صحيفة “تسايت” الألمانية: القنوات التلفزيونية هي من تحدد نتائج الانتخابات الأمريكية

تقرير: ثورستن شرودر

 

تعتمد القنوات التلفزيونية في الولايات المتحدة على سياسة واضحة فيما يخص السباق الانتخابي، حيث تحركها أجندات معروفة، وبات معلوماً أن من يريد الوصول إلى البيت الأبيض عليه المرور عبر هذه القنوات.

واصل دونالد ترامب لأيام متتالية التلويح بمقاطعة آخر حوار متلفز يقوم به مرشحو الحزب الجمهوري قبل انطلاق الانتخابات من ولاية أيوا، وقد لمح في البداية إلى أنه لن يحضر المناظرة التلفزيونية التي ستبثها قناة “فوكس نيوز” على الهواء، وبرر ذلك بما حدث في آخر حوار في هذه القناة في أغسطس الماضي، حين هاجم دونالد ترامب مذيعة القناة ميجان كيلي، وقال عنها: إنها تصرفت معه بعدائية لأنها تعاني من متاعب نفسية بعد أن سألته عن رأيه في مجموعة من المسائل التي تهم احترام المرأة، ومنذ ذلك الوقت لم يفوت ترامب أي فرصة لمهاجمة المذيعة كيلي ووصفها بأنها مذيعة من الوزن الخفيف ومن الدرجة الثالثة وبأنها غير نزيهة ومنحازة.

وقد اشترط ترامب لحضور آخر مناظرة تلفزيونية، أن يتم إبعاد هذه المذيعة وتعويضها بشخص آخر، ولكن إدارة قناة “فوكس نيوز” وجهت صفعة قوية لدونالد ترامب وأكدت أن ميجان كيلي سوف تقوم بإدارة المناظرة، فيما حاول دونالد ترامب في نفس الوقت تنظيم لقاء لجمع التبرعات لفائدة المحاربين القدامى في محاولة للفت الأنظار وخفض نسبة المشاهدة لهذه القناة أثناء المناظرة التي ستتم بين بقية المرشحين.

وقد أدلى ترامب بتحديات علنية وقال: فليجروا حوارهم وحدهم، وسنرى كم ستجني “فوكس نيوز” من هذا البرنامج وكيف سيكون الحوار بدوني.

ويمكن اعتبار أن ترامب انسحب من هذه المناظرة؛ لأنه أراد الخروج عن قواعد اللعبة الإعلامية في أمريكا، حيث يقوم الإعلام غالباً بالتحكم في مجريات الأمور، فيما تشير تقارير أخرى إلى أنه اشترط على القناة الحصول على مبلغ 5 ملايين دولار مقابل الظهور، بما أنه الأكثر شهرة وإثارة للرأي العام ويحظى بمتابعة كبيرة.

عندما انطلقت قناة “فوكس نيوز” في بثها عام 1996م، احتفى بها سياسيو التيار المحافظ في الولايات المتحدة، واعتبروها منصة للدعاية لهم في صراعهم الأبدي ضد بقية وسائل الإعلام المحسوبة على التيار الليبرالي الذي يقوده الديمقراطيون، وقد أثنى الرئيس السابق جورج بوش على هذه القناة واعتبرها “تأثيراً إيجابياً في المشهد الإعلامي”، وقد أظهر الجمهوريون في ذلك الوقت اهتماماً كبيراً بهذه القناة لدرجة أن المؤسسة الأمريكية لتاريخ التيار المحافظ طلب من موظفيه في مراسلة داخلية وسرية عدم الإكثار من مشاهدة قناة “فوكس نيوز”، حتى لا تنكشف أجندات هذه القناة.

وقد أصبحت “فوكس نيوز” تؤدي دوراً محورياً في أجندات المحافظين الأمريكيين، فعلى عكس الديمقراطيين الذي يتحلون ببعض العقلانية في حواراتهم ومنافساتهم السياسية، فإن قناة “فوكس نيوز” تعرض في روايتها للأحداث وجهة نظر الحزب الجمهوري، وتقوم بترديد هذه الرواية وتنشرها في صفوف الرأي العام، ويقول سيث أكرمان، من المؤسسة الأمريكية لمراقبة الإعلام (فير): إن “فوكس نيوز” تؤدي دوراً غير مسبوق في التلاعب بالرأي العام وتوجيهه نحو مرشح معين، حيث إن مذيعي هذه القناة مارسوا دوراً مصيرياً في تشويه مشروع الرعاية الصحية “أوباما كير” الذي تقدم به الرئيس باراك أوباما، كما أنها تقوم بتضخيم الفضائح التي تتعرض لها وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة للرئاسية هيلاري كلنتون، وتقوم بتصوير أوباما على أنه معادٍ للقيم الأمريكية وبأنه يساري وعلماني.

وتحظى هذه القناة بأكبر نسب مشاهدة في الولايات المتحدة، حيث يبلغ معدل عدد المتابعين في أوقات الذروة حوالي 1,8 مليون أمريكي يومياً.

كما أن روجر أيلس، مؤسس ورئيس القناة، هو بدوره مسؤول سابق في الحزب الجمهوري، وقد عمل في حملتي الرؤساء السابقين ريتشارد نيكسون، ورونالد ريجان، كما أنه أمّن في عام 1988م انتصاراً كبيراً لجورج بوش الأب على حساب مرشح الحزب الديمقراطي مايكل دوكاكس، عن طريق حملة إعلامية شرسة وممنهجة، حيث قام في ذلك الوقت بتصوير المرشح الديمقراطي على أنه “مخنث” وضعيف الشخصية وتابع لمنظمات تعمل ضد مصلحة الولايات المتحدة، وقد أسرّ لأحد مقربيه في تلك الفترة بأن إستراتيجية عمله في الانتخابات الرئاسية تقوم على نقطتين؛ مهاجمة الخصم، وتدميره.

وإلى جانب ما تثيره قناة “فوكس نيوز” من جدل حول تأثيرها في المشهد الإعلامي الأمريكي، فإن هناك قنوات أخرى تعمل أيضاً لصالح الديمقراطيين وتحاول تبييض مرشحيهم وتشويه المرشحين الجمهوريين، وتحاول الترويج لرسالة وصفها الخبير الإعلامي لاري أتكينز بأنها تريد إقناع الناس بأن “بوش غبي، وديك تشيني شرير، والجمهوريون عنصريون، وفي المقابل فإن أوباما رائع وكامل”.

وفي مقدمة هذه القنوات هنالك قناة “أم أس أن بي سي”، التي تحظى باهتمام كبير بفضل مذيعيها المعروفين مثل بيل ماهر، وريتشل مادو، وهي تحظى في أوقات الذروة بعدد مشاهدين يصل إلى 560 ألف مشاهد.

كما أن الليبراليين أيضاً في الحزب الديمقراطي يعتمدون على مجموعة أخرى من الوسائل الإعلامية، من أبرزها إذاعة “أم بي آر” وقناة “سي أن أن”، ولطالما كان جون ستيوارت أحد أهم الأصوات المدافعة عن هذا التيار في الولايات المتحدة عبر برنامجه الكوميدي الذي ظل يحصد النجاح لسنوات “ذو دايلي شو”، الذي يهاجم فيه دائماً الجمهوريين ويسخر من زملائه في قناة “فوكس نيوز”.

ورغم أنه ليست هنالك قناة تلفزيونية معينة تقرر بمفردها نتائج الانتخابات، بمعنى أن قناة “فوكس نيوز” ليست “صانعة الزعماء”، فإن ذلك لا ينفي أن هذه القنوات لها تأثير كبير جداً على الرأي العام وعلى الأحزاب، وهي تستطيع تعبئة القواعد الانتخابية أفضل من أي وسيلة أخرى.

وقد تبين في آخر أسبوع قبل الانتخابات التمهيدية أن دونالد ترامب لم يعد المرشح المفضل للقائمين على قناة “فوكس نيوز”، وقد اتضح ذلك بشكل جلي حين نشرت إدارة القناة رسالة ساخرة في هذا الأسبوع، قالت فيها: إنها حصلت من مصادر سرية على معلومات تؤكد أن آية الله الخميني، وفلاديمير بوتين ينويان معاملة دونالد ترامب بطريقة قاسية عندما يلتقون معه إذا فاز في الانتخابات الرئاسية.

 

الرابط:

http://www.zeit.de/politik/ausland/2016-01/usa-wahl-fernsehsender-donald-trump-fox-news-cnn

Exit mobile version