غزة: رجال الأنفاق يتحدثون لـ”المجتمع” عن جهادهم

على الرغم من حجم الحزن الذي عمّ الساحة الفلسطينية بفقدان سبعة من المجاهدين الذين استشهدوا أثناء عملهم في أحد الأنفاق العسكرية التابعة لـ”كتائب القسام” بعد أن غمرت مياه الأمطار النفق وأغرقت المجاهدين، فإن ذلك المشهد المؤلم أظهر في المقابل صورة من صور العزم والإرادة وتحدي المستحيل الذي برع فيه المجاهدون الفلسطينيون، وذلك سعياً لتحقيق مبدأ توازن الرعب، وقلب موازين القوى لصالح المقاومة، فرغم محدودية الإمكانيات، وقلة ذات اليد, والحصار الذي أحكمت حلقاته بشدة؛ فإن المقاومة الفلسطينية ولا سيما “كتائب القسام” تواصل الليل بالنهار في تدريب مجاهديها، والتطوير من أسلحتها وذخيرتها، وحفر الخنادق والأنفاق استعداداً لأي مواجهة قادمة مع جيش الاحتلال.

وأعاد ذلك الحدث الذي تعرض المجاهدون إلى الأذهان من جديد ما حققته الأنفاق العسكرية من إنجازات كبيرة في حرب “العصف المأكول” الأخيرة عام 2014م، والمواجهات السابقة مع قوات الاحتلال، حيث كانت الوسيلة الأقوى للنفاذ من خلالها والاشتباك مع جنود الاحتلال من مسافة صفر في مشاهد مرعبة رصدتها كاميرات الاحتلال، ووثقتها كاميرا المجاهدين.

وقد مثّلت تلك الأنفاق التي لم يعهدها قادة الاحتلال في حروبهم السابقة هاجساً وقلقاً لجنودهم الذين أصبحوا يخشون من أن يخرج المجاهدون من تحت أقدامهم لقتلهم أو خطفهم، وهو ما دفع أحد قادة الاحتلال الصهيوني للقول في أحد تصريحاته بعد انتهاء حرب “العصف المأكول”: نحن ندرب جنودنا كيف يتصدون للطائرات، وكيف يواجهون الدبابات، وكيف يستخدمون الأسلحة الثقيلة والمتطورة، ولكننا لم ندرّبهم على كيفية التعامل مع الأنفاق تحت الأرض والتصدي للمسلحين.

“المجتمع” تمكنت من إجراء حوار مع عدد من الجنود المجهولين الذين يقضون معظم ساعات يومهم تحت الأرض ينبشونها ويقضمون الصخر ويتحدون المستحيل، مصحوبين بتوفيق الله، ثم بعزيمتهم التي يلين أمامها صخر الأرض ويتفتت، ونعتذر عن نشر الأسماء بناء على طلب أصحاب الحوار حفاظاً على حياتهم.

ما الذي دفعكم للعمل في هذا المجال؟

– نحن نعمل في الجهاز العسكري لـ”كتائب القسام”، والكتائب مقسّمة إلى وحدات عدة؛ كالوحدة الصاروخية، ووحدة الضفادع، والوحدة المدفعية وغيرها، ونحن نعمل في وحدة الأنفاق، ونقوم بواجبنا وما نكلف به من مهام، إلى جانب المشاركة في مهام أخرى كالرباط ليلاً على الثغور.

ما طبيعة عملكم داخل النفق؟

– يقوم مسؤول المجموعة المناوبة بتوزيع العمل بين المجاهدين، فهناك من يحفر في الرمل ويقطع الصخر، ثم يأتي مجاهد آخر ليملأ ما تم حفره في عربة خاصة، ومن ثم يسحب مجاهد آخر العربة ويجرها حتى إخراجها من النفق، وبعد ذلك تقوم مجموعة من المجاهدين بتصريف أكياس الرمل الخارجة من النفق في أماكن غير معروفة.

ما المدة التي تقضونها تحت الأرض في عملكم؟

– يوزّع العمل على مجموعات, وكل مجموعة تمكث تحت الأرض في الحفر والتنقيب تسع ساعات متواصلة، وعندما تنتهي مدة العمل يخرجون من النفق إلى الأرض لممارسة الحياة بشكل عادي.

هل تستخدمون زيّاً معيناً أو أدوات تسهل عليكم الحفر؟

– نأتي بملابسنا العادية، ونمارس عملنا بتلك الملابس، فلا يوجد زي معين أو أحذية مخصصة للعمل في ذلك المجال، ولا يوجد معنا أدوات متطورة للعمل أو أجهزة حفر غير الأدوات التقليدية “الكريك، والطرية”، وهي أدوات الفلاح التي يحرث بها الأرض ويفلحها، والحقيقة أن هذا الأمر متعب ويؤذينا، ولكن استشعارنا أن الأجر على قدر المشقة يخفف عنا ما يصيبنا من تعب ونصب.

هل تتقاضون رواتب نظير عملكم؟

– بقيناً نعمل في حفر الأنفاق لعدة سنين بدون مقابل مادي، ونحتسب أجرنا وتعبنا على الله عز وجل، ولكن بعد أن أصبح العمل في الأنفاق يشكل عائقاً في بعض الأحيان أمام مصالحنا وأعمالنا الأخرى التي نوفر من خلالها ما نحتاجه من مقومات الحياة، بدؤوا يصرفون لنا مكافآت مالية تقارب 200 دولار، وهناك من المجاهدين يرفضون أخذ أي مكافأة مقابل عملهم في حفر الأنفاق، يبتغون الأجر من الله تعالى.

هل تقدرون نسبة الخطورة في هذا العمل؟

– منذ أن بدأنا نعمل في حفر الأنفاق وضعنا أرواحنا على أكفّنا، لأننا نعلم علم اليقين أن العمل في هذا المجال محفوف بالأخطار، ولا أخفيك أن نسبة الخطر 100%، ولذلك أثناء عملنا نكون دوماً مشغولين بالاستغفار والتسبيح، لأننا لا ندري إذا دخلنا النفق هل نخرج أحياء أم شهداء محمولين على الأكتاف، وهذا ما حدث مع كثير من المجاهدين الذين استشهدوا إثر انهيار النفق عليهم، والذين كان آخرَهم المجاهدون السبعة.

ما طبيعة الأخطار التي تواجهونها؟

– تبدأ أول الأخطار فور وصولنا إلى عين النفق واستعدادنا للنزول إلى عمق النفق الذي يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 15 متراً، حيث هناك بعض المجاهدين أثناء نزوله يسقط على الأرض، ويتعرض لإصابات بالغة الخطورة، وكذلك من الأخطار أسلاك الكهرباء الممتدة على طول النفق للإنارة ولسحب العجلة التي تقلّ الرمال، إذ يصاب غالبية المجاهدين بالماس الكهربائي، أضف إلى تلك الأخطار الخطر الأكبر وهو انهيار النفق أثناء الحفر؛ ما يؤدي في كثير من الحالات إلى استشهاد المجاهدين، ومن لم يُصب بأي من تلك الأخطار فإنه على المدى البعيد يصاب بغضروف في الظهر وخشونة في عظام الركبة، لأن العمل داخل النفق يتطلب من المجاهد أن يحني ظهره، فارتفاع النفق أقل من 150 سم.

أمام هذه الأخطار والتعب الشديد ألا تأتيكم فكرة الانسحاب من العمل؟

– لا أبالغ إن قلت لك: إن أجمل اللحظات وأسعدها نقضيها داخل النفق، حيث نمازح بعضنا بعضاً، ونتسامر في وقت الراحة، ونتناول الطعام والشراب، ونعيش أوقاتاً جميلة وأحياناً عندما ينطفئ النور نأخذ قسطاً من النوم في غرفة الاستراحة داخل النفق، فهو تعب مجبول بالمتعة.

Exit mobile version