نيجيريا: ملف الطائفية في واجهة الأحداث

جاءت الأحداث الأخيرة في نيجيريا عاصفة لما اتصفت به من عنف؛ ما جعل معظم من كانوا ينظرون إلى الحديث عن الخطر الشيعي في أفريقيا جنوبي الصحراء نوعاً من المزايدة السياسية يعدلون من تقييمهم للأوضاع.

قبل التعرض لتفاعلات القضية وما نتج عن ذلك من مواقف، وبالتالي محاولة استشراف ما سيؤول إليه الوضع فيما يتعلق بالملف الشيعي في المنطقة عموماً وفي نيجيريا على وجه الخصوص، نستعرض بعض محطات القضية وتجلياتها، ممهدين بإعطاء لمحة عامة عن الوجود الشيعي في منطقة غربي أفريقيا وبدء تسللها إلى نيجيريا.

انطلاقاً من الفتح الإسلامي حتى انطلاقة الثورة الإسلامية في إيران، بقيادة آية الله الخميني في نهاية الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، ظلت منطقة غربي أفريقيا خالية من أي وجود شيعي معتبر إذا استثنينا الجالية اللبنانية التي وصلت إلى المنطقة عرضاً، ثم أوعز إليها الاحتلال الغربي حينه بالبقاء ليستغلها فيما بعد في مشاريعه الخاصة وفي مهمات غير شريفة من تجسس وتهريب ومساعدة في استغلال الشعوب، فضلاً عن ذلك الوجود الباهت للفرقة الإباضية التي أشار إليها بعض الباحثين.

وباندلاع الثورة الإيرانية حدث تحول ملحوظ في الوضع حين نشطت مجموعات من الدعاة إلى التشيع من داخل الجاليات اللبنانية، وبقيادة دعاة وفدوا إلى المنطقة من مصدرين أساسيين من إيران تحت العباءة الدبلوماسية ومن لبنان، وتم تنفيذ هذا المخطط في إطار برنامج تصدير الثورة التي سخرت له إمكانات بشرية ومادية هائلة.

في مرحلة تالية أخذ هذا الاهتمام بعداً آخر، وذلك حين قامت الدولة الإيرانية بتبني ملف نشر التشيع، كما نلمس ذلك في عدد من الخطوات تتمثل أساساً في إنشاء مؤسسات متخصصة لمتابعة الملف، قيام بعض الرؤساء الإيرانيين بزيارة بعض البلدان التي يراهنون عليها أكثر، عقد اجتماعات سنوية لمدارسة الوضع في أفريقيا مع إعطاء أهمية خاصة للجانبين الاقتصادي والإعلامي.

وقائع حادث الصدام

وفي نيجيريا تجمع الدراسات التي رصدت الوجود الشيعي في البلاد على أن تشيع إبراهيم يعقوب الزكزاكي، بعد أن تحول من المذهب السُّني نتيجة اتصاله بالمراكز الشيعية، شكلت نقطة تحول كبير لهذا الوجود، وذلك بعد أن كان أحد أنشط الدعاة السُّنيين في البلاد.

بلغت أهمية الرجل أن تناقلت وسائل الإعلام الشيعية وقائع الحفلة التي نظمتها السلطات الإيرانية للاحتفاء بزعيم الطائفة الشيعية في نيجيريا إبراهيم يعقوب الزكزاكي؛ ومنذ ذلك التاريخ عمل الرجل على توسعة قاعدة الوجود الشيعي في نيجيريا، ويبدو أنه استغل الوضع الناجم عن ظهور جماعة “بوكو حرام” على المسرح حيث كانت السلطات لم تكن في وضع تمكنها من فتح جبهة أخرى؛ ما شجع النحلة على التغول كما يظهر في ميلها إلى تضخيم أرقام عدد المتشيعين على طريقة المنظمات التنصيرية كما ردد رفسنجاني الذي زعم بأن عدد الشيعة في نيجيريا الذي تجاوز عدد سكانها 170 مليون نسمة يوازي 10 ملايين شخص.

أما الحدث الذي وقع نهاية عام 2015م، وقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية صوراً دامية جراء الصدام الذي وقع في مدينة زنفرا بولاية كادونا في جمهورية نيجيريا الفيدرالية، بين قوة أمنية وجموع غاضبة من النحلة الشيعية وسقط جراءها عدد من الضحايا من قتلى وجرحى بما في ذلك الشيخ محمود محمد توري الرجل الثاني في النحلة في نيجيريا الذي لقي مصرعه أثناء الحادثة الأليمة بينما جرح زعيم الطائفة الشيخ إبراهيم يعقوب الزكزاكي قبل أن يتم إلقاء القبض عليه ومن ثم اقتياده إلى مكان مجهول.

وباعتماد الرواية التي قدمتها قيادة الجيش النيجري فإن اندلاع الفتنة يعود إلى أعمال الشغب التي قامت بها مجموعة شيعية اعترضت موكب رئيس أركان الجيش توكور يوسف بوريتاي الذي كان في زيارة للمنطقة، محاولة اغتياله ووصل الاستفزاز إلى درجة الاستهتار حين قام المشاغبون بإطلاق النار على الموكب الذي كان معه وأصيب عدد من الجنود جراء ذلك، وهو الأمر الذي برر لجوء الجيش إلى استخدام القوة للرد على المهاجمين وأسفر ذلك عن وقوع قتلى وجرحى.

ردود فعل صادمة

وقد كانت ردود الفعل على الحادث صادمة، ووصل الأمر إلى مستوى مخاطبة السلطات النيجيرية بلهجة حادة تنم عن الأهمية التي تحظى بها المجموعة الشيعية في نيجيريا لديها، حتى زعم بعضهم بأن إبراهيم يحظى بقيمة لدى “حزب الله” اللبناني أعلى من موسى الصدر، كما يعكس ذلك أيضاً التصريح الذي صدر عن المرجعي الشيعي العراقي مقتدى الصدر الذي أطلق فيه على الحكومة النيجيرية نعت “الداعشية التي تمارس إرهاب الدولة تجاه أهل البيت”، بالإضافة إلى محاولة مكشوفة لتدويل القضية.

وعلى مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، ترددت أصداء الحادثة بقوة، فسمعنا نداءات متطرفة تطالب بإرسال فرق من “الحشد الشعبي” إلى نيجيريا لمعالجة الموقف، وبمعنى آخر من أجل الثأر للضربة الحادة التي تلقتها النحلة الشيعية في نيجيريا، كما اقترح آخرون تشكيل فرق تستهدف الجيش ومصالح نيجيريا في الخارج لردع الآخرين كي لا يقوموا بإبادة الشيعة، بينما طالب آخرون بتحويل نيجيريا إلى كربلاء.

ونقرأ في البيان الرسمي الذي صدر بعد ذلك عن الحكومة النيجرية وبتوقيع حاكم ولاية كادونا الحاج ناصر الرفاعي عندما وجه خطاباً عبر وسائل الإعلام خاطب فيه الشعب النيجري والرأي العام العالمي مع التأكيد على أنه يتكلم باسم الحكومة الفيدرالية لحكومة نيجيريا الفدرالية، واستعرض في البيان عدداً من الممارسات التي قامت بها النحلة الشيعية في نيجيريا، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

التعدي على سلطة الدولة ووصل الأمر، كما قال البدوي، إلى محاولة نصب حكومة مستقلة لا تخضع لسلطة الدولة ولا تبالي بأنظمتها.

الاعتداء على المرافق العامة بما في ذلك سد الطرقات العامة واحتلال المدارس وتعطيلها أياماً لإقامة أنشطتهم الدينية فيها، وبناء مساجد وحسينيات دون الحصول على ترخيص رسمي.

السعي إلى إشعال سلسلة من الفتن وظفوا فيها مختلف الوسائل بما في ذلك أسلحة نارية، وبناء على هذه الحيثيات أصدرت السلطات جملة من القرارات، أيدها معظم حكام الولايات، تهدف إلى لجم غلو النحلة الشيعية.

خوفاً من انفلات الأوضاع ارتأت الحكومة الإيرانية اللجوء إلى خيار التهدئة؛ ما جعل الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد التنديد بالواقعة، لكن المتابع يلاحظ أن المراجع الشيعية تعمدت نقل الموضوع من إطاره الخاص به باعتباره حادثة وقعت في دولة بعينها إلى محاولة إقحام المملكة العربية السعودية في الموضوع كما فعل رسفنجاني.

في هذا الإطار تندرج تصريحات إبراهيم موسى الناطق بالشيعة في نيجيريا، والتي ادعى فيها بأن المملكة العربية السعودية هي التي تقف وراء هذه الأحداث، بالإضافة إلى زعمه بأن عدد القتلى من جماعته قد تجاوزت الألف.

تداعيات الموقف على المنطقة

أما التداعيات التي يتوقع أن تنجم عن الحادثة في نيجيريا وفي عموم منطقة غربي أفريقيا فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولاً: قيام الحكومة النيجرية بتغيير جذري في خططها فيما يخص تعاملها مع ظاهرة التشيع في نيجيريا التي ظلت تغض الطرف عنها منذ بدايتها بعد الثورة الإيرانية مباشرة، ويظهر أن الاتجاه الحازم سيكون سمة المرحلة القادمة.

ثانياً: يمكن أن يؤدي ما حدث إلى إدخال تعديلات في الخطط التي تتبناها القيادة الشيعية المسؤولة عن نشر الفكر الشيعي في غرب أفريقيا، كما اقترح الناطق باسم شيعة نيجيريا.

ثالثاً: بدأ الاتجاه السُّني الذي ظل يتعامل حتى الآن مع تمدد الظاهرة الشيعية بقدر من التحفظ، يتبنى رؤية جديدة تقوم على خيار المواجهة، كما بدأنا نلمس ذلك في التقارير والتصريحات والبيانات التي صدرت إثر الحادثة.

رابعاً: بعد أن كانت الأنظمة السياسية في المنطقة تعطي كل اهتمامها لاحتواء ظاهرة الجماعات السُّنية المسلحة، بدأت تولي اهتماماً متزايداً للتيار الشيعي.

Exit mobile version