خاص: تونس.. في مثلث الأزمات

تعيش تونس هذه الأيام فترة حرجة من تاريخها، عادت فيها الاحتجاجات الاجتماعية إلى واجهة الأحداث بوتيرة تذكر بالأيام الأولى لثورة الحرية والكرامة التي انطلقت في 17 ديسمبر 2010م، وتوجت بفرار الطاغية المخلوع بن علي في 14 يناير 2011م، وقد تحقق في السنوات الخمس الأولى من الثورة مطلب الحرية والممارسة الديمقراطية، لكن الوضع الاجتماعي ازداد سوءاً بسبب عدة عوامل؛ منها فرار المستثمرين الأجانب بفعل المطالب لبعض المزايدين في الساحة السياسية، والناشطين النقابيين في بعض اتحادات العمال المرتبطين بهم، حيث نفذوا خلال عامين أكثر من 40 ألف إضراب عن العمل، منهم إضرابان عامان، وتغول الوسطاء بين المنتج والمستهلك، وهو ما يترجمه ارتفاع الأسعار، في ظل غياب مراهنة حقيقية على الزراعة، والاهتمام بالمزارعين، وتفشي ظاهرة التهريب والاقتصاد الموازي الذي زاد على 50%.

كل ذلك سبَّب حالة من الاحتقان ثم الانفجار على إثر انتحار الشاب رضا اليحياوي يوم السبت 16 يناير بمدينة القصرين، بعد أن ألقى بنفسه على أسلاك عمود كهربائي؛ احتجاجاً على حذف اسمه من قائمة المرشحين للعمل.

أجواء الاحتقان

أفرزت انتخابات أكتوبر ونوفمبر 2014م خارطة سياسية جديدة، وتمكن حزب نداء تونس من الحصول على مرتبة الحزب الأول في “مجلس نواب الشعب” (86 مقعداً)، كما فاز رئيسه بمنصب رئيس الجمهورية، وكانت لتركيبته المتنوعة، متمثلة في كوادر وقواعد نظام المخلوع بن علي، والتيار اليساري الذي خرج من جبة الماركسية اللينينية، وأصبح أرجل طاولة لنظامي بورقيبة، وبن علي، ثم عراب عودة النظام السابق من خلال نداء تونس، لمواجهة حزب حركة النهضة، بذرة انفجاره المتواصل منذ عدة أشهر.

حيث حاول الشق اليساري، وبعض المسكونين بالصراع مع الإسلاميين إلى تلغيم العلاقة بين النداء والنهضة، وتمكنوا من إغلاق 74 مسجداً، وإغلاق عشرات الروضات القرآنية، وعزل العديد من الأئمة؛ مما خلق حالة من الاحتقان، لكنها لم تصل لدرجة الانفجار، في الأثناء كان الصراع داخل نداء تونس بين الشقين اليساري والدستور يولد الانفجار وراء الانفجار، وكان من تداعياته التحوير الحكومي الذي شمل كثيراً من الوزراء المثيرين للجدل؛ مثل وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ الذي أغلق المساجد، وعزل أئمة، ووزيرة الثقافة لطيفة لخضر التي استدعت في معرض الكتاب نوال السعداوي، وأدونيس، ووزير الخارجية الطيب البكوش الذي ردد إشاعة وردت في صحيفة حول تأشيرة الدخول لتركيا بينما لا توجد تأشيرة أصلاً لتركيا، فضلاً عن أن تكون هناك خانات منها خانة الذهاب للجهاد في سورية كما زعم سابقاً، ووزير النقل بن رمضان الذي قال: إن غطاء رأس المرأة يقلل السمع بنسبة 30%.

وقد تم عزل هؤلاء ليس بسبب سقطاتهم المذكورة فحسب، بل في إطار الحرب القائمة أيضاً بين شظايا حزب نداء تونس الذي تأخر عن حزب النهضة الذي أصبح الحزب الأول في مجلس نواب الشعب حالياً، وهو الحزب الوحيد المتماسك والمنظم والقادر على التعبئة في تونس.

تركيبة حزب نداء تونس، والصراعات التي لا تزال تشهدها، وعزل الوزراء المذكورين، خلقت مناخاً من الاحتقان والأزمات، بعضها يعود إلى الحملة الانتخابية، والوعود العريضة التي جعلت نحو مليون ونصف المليون من التونسيين يصوتون لحزب نداء تونس، وبعد أكثر من عام على الانتخابات يكتشف الشعب أن ما مناهم به حزب نداء تونس وعود عرقوب، وهناك تأثير متبادل بين المطالب الاجتماعية، وأزمة نداء تونس، وهناك من يربط بين الاستقالات المتواصلة من حزب نداء تونس، والأزمة الاجتماعية، معتبرين ذلك قفزاً من القارب قبل أن يغرق، كما تحول بعض المطرودين من الحزب والمستقيلين منه إلى محرضين على الاضطرابات، كما أكد ذلك بعض القياديين في الحزب كعلي الزرمديني الذي اتهم أيضاً أطرافاً إقليمية بتمويل المظاهرات.

تداعيات القصرين

لم تقف الاضطرابات الاجتماعية عند القصرين، بل انتشرت في البلدات المجاورة، ثم انتقلت إلى عدة محافظات أخرى، واتسمت بعض المظاهرات بالعنف؛ حيث تم اقتحام مراكز المحافظات في القصرين، والقيروان، وأحرقت بعض مراكز الأمن، وأغلقت بعض الطرقات، كما شهدت العاصمة تونس مظاهرات ووقفات احتجاج، وقد صدرت العديد من المواقف وردود الأفعال الحكومية والحزبية ومن المنظمات المهنية، حيث أكدت الحكومة حق التظاهر وحماية الحريات، وأعلنت عن جملة من الإجراءات لصالح أكثر من 5 آلاف شاب من أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل في القصرين، وتسوية وضعيات أكثر من 1400 شاب وإحداث 500 مشروع صغير؛ وهو ما ساهم في اندلاع مظاهرات في أماكن أخرى لنفس الفئة تطالب بنفس الإجراءات لصالحها، رغم إدراجها في برنامج لتوظيف عدد كبير من حملة الشهادات بها.

وقد اختلفت مواقف الأحزاب السياسية، والمنظمات المهنية من الأحداث، حيث حاول بعضها الركوب على المطالب الشعبية، ومحاولة تدجينها لصالحها، بينما أنكرت أخرى على الشباب العاطل عن العمل احتجاجه ولا سيما استخدام البعض للعنف.

حركة النهضة أصدرت بياناً أكدت فيه تفهمها للمطالب المشروعة للمحتجين، ودعت إلى المحافظة على سلمية التحركات وتجنب المساس بالممتلكات العامة والعنف، كما دعت في نفس البيان إلى الإسراع في تنفيذ المشاريع المقررة في المناطق المهمشة، وحذرت من محاولات توظيف المطالب المشروعة لخدمة أجندات حزبية معروفة، وقال رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان، نور الدين البحيري لـ”المجتمع”: كل حر لا يمكنه سوى مساندة حق إخوة له في العمل والاحتجاج السلمي، وهو حق كفله الدستور، مع التأكيد أن بلادنا مستهدفة، ولا ينبغي أن نفتح المجال للصائدين في الماء العكر في الداخل والخارج ليحققوا مآربهم، وعلى من حرض لإسقاط الدولة الديمقراطية أن يتحمل مسؤوليته.

وتابع: على الحكومة الاستجابة للمطالب والتفاعل الإيجابي مع أصحاب الحق، وتطبيق القانون على المتجاوزين.

Exit mobile version