بنجلاديش.. والسقوط إلى الهاوية!

تزايدت التقارير والتحليلات والأنباء عن أن الأوضاع في بنجلاديش تسوء يوماً بعد يوم، وأن هناك توقعات بانهيار الدولة برمتها، فرغم أن الحكومة في داكا تصر على أنها تسيطر على الأوضاع ولا تشعر بأي خطر على البلاد؛ فإن التقارير الواردة تؤكد أن هذه التصريحات مجافية للواقع.

حيث يقول مراقبون في باكستان: إن الحكومة الباكستانية لم تقرر اللجوء إلى التصعيد والخروج عن صمتها من فراغ؛ حيث إنها تلقت ما يفيد بأن هناك حراكاً سياسياً قادماً سيقلب الحكم برمته.

وحسب هؤلاء المراقبين، فإن رئيسة وزراء بنجلاديش في أزمة حقيقية، وتواجه وضعاً قلقاً، وباتت أكثر من أي وقت مضى تخشى من مستقبلها السياسي بعد أن أسرفت في الإعدامات، ومضت تتجاوز كل المعقول في معاقبة جميع من خالفها وخالف حزبها وحكمها تحت مسمى محاربة الإرهاب والمفسدين والمهددين للأمن القومي.

وحسب محللين، فإن بنجلاديش تمر اليوم بأحد أخطر حقبها السياسية، وأن هناك ناراً تحت الرماد بدأت تشتعل وتخرج إلى العلن داخل مؤسستي الجيش والمخابرات، وبين فئات واسعة من السكان الرافضين لسياسة الإعدام غير المبررة، والتي لا يشم منها سوى رائحة الكراهية والانتقام والثأر. 

مؤشرات الانهيار

يرى مراقبون أن هناك مؤشرات ظهرت في الأشهر الأخيرة توحي بأن بنجلاديش على حافة الانهيار، وأن هناك تهديداً حقيقياً ستواجهه، وأنها قد تعرض سيادتها للخطر، ويتمثل ذلك في:

– “داعش” وأخواتها: فقد ازدادت الأنشطة الإرهابية في بنجلاديش مند مطلع عام 2015م، واستمرت الاغتيالات والهجمات الإرهابية دون توقف في أنحاء مختلفة من بنجلاديش بما فيها العاصمة داكا، ولقي 7 من الرعايا الغربيين ومن الكتَّاب مصرعهم في سلسلة من الهجمات الإرهابية، وسارع “تنظيم الدولة” (داعش) إلى تبنيها وإعلان مسؤوليته، وتعرض مسؤولون أمنيون لهجمات إرهابية في الفترة نفسها أدت إلى مقتل بعضهم وإصابة آخرين، وكانت جماعة تدعى “جيش الحفاظ على بنجلاديش”، وحركة أخرى اسمها “حركة الجهاد الإسلامي العالمي” أعلنتا مسؤوليتهما عن هذه الهجمات.

وتعترف الحكومة أنها ألقت القبض على ضباط في الجيش وقوات الأمن على علاقة بهذه التنظيمات، وأنهم كانوا يخططون لشن هجمات داخل الجيش ومفاصل الدولة، وقد اتهمت حكومة حسينة الجماعة الإسلامية بالتورط في هذه الهجمات والاغتيالات؛ بحجة أنها تنتقم لمقتل وإعدام قادتها؛ الأمر الذي نفته الجماعة الإسلامية، مؤكدة أنها لا تؤمن بممارسة العنف لتحقيق أهدافها السياسية، وأن منهجها سيبقى العمل السلمي والوسائل القانونية لا غير.

وربما كان هدف الحكومة من محاولتها ربط الاغتيالات بالجماعة الإسلامية هو تبرير عمليات الإعدام التي تنفذها ضد الزعماء الإسلاميين والوطنيين في بنجلاديش.

ويرى مراقبون أن ظهور “داعش” في بنجلاديش أمر غير سار للمنطقة؛ لأنه سيستغل أجواء الغضب بين الإسلاميين بصورة عامة ضد الحكومة ليقوم بتجنيد المقاتلين الذين سيقومون بأعمال إرهابية.

– أنباء التمرد في صفوف الجيش: وكانت أنباء متفرقة قد تحدثت عن أن هناك تمرداً وتوتراً كبيراً في صفوف الجيش؛ بسبب تدخل الحكومة السافر في تعيين الضباط، والإشراف على سياسة الجيش، ومعاقبة من يشم منه رائحة التدين أو الوطنية أو عدم المولاة للحكومة، وقد قامت الحكومة بإفشال أول تمرد ضدها داخل قوات الجيش في عام 2011م، وقد أسفر عن ذلك سقوط العشرات من المجندين والضباط في القوات الجوية، وجرى بعدها القبض على عدد من الضباط الكبار، واتهموا بأنهم متعاطفون مع الجماعة الإسلامية ومع حزب رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء، ووجهت لهم تهم الخيانة وتدبير انقلاب عسكري ضد النظام.

ووفقاً لمصادر، فإن حالات التمرد داخل القوات البنجالية لم تتوقف رغم القسوة التي جوبهوا بها، وعمليات الإعدامات والسجن؛ وهو ما جعل حسينة واجد تعيد تغيير ضباط الجيش والمخابرات لعدة مرات منعاً لحدوث تسلل أشخاص لا ترغب فيهم وقد يهددون حياتها، وباتت رئيسة الوزراء حسينة واجد تشعر بكثير من القلق من مؤسستي الجيش والاستخبارات، وتحيط نفسها بقوات خاصة أجنبية لتوفير الحماية لها بعد أن باتت تخشى عمليات انتقامية مما تقوم به شهرياً من تقديم أشخاص طاعنين في السن إلى حبل المشنقة، ولا يشفى غليلها إلا بقتل المزيد ممن تقول: إنهم تورطوا في إعدام والدها ووالدتها وأفراد أسرتها.

وكانت حسينة واجد قد ألغت العشرات من رحلاتها إلى الخارج وحضور المؤتمرات الدولية لدواعٍ أمنية في الأشهر الماضية، وكان آخرها إلغاء زيارة لها إلى كل من مالطا التي استقبلت رؤساء دول الكومنولث في اجتماعهم السنوي، وفرنسا التي استقبلت رؤساء دول العالم لمناقشة خطر المناخ، وبررت الحكومة في بنجلاديش غياب حسينة واجد لدواعٍ أمنية، لكن الحقيقة أنها باتت أكثر من أي وقت تخشى انقلاباً عسكرياً عليها، أو تمرداً ضدها سيقوده الجيش بقيادة الضباط الوطنيين الرافضين للهيمنة الهندية.

– تدهور الأوضاع الأمنية: ويشير خبراء إلى أن سياسة حكومة حسينة واجد من جهة، وشروع مجموعات مسلحة في استهداف المنظمات الغربية غير الحكومية التي تعتبر في بنجلاديش المصدر الرئيس للاقتصاد المحلي والمورد المالي المهم جداً لهذا البلد، قد أدى إلى إغلاق العشرات من هذه المنظمات مكاتبها ومغادرة بنجلاديش لدواعٍ أمنية، وخشية على أرواحهم، وفسر هؤلاء ذلك بأن بنجلاديش لم تعد قادرة على حمايتهم بعد أن لقي عدد من هذه المنظمات مصرعهم في هجمات للمسلحين.

ورغم الاعتقالات الأخيرة، فإنها لم تمنع من تجدد الهجمات المسلحة التي باتت تركز على رؤساء المنظمات الغربية الشهيرة في بنجلاديش، والتي تقدم مساعدات كبيرة جداً للسكان الفقراء والطبقات المختلفة، وتمارس دوراً رئيساً في اقتصاد بنجلاديش؛ من خلال إقامتها سلسلة من الشركات والمصانع، وتبلغ استثماراتها في بنجلاديش مئات الملايين من الدولارات.

ويقول المراقبون: إن إغلاق هذه المنظمات ومغادرتها البلاد سيكون بمثابة دق ناقوس خطر في هذا البلد الذي يعتبر من أفقر دول العالم، حيث تتحدث التقارير عن أن أكثر من نصف سكانه البالغين 250 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر، وأنها دولة مهددة على الدوام بالكوارث الطبيعية، ويزيد فيها العاطلون عن العمل عن 30%، ولا تمتلك ثروات معدنية، ولا منافذ على العالم الخارجي.

التحرك الباكستاني

وإزاء هذه الأحداث والتطورات السلبية المتلاحقة، قررت باكستان اتخاذ خطوات عملية مثل:

– تدويل الجرائم المرتكبة في بنجلاديش: فقد قررت باكستان اللجوء إلى محكمة الجرائم الدولية لتقديم شكاوى ضد بنجلاديش عن قتل أشخاص أبرياء خارج القانون.

وكانت باكستان قد أعلنت عن أنها ستدافع عن نفسها أمام المحاكم الدولية أو أي جهة مختصة؛ لأن الحكومة في داكا انحرفت عن تعهداتها وتخلت عن التزامها بمعاهدة عام 1974م التي جرى التوقيع عليها بين الهند وباكستان وبنجلاديش، والتي تمثلت في أن تمتنع الدول الثلاث عن القيام بأي عمل انتقامي  ضد أشخاص اختاروا الوقوف إلى جانب دولة أخرى.

ويقول الباكستانيون: إن المعاهدة كانت تقتضي عدم معاقبة أي مواطن من بنجلاديش أيَّد باكستان ورفض الانفصال عنها ووقف سياسياً وعسكرياً ضد الانفصال، والأمر نفسه مع باكستان حيث كان عليها الامتناع عن معاقبة أي مواطن باكستاني أيَّد الانفصال وساند البنغال في استقلالهم، والأمر نفسه مع الهند.

– تقديم الدعم السياسي والإعلامي للمعارضة: يقول المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء الباكستاني عرفان صديقي: إن الحكومة الباكستانية قررت المجاهرة بتأييدها المعارضة في بنجلاديش، والإعلان عن أنها ستقدم لها دعماً سياسياً وإعلامياً وأخلاقياً، وأنها ستتضامن مع أسر المظلومين والمعتدى عليهم من أفراد الحزب الذي تقوده خالدة ضياء والجماعة الإسلامية.

وفي رأي عرفان صديقي، فإن باكستان ترى أن حقيقة الأمر اليوم هي أن حكومة حسينة واجد تريد إخفاء فشلها وإخفاقاتها أمام السكان، وإعادتها البلاد عشرات السنين إلى الوراء، وحتى تخفي هذا الفشل أخذت تُشغل الرأي العام بقضايا ثانوية، وتصرف أنظارهم عن الوضع المعيشي المنهار بالحديث عن متورطين في تهديد البلاد وفي اعتقالات تستهدف الإسلاميين بحجة تأييدهم لباكستان.

السيناريو المجهول

وفي خضم هذا المناخ المتوتر ومغادرة المستثمرين والمنظمات الغربية، فقد باتت أخطار انزلاق هذا البلد ودخوله إلى المجهول هي السيناريو القادم، ويذهب المراقبون إلى أن الجرائم التي ترتكبها حكومة حسينة واجد، والإعدامات التي تنفذها ضد خصومها ومخالفيها ومعارضيها في ظل الصمت الدولي على هذه الانحرافات الخطيرة، فرصة سانحة للمجموعات المسلحة الوافدة من أمثال “داعش” و”القاعدة”، التي وجدت ضالتها في تنظيم القطاعات الغاضبة والمستاءة وقيادتهم للإطاحة بهذه الحكومة التي تقيم حكمها على دعم المنظمات الغربية والمنظمات الكنسية، وفق المقولة الشائعة في هذا البلد “الحكومة تحكم في العاصمة داكا، والمنظمات الغربية تتولى الإشراف على زمام الأمور خارج العاصمة وفي الأرياف والقرى”، وهي تمثل ما مجموعه 70% من مناطق بنجلاديش.

ويبدو أن اختيار المجموعات المسلحة سواء كانت ممثلة في “داعش” أو “القاعدة” أو غيرهما الأهداف الغربية والمنظمات الغربية غير الحكومية رسالة واضحة بأنها ستضع حكومة حسينة واجد في الأمر الواقع بعد أن تُحرم من استثمارات وثروات هذه المنظمات التي مثلت لبنجلاديش منذ استقلالها الوريد الرئيس الذي تتغذى به، وهو ما سيؤدي مع مرور الوقت واستمرار هؤلاء بمغادرة البلاد إلى أزمة خطيرة تخرج السكان إلى الشوارع، وتدخل البلد برمته في سيناريو خطير.

ويتوقع الخبراء في حالة استمرار الوضع على حاله حدوث انقلاب عسكري بقيادة ضباط رافضين هيمنة الهند والغرب على إرادتهم في بلادهم، ومتعاطفين مع القيادات الإسلامية والوطنية التي يتم إعدامها منذ وصول حسينة واجد إلى السلطة، وينهي حكماً شمولياً دكتاتورياً دام نحو 10 سنوات حكم فيه الصوت الواحد، واستخدم فيه الحديد والنار لإسكات الرافضين والمخالفين.

Exit mobile version