استقالة وزيرة العدل الفرنسية توبيرا.. بين متضامن ومغتبط

تزامن الإعلان عن استقالة وزيرة العدل الفرنسية كريستيان توبيرا من منصبها اليوم الأربعاء مع موعد قيامرئيس الوزراء مانويل فالس بعرض النص النهائي لمشروع إصلاح دستوري حول حالة الطوارئ وإسقاط الجنسيةعن حاملي جنسيتين يثبت تورطهم في الإرهاب، أمام نواب البرلمان الفرنسي.

معارضةمشروع قانون إسقاط الجنسية:

يُذكر أن توبيرا عارضت وبشكل مفتوح اقتراح الحكومة مشروع قانون إسقاط الجنسية المشار إليه، حيث صرحت للإذاعة الجزائرية الثلاثاء 22 ديسمبر خلال زيارة رسمية للجزائر بأن مشروع تعديل الدستور الذي قدّم خلال مجلس الوزراء لا يتضمن الحرمان من الجنسية.

واعتبرت مسألة الحرمان من الجنسية بالنسبة للذين ولدوا بفرنسا قضية “غاية في الحساسية”، مضيفة أن “المسألة مرتبطة بمبدأ أساسي متمثل في حق مسقط الرأس، وهو ركيزة أساسية”، وأضافت: “لا أعتقد أن اللجوء إلى هذا الخيار سيكون مجدياً في مكافحة الإرهاب بالنظر إلى طبيعة الإرهاب الذي نواجهه اليوم”.

أثارت تصريحات الوزيرة المستقيلة استياء في الأوساط الرسمية وجدلاً في وسائل الإعلام، بالنظر إلى التأثير المباشر لمواقف وزارة العدل على نجاح أو فشل مشروع إسقاط الجنسية عن مواطنين فرنسيين. علما بأن الرئيس فرانسوا هولاند جعل من هذا المشروع حصان طروادة لكسب أنصار من اليمين المتطرف، والاستعداد لخوض معركة الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في 2017,

لذا كان الرد سريعاً من الوزير الأول   في المؤتمر الصحفي الذي أعقب جلسة مجلس الوزراء الفرنسي في اليوم الموالي، بقوله: “كما أعلن رئيس الجمهورية في 16 نوفمبر، قررت الحكومة عرض مقترح الحرمان من الجنسية على البرلمان“.

وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد ألمح في 16 نوفمبر الماضي عقب تفجيرات باريس إلى إمكانية الحرمان من الجنسية الفرنسية بالنسبة للمحكوم عليهم في قضايا تمس بالمصالح الأساسية لفرنسا أو في قضايا الإرهاب “حتى وإن ولدوا بفرنسا عندما يكونون حاملين لجنسية دولة ثانية”. وهي الرسالة التي فهمت على أنها استهداف مباشر للمواطنين الفرنسيين من أصول مغاربية، مما أثار انتقادات حادة للرئيس الفرنسي من أوساط فرنسية رسمية وغير رسمية.

شخصية مثيرة:

وتباينت المواقف بشأن استقالة توبيرا من منصبها كوزيرة للعدل بين متضامن ومغتبط. المتضامنون معها ينتمون أساساً للتيار اليساري المتمسك ببعض المبادئ خاصة في مسألتي المساواة والعدالة بالمنظور اليساري (التركيز على المساواة الآلية بين المرأة والرجل وعلى حقوق المثليين في الزواج والتبني، وعلى حقوق المواطنة والمساواة بين المواطنين بدون اعتبارات عرقية وثقافية..).

أما المعارضون لها فهم كُثُر، خاصة من التيار اليميني الذي يحمّلها التسيب في السياسة القضائية الفرنسية، وهناك تلميحات خاصة في صفوف أقصى اليمين إلى أصولها غير الفرنسية، حيثوُلدت توبيرا في غويانا الفرنسية بمنطقة الكاراييب ومثّلت مقاطعتها في البرلمان وفي الاتحاد الأوروبي، قبل أن تصبح وزيرة العدل في عهد هولاندمنذ 2012م.

يذكر أن مجلة “مينيت”، المحسوبة على اليمين المتطرف، شبهت وزيرة العدل، السوداء البشرة، بـ”القرد”, وكانت محكمة الاستئناف في باريس قد أيدت حكماً يقضي بتغريم المجلة بـ 10 آلاف يورو غرامة، ووجدت الوزيرة تضامناً كلياً وقتها من مسؤولين حكوميين والرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند”، الذي دعا إلى محاربة كل أشكال التطرف والدفاع عن قيم فرنسا.

وزيرة العدل الفرنسية المستقيلة ذات شخصية قوية ومواقف يغلب عليها طابع الشجاعة والإثارة في نفس الوقت حتى قبل توليها منصب الوزارة.. فهي التي كانت وراء إقرار قانون 21 أيار 2001 الذي يصنف ما حصل في القرن الخامس عشر من تجارة عبيد مورست على سكان إفريقيا، وهنود أمريكا، كجريمة ضد الإنسانية.وقد ارتبط اسمهابمشروع قانون زواج المثليين في فرنسا الذي أثار جدلاً كبيراً، وخرجت مسيرات حاشدة تعارض هذا المشروع خاصة من المتدينين من المسيحيين وغيرهم، ولكنها أصرت على تمرير القانون.

وبدأت سلسلة من الخطابات في المجلس التشريعي الفرنسي للتأكيد بأنّ الحق بزواج مثلي الجنس علماني ومدني، على غرار تاريخ الحقوق والعدالة، ليس دخيلاً وغريباً كما قد يفترض.ودخل القانون حيز التنفيذ في فرنسا في 23 أبريل ليشرّع الزواج المثلي الجنس رغم الخوف والاحتجاج والعنف.وصفها البعض بالنجمة والإيقونة، بينما رأى فيها آخرون مصدراً لكثير من المشاكل في فرنسا.

وانتهى الشد والجذب حول بقائها في الحكومة باستقالتها. وعلّقت توبيرا على تويتر بأن “المقاومة تكون بالصمود أحياناً وبالرحيل أحياناً أخرى.

د. محمد الغمقي باريس

Exit mobile version