زوجة الصحفي القيق: إحساس قاسٍ أن يكون زوجي أسيراً مضرباً

في العشرين من نوفمبر الماضي، دكت قوات الاحتلال “الإسرائيلي” بجيشها وآلياتها العسكرية قرية “أبو قش” الواقعة شمال رام الله، كانت تستهدف بالتحديد شقة سكنية يقطنها الصحفي الفلسطيني محمد القيق.

لم تطرق هذه القوات باب العمارة بل قامت بتفجيره، ثم صعد عناصرها إلى المنزل وأمام طفلين وزوجة كبلوا القيق، وصادروا هاتفه النقال وجهاز حاسوبه، كانت تلك المرة الأخيرة التي رأيت فيها الصحفية الفلسطينية فيحاء شلش زوجها، كانت تنظر إليه وهي تغطي عيون أبنائها عن رؤية همجية الاحتلال مع أبيهم.

“المجتمع” حاورت زوجة القيق الصحفية فيحاء شلش بعد مرور 63 يوماً على إضراب القيق.

صاحب قلم حر

بتهمة التحريض الإعلامي، اعتقلت قوات الاحتلال صاحب القلم الحر والداعم دائماً بقلمه وروحه للقضايا الوطنية الفلسطينية محمد القيق، فهذا الاحتلال لا يريد له أن يفضح ممارساته في انتفاضة القدس ضد الشعب الفلسطيني، وقد كان القيق عرضة دائماً للاعتقال من قبل دولة الاحتلال “الإسرائيلي”، فالاعتقال الأخير هو الاعتقال الرابع له، إذ اعتقل عام 2003، و2004، و2008م.

في انتفاضة القدس التي اعتقل فيها القيق مؤخراً، كان منهكاً للغاية في تغطية العمليات الفدائية وتسجل معاناة ذوى الشهداء من الاحتلال، شكل مع زوجته ما يشبه “خلية النحل” بهدف القيام بواجبهما الإعلامي في تغطية الأحداث المتلاحقة، تقول زوجته: كان الوضع مرهق جداً، كنا نستمر في تغطية الأحداث للساعة الثانية بعد منتصف الليل، شعرت بحجم العبء الذي كان يحمله عنا بعد اعتقاله.

ورغم يقينها بأن زوجها حريص على استخدام أي وسيلة تمكنه من رفض الظلم، تفاجأت شلش بقرار زوجها في الإضراب عن الطعام، تقول شلش: كوني صحفية تناولت الحديث عن الأسرى المضربين ومعاناة ذويهم، لكن عندما وضعت مكانهم كان الأمر قاسياً جداً، شعرت بأنني كنت بعيدة عن تفاصيل معاناتهم، التساؤل الأول الذي خطر في بال شلش: كم سيطول إضراب زوجها؟ كيف سينعكس الإضراب على صحته؟ فقد تعرض لعلاج قسري، لكن رسالته الأخيرة التي نقلها محاميه إجابتها على تلك التساؤلات، إذ قال: أنا لست رهينة ولا أقبل إلا الحرية، وعلى من يحبونني أن يعذروني مهما كانت النتائج، لكنني لن أقبل الذل ولا الإهانة، وإما أن أكون حراً أو شهيداً.

القيق.. الزوج والأب

أدى القيق عمله الصحفي في الغالب من البيت، هذا الوضع جعله دائماً قريباً من أسرته، لذلك تضاعف الفراغ الذي تركه على هذه الأسرة بعد اعتقاله، لقد كان شريكاً لزوجته في كل شيء، في العمل الصحفي، وفي تربية الأبناء، وفي القيام على شؤون عائلتهما، تقول زوجته: في وقت حاجتي للتفرغ للعمل، كان يسارع لأخذ أبنائنا وتهيئة أجواء العمل لي، كان يشجعني جداً على العطاء، وفي لحظات تقصيري يحثني على الاستمرار والتواصل وأداء مهامي الإعلامية كما يجب.

تعلق الابن البكر إسلام (ثلاث سنوات ونصف سنة) كثيراً بأبيه، في البيت والمسجد وفي الزيارة لبيت الجدة والجد يصطحبه معه، فهو كأب لم يضع حواجز بينه وبين أبنائه، لم يرد أن تكون علاقاته بأبنائه تقليدية، بل علاقة قوية تصقل شخصية جيدة لأبنائه، وقائمة على الاحترام للآخر مهما كان عمر هذا الطفل، وتوضح شلش: إذا وجد إسلام يشاهد قناة أطفال، يناقشه كثيراً كي يتمكن هو من مشاهدة الأخبار، كان يراعي نفسية الأطفال مهما كانوا صغاراً في السن، لا يحاول أن يستغل السن في تمرير ما يعارض رغبة ابنه، حتى لو كان الأمر على حساب راحته.

أما الصغيرة لور (عام ونصف عام)، فلها نصيب الأسد من “معزة” أبيها، كان القيق يشعر بأن الفتاة بحاجة أكثر للحنان والاهتمام من الوالدين، تتذكر هنا شلش كيف كان شوقه لصغيرته يجعله ينهضها من نومها كي يلعب معها ويمازحها، وتضيف: كان حريصاً على أن تكون شخصية أبنائه محبة للخير، وتحترم الآخرين كما هو.

تأثرت أيضاً بغياب القيق عائلته المقيمة في دورا (الخليل)، فهي اعتادت أن تنتظر دائماً هذا القادم من رام الله، الابن البار الذي يتقن إدخال السرور والسعادة على قلب والديه، يخلق جواً من المرح لا ينافسه عليه أحد من العائلة، تقول زوجته: البعض يسأل عن سر تماسكي في هذه المأساة، أجيبهم أن السبب محمد، هو من أرادني أن أكون قوية جداً في غيابه، هيأني جداً لغيابه، طلب مني أن أتابع كل شيء في غيابه كي أكمله.

معاناة وتقصير رسمي

بعد أربعة أيام من اعتقاله وتعرضه للتعذيب الشديد أعلن القيق إضرابه المفتوح عن الطعام، واستمر حتى بعد تدهور حالته الصحية التي دفعت الاحتلال لنقله إلى مستشفي العفولة.

شلش لا تعلم حتى الآن مدى خطورة الوضع الصحي الذي لحق بزوجها بعد أكثر من 60 يوماً من الإضراب، تقول: إن وضع الأسرى المضربين عن الطعام صعب للغاية، الخطر الأكبر ينحصر في صحتهم، وتشير إلى أن التحركات الاحتجاجية لفضح الاحتلال “الإسرائيلي” تبدأ من عائلة الأسير، فعائلة القيق تواجدت وحدها في الميدان، أما على المستوي الرسمي، فبعد اليوم الخامس والثلاثين من الإضراب بدأ مسؤولو السلطة بالاتصال بهذه العائلة.

تصف شلش المستوى الرسمي الفلسطيني بأنه “مقصر”، وتضيف: يقولون لنا: إن هناك جهوداً تُتخذ على المستوى الرسمي، لكننا لم نلمس شيئاً حتى الآن، طلبنا منهم أن يطلعونا على ما يحدث من قبلهم، على الأقل من أجل تحسن نفسيتنا بمعرفة تلك التحركات، لكن لم يحدث ذلك، لذلك تطالب زوجة القيق المسؤولين في السلطة الفلسطينية ومنظمات شؤون الأسرى بالوقوف على حقيقة وضع زوجها، وتختم حديثها بالقول: نؤمن بأن الله لن يخذلنا، كما أن محمداً ورغم قلقنا على وضعه الصحي لا يُخاف عليه، لكننا بحاجة للدعم والوقوف إلى جوارنا.

Exit mobile version