اشتراطات “السلطة” تؤزِّم معبر رفح وتعمِّق مأساة القطاع

يمثّل معبر رفح السمة الأبرز لمعاناة المواطنين في قطاع غزة الذين سُدت عليهم منافذ الحياة كافة، ليعيشوا فيما بات يطلق عليه “سجن كبير”، حيث ساهم الإغلاق المستمر لمعبر رفح من قبل الجانب المصري في تفاقم المأساة لدى المواطنين, فكثير من المرضى يتكدسون أمام بوابة المعبر لا يستطيعون السفر للخارج للعلاج، ومنهم من فقد حياته وهو ينتظر الإذن له بالعبور، وهناك من الطلبة الذين يدرسون في الجامعة العربية والأوروبية حُرموا من إكمال تعليمهم في تلك الجامعات بعدما منعوا من السفر، فضلاً عن أن إغلاق المعبر أوقف توريد المواد الغذائية، ومواد البناء، والوقود اللازم لمحطة توليد الكهرباء، وغيرها الكثير من لوازم الحياة الأساسية التي انعدمت نتيجة الإغلاق المستمر لبوابة قطاع غزة الوحيدة نحو العالم الخارجي، لتتكرّس المأساة ويزداد واقع الحياة صعوبة، ومن هنا أصبح معبر رفح يمثل السمة الأبرز لمعاناتهم، ويحتل الصدارة في الأزمات التي تعصف بهم.

400 يوم على الإغلاق

ومؤخراً برز على السطح الحديث حول معبر رفح؛ وهو ما فتح صفحة جديدة من المناكفات السياسية الحادة بين حركتي “فتح” و”حماس” حول المتسبب في أزمة المعبر، والمسؤول عن ذلك، فحركة “فتح” تتهم “حماس” بالتعنت في تسليم السلطة الفلسطينية إدارة المعبر كما اتفق عليها في اتفاق المصالحة بين الطرفين العام الماضي، بينما تؤكد حركة “حماس” وعلى لسان نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق أنها عرضت على السلطة تسليم معبر رفح، وأن يكون تحت إشرافها، لكنها رفضت، مضيفاً أن حركته عرضت أن يعود من كان يعمل في المعبر سابقاً مع القائمين على العمل الآن، وتحت إشراف الحكومة، ولكن الأخيرة تماطل في ذلك.

واستنكر أبو مرزوق الدعوات المطالبة بتسليم المعبر، مشيراً إلى أن من يديره فلسطينيون، وليسوا قوة احتلال.

والجدير بالذكر أن الدعوات انطلقت في ظل استمرار إغلاق معبر رفح من قبل الجانب المصري لأكثر من 400 يوم بشكل شبه متواصل، ولم يفتح بحسب إحصائيات رسمية خلال هذه المدة سوى 25 يوماً فقط تخللها 6 أيام للأموات فقط من أجل السماح بإدخال جثث لمرضى وجرحى توفوا أثناء تلقيهم العلاج في المشافي المصرية والعربية، ويبرر الجانب المصري ذلك بالدواعي الأمنية الموجودة في سيناء، وهو المبرر الوحيد الذي يسوقه الجانب المصري في إغلاقه المستمر لمعبر رفح.

أهداف السلطة الفلسطينية

وحول الهدف من وراء مطالبات السلطة الفلسطينية حركة “حماس” بتسليم إدارة المعبر لها، يشدد الباحث والمحلل السياسي إبراهيم حبيب على أن القضية ليست معبر رفح، وإنما هناك الكثير من الأهداف تريد السلطة تحقيقها من وراء قيادتها لمعبر رفح؛ أبرزها محاربة حركة “حماس” بكل ما في هذه الكلمة من معنى، لافتاً إلى أن “حماس” طلبت من حرس الرئيس التابع للسلطة الفلسطينية التدخل واستلام إدارة المعبر، ولكن ما هو واضح أن هناك نية مبيّتة بألا يكون تواجد لأي موظف تابع للحكومة الموجودة في غزة في هذه المعابر، إضافة إلى تلك الأهداف تريد السلطة التحكم في أحوال الناس وتحركاتهم، وتشديد الخناق على المقاومة، فكل من له علاقة بالمقاومة أو بـ”حماس” سيمنع من السفر ويمنع من إصدار جواز سفر خاص به، وهذا ما كان معمولاً به عندما كانت السلطة الفلسطينية تتحكم في المعبر قبل عام 2007م.

النظام المصري والفصائل

ويوضح حبيب في حديثه لـ”المجتمع” أن قضية معبر رفح هي مصلحة فلسطينية، ويجب ألا يكون هناك تفرد في القرار من قبل جهة بعينها، مبيناً أن عباس والسلطة المصرية الجديدة بقيادة عبدالفتاح السيسي يحاولان محاربة حركة “حماس” بكل السبل والوسائل المتاحة، لافتاً إلى أن ما يجري هو عمل غير إنساني وغير وطني وغير أخلاقي، لأنه مهما كانت الخلافات بين “حماس” و”فتح” مستحكمة، فإن المواطن يجب أن يكون في منأى عن تلك الخلافات حتى لا يكون هو الضحية.

ويشترط النظام المصري تسهيل حركة المرور من وإلى قطاع غزة عبر معبر رفح بتسليم المعبر للسلطة الفلسطينية، لكن الكاتب إبراهيم حبيب يقول: إن هذا الأمر يأتي لذرّ الرماد في العيون، فالسلطة الفلسطينية كانت موجودة في عام 2007م، ولم يكن المعبر يفتح بشكل جيد، وإن كان يعمل بوتيرة أفضل مما هي عليه الآن، لافتاً إلى أن الأوضاع في سيناء معقدة، والأحداث تتدهور في كل يوم؛ وبالتالي لن تسير الأمور بالطريقة التي يتخيلها البعض.

وبخصوص دور الفصائل، يقول الخبير الأمني: إن الفصائل الفلسطينية لها دور مهم في كشف كل من يحاول التزييف في هذا الأمر، لكن الواقع غير ذلك، فالفصائل الفلسطينية هي صامتة، وربما تشترك في المؤامرة على القطاع بسكوتها السلبي، فكان من المفترض أن تبين هذه الفصائل خطأ المخطئ سواء كانت حركة “حماس” أو “فتح”، وتكشف الخطأ وتظهر ذلك للجميع، أما أن ترتبط هذه الفصائل بمصالحها الخاصة، وحساباتها الداخلية فسيكون لهذا الأمر مضار كبير على الوطن وعلى المواطنين.

تساؤلات منطقية

وبرأي يسوده المنطق والحكمة، يقول القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ذو الفقار سورجو: إن تسليم معبر رفح لحرس الرئيس يعني تخفيف الحصار عن قطاع غزة، ورفع المعاناة عن الطلبة، وأصحاب الإقامات والمرضى، وهذا المطلب هو مصري بالأساس بسبب الموقف المصري المعلن من حركة “حماس”، ولكن يبقى السؤال: هل فعلاً مؤسسة الرئاسة معنية بهذا الأمر، ولديها الاستعداد لتسلم المعبر دون فرض شروط جديدة على الجهة المسيطرة على غزة؟ في إشارة إلى حركة “حماس”.

ويضيف القيادي في الجبهة الشعبية: قد يقول البعض بضرورة تمكين حكومة الوفاق من القيام بمهامها في غزة، وهنا سؤال جديد: هل حكومة الوفاق ستتعامل مع الجميع بالمثل كالموظفين مثلاً، وسفر الممنوعين من السفر؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا لا ندعو الإطار القيادي المؤقت للانعقاد لكي نطبق هذه الرؤية وفوراً؟ لافتاً إلى أن هذا السؤال لا نجد له جواباً منذ أشهر.

وشدد سورجو على ضرورة تسليم المعبر، وأن تعم العدالة في التعامل بين كل المواطنين، وأن تمكن حكومة الوفاق مع الحفاظ على سلاح المقاومة واعتباره خطّاً أحمر، وتشكيل قيادة وطنية موحدة لحماية الانتفاضة وسلاح المقاومة.

ويربط معبر رفح البري قطاع غزة بمصر، وهو معبر مخصص للأفراد فقط، والمنفذ الوحيد لسكان القطاع على الخارج، وتغلقه السلطات المصرية بشكل شبه كامل، منذ يوليو 2013م، وتفتحه استثنائياً.

Exit mobile version