواج القسري أو الاعتداء الجنسي؛ ما يجبرهم على المخاطرة والسفر بمفردهم نحو أوروبا.

لماذا يختفي الأطفال اللاجئون في الدول الأوروبية؟

يحدث ذلك غالباً لأسباب تنظيمية ولوجستية، ويقول توبياس كلاوس، من المنظمة الأوروبية للأطفال اللاجئين: إن الأرقام التي تقدمها وكالة الشرطة الأوروبية قد تكون أقل من الواقع بكثير، حيث إن الرقم 10 آلاف يشمل فقط أولئك الذين تم تسجيلهم عند الوصول إلى أوروبا ثم اختفوا من محلات إقامتهم المفترضة، والتي حددتها لهم السلطات.

كما يقول كلاوس: إن عدة قاصرين تم تسجيلهم عند وصولهم لليونان وإيطاليا، كانوا عازمين بشكل مسبق على الالتحاق بأقاربهم وأصدقائهم في دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، ولذلك قاموا بالتسلل نحو بلدان أخرى، ورغم أن هذا الأمر يفترض أن يتم التفطن إليه بموجب اتفاقات دبلن التي تنظم التنقلات بين دول الاتحاد الأوروبي، فإن هنالك خللاً في مؤسسات فرض القانون، وضعفاً كبيراً في التنسيق بين الدول الأوروبية، لا يسمح بالتفطن لهذه الظاهرة في أغلب الحالات.

كما تشير منظمات حقوق الأطفال في ألمانيا إلى أن برامج توزيع الأطفال وإيوائهم قد تكون هي المشكل، وتقول كلاوديا كيب، المتحدثة باسم “جمعية أنقذوا الأطفال”: إنه من الممكن أن يجد بعض الأطفال أنفسهم في حالة عزلة وفقدان لمن يعتني بهم، لأنه يتم توزيعهم في مناطق ومدن لا يعرفون فيها أي شخص ولا يشعرون فيها بالراحة، وهو ما يدفعهم للهرب من تلك المناطق والالتحاق بأقاربهم ومعارفهم في مناطق أخرى من أوروبا، وبذلك يتم تسجيلهم في الإحصاءات الرسمية على أنهم مختفين.

ما دور الجريمة في هذه الظاهرة؟

بحسب وكالة الشرطة الأوروبية؛ فإن المهاجرين وبشكل خاص القاصرين غير المصحوبين بعائلاتهم يتعرضون للاستغلال من طرف العصابات، ولكن السلطات الرسمية لا تمتلك أرقاماً محددة لعدد الأطفال الذين وقعوا بين براثن هذه العصابات، ولكن من الواضح أن هؤلاء الأطفال يواجهون خطر أن يصبحوا ضحايا الاستغلال وتجارة البشر وبيع الأعضاء وكل أنواع الانتهاكات، لأنهم يفتقدون إلى الحماية خلال كامل مراحل رحلة اللجوء.

ما الحل لهذا المشكل؟

تقول كلاوديا كيب، المتحدثة باسم جمعية أنقذوا الأطفال: إن القاصرين غير المصحوبين بعائلاتهم، هربوا من مناطق النزاع وأقدموا على هذه الرحلة الخطيرة من أجل الحصول على الحماية والشعور بالأمان في أوروبا، ولذلك لا يمكن السماح بوقوعهم في أيدي عصابات استغلال الأطفال، ويجب على الدول الأوروبية العمل بشكل مشترك لحمايتهم، يمكن على سبيل المثال النسج على منوال منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة في اتخاذ إجراءات جدية وفعالة في هذا الإطار.

ما وضع الأطفال في ألمانيا؟

أوردت الشرطة الألمانية في تقرير صدر في مطلع السنة الجديدة، أن حوالي أربعة آلاف طفل لاجئ أصبحوا في عداد المفقودين خلال السنة الماضية، أغلبهم من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً، ولكن هذه المعلومات مبنية على محاضر وسجلات الشرطة المتعلقة باختفاء الأشخاص، ولذلك تشير أغلب التقديرات إلى أن هذا العدد يمكن أن يكون مبالغاً فيه أو يكون ضعف العدد الحقيقي، لأن عمليات الاحتساب المضاعف تكثر في هذه الفترة، حيث يتم تسجيل الشخص في أكثر من مكان ثم يعتبر مختفيا في كل مكان لا يظهر فيه فيما بعد.

ما الوضع في برلين؟

تقول الشرطة في مدينة برلين: إن عدد اللاجئين في تزايد مستمر، وإن الأوضاع على وشك الخروج عن السيطرة، ولكن ليس هنالك إلى حد الآن أدلة ملموسة حول تعرض الأطفال للاستغلال الجنسي، إلا أن السلطات أطلقت رغم ذلك تحذيرات كثيرة، ومازالت تحافظ على درجة عالية من اليقظة، منذ أن تعرض طفل يبلغ من العمر أربع سنوات اسمه “محمد” إلى الاختطاف في أكتوبر من السنة الماضية.

وتشير إحصاءات مؤسسة الصحة والرعاية الطبية الألمانية، إلى أن 13322 طفلاً وصلوا إلى برلين في السنة الماضية فقط، ستة آلاف منهم في سن الدراسة، وقد تم إلحاقهم جميعاً بالمدارس.

 

الرابط:

http://www.zeit.de/gesellschaft/2016-02/minderjaehrige-fluechtlinge-verschwunden-europol-menschenhaendler/komplettansicht

Exit mobile version