تحليل: وهْمٌ جديد بمطروح على غرار شرم الشيخ!

لم يبقَ من أثر لمؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في مارس 2015م، إلا الوهم، كل المشروعات الكبرى، والأرقام المليارية التي أعلن عنها، عبر مذكرات تفاهم، اتضح أنها كانت لزوم التصوير، بدءاً من العاصمة الجديدة، ومروراً بالمليون وحدة سكانية، وانتهاء بمشروعات قناة السويس.

ولكن على ما يبدو أن مروجي الوهم في مصر لا يزالون يمارسون دورهم دون خجل، فأحد المواقع الإخبارية العالمية الشهيرة (cnn) نقل عن موقع أخبار رسمي في مصر، إقامة مشروعات جديدة في منطقة الساحل الشمالي ومطروح، بتكلفة تصل إلى 12 مليار دولار.

نفس السيناريو؛ مستثمرون من الإمارات والسعودية، هم أطراف المشروعات الجديدة، التي أعلن عنها الوفد المصري أثناء زيارته مؤخراً للإمارات، حيث ذكر الخبر أن المشروعات عبارة عن تطوير هضبة عجيبة بمحافظة مطروح بتكلفة تصل إلى 3 مليارات دولار، وتطوير منطقة روميل بتكلفة 4 مليارات دولار.

ومشروعات زراعية وصناعية أخرى بتكلفة 5 مليارات دولار، منها مشروع تطوير المنطقة الغربية بواحة سيوة سياحياً وزراعياً وصناعياً، ومشروعات أخرى لاستصلاح الأراضي بالمحافظة لم يعلن عنها بعد.

والمعلوم أن منطقة الساحل الشمالي، ومحافظة مطروح من المناطق قليلة السكان، ونظراً لغياب مشروعات التنمية بهذه المناطق، فقد تحولت منذ فترة طويلة إلى مجرد مناطق لتجارة الأراضي، والاعتداء على أملاك الدولة، والتنقيب عن الآثار، وتجارة السلاح، وعادة ما يكون حديث المسؤولين الحكوميين عن تعمير وتنمية هذه المناطق مثل الحديث عن تنمية وتعمير سيناء وجنوب الصعيد.

الجديد بالذكر أنه في الوقت الذي يعلن فيه رئيس هيئة الاستثمار عن مشروعات بـ12 مليار دولار، يعلن رئيس الوزراء إسماعيل شريف عن سعي مصر للحصول على 4 مليارات دولار قبل نهاية عام 2015م عبر الاقتراض من بنوك دولية، وبيع أراضٍ للمصريين المغتربين بالخارج، فإذا كانت مصر ستتدفق عليها استثمارات في مشروعات فعلية بـ12 مليار دولار، فلمَ يهرول رئيس الحكومة للاستدانة من الخارج؟!

إن المنطق يحتم بأنه إما أن مؤسسات الحكومة تعمل في جزر منعزلة، أو أن ما يُعلن عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة غير حقيقي، وهو ما يؤيده الواقع في ضوء تجربة ما بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013م.

هيئة الوهم

الملاحظ أن الخبر منقول عن هيئة الاستثمار، وما ورد به تصريحات لرئيس الهيئة علاء عمر، ولا يمكن أن يتصور أن تكون أعمال الهيئة المنوط بها ترويج الاستثمار بمصر، أن تقوم بتضليل الناس في الداخل بهذا الشكل، فضلاً عن إعطاء صورة سلبية لدى المستثمر الأجنبي، فاعتماد الهيئة في كل مرة على الترويج لمذكرات تفاهم، لمشروعات لم ترَ النور، وبهذه الأرقام الفلكية، يعطي انطباعاً بعدم جدية مصر في مجال الاستثمار.

وبطبيعة هذه الممارسات، فإنها لا تتضمن تفاصيل حقيقية عن الجداول الزمنية لتنفيذ ما يعلن عنه من مشروعات، أو أسماء شركات أو أسماء مستثمرين، ولكنها تترك الأبواب مفتوحة، فلا يمكن محاسبة أحد، سواء من المسؤولين الذين أعلنوا عن هذه المشروعات الوهمية، ولا أولئك المستثمرين الوهميين الذين يستخدمون في خداع شعب يلهث خلف السراب.

إن اقتصاداً متعطشاً للنقد الأجنبي في مصر ينتظر هذه التدفقات النقدية المقدرة بـ12 مليار دولار استثمارات؛ أي أن هذا المبلغ سوف يدخل الجهاز المصرفي المصري، فينعش الموارد النقدية لمصر، كما سيحرك قطاعات اقتصادية عدة في مختلف المجالات، وبخاصة أن رئيس هيئة الاستثمار يتحدث عن أن المشروعات تتضمن ما هو زراعي وصناعي وسياحي وعقاري؛ وبالتالي فالدورة الاقتصادية الراكدة في مصر سوف تدب فيها الحياة، ولكن للأسف يبقى هذا كله رهن خداع مسؤولين لم يعد لهم همّ سوى الخروج لوسائل الإعلام للإدلاء بتصريحات غير حقيقية، ولا تمت بالواقع بصلة.

احتكار إماراتي سعودي

ثمة أمر عجيب في ترويح المشروعات الوهمية بمصر، منذ الانقلاب العسكري في مصر، حيث يعلن عادة عن اجتماعات ومؤتمرات ومفاوضات، عن مشروعات بمليارات الدولارات، ولكنها حصرياً مقصورة على المستثمرين من الإمارات أو السعودية، على الرغم من المشكلات الواقعية الحقيقية التي أعلن عنها مستثمرون سعوديون غير مرة، وأنهم يعلقون أعمالهم في مصر حتى تنتهي هذه المشكلات.

المطلع أو المتابع على تلك الأخبار التي تحرص على نشرها وسائل الإعلام المصرية نقلاً عن المسؤولين الحكوميين، يشعر أن مصر أصبحت حكراً على هؤلاء المستثمرين من الإمارات أو السعودية، فلا يراها غيرهم، وكأن الاستثمار في مصر لا يستلفت نظر مستثمرين من دول أخرى.

ومن يرصد ما أعلن عنه من تلك المشروعات الوهمية، يخيل إليه أن مصر أصبحت في حالة من الانتعاش الاقتصادي الذي قضى على البطالة، وقلص الفقر، وغيَّر من هيكل الناتج المحلي الإجمالي، بطريقة تجعل مصر في مصافّ الدول المتقدمة، ولكن الواقع المرير هو ما يعيشه المواطن، من ارتفاع أسعار يلهب ظهور أرباب الأسر، واتساع دوائر الفقر، وزيادة التبعية للخارج بالمزيد من الاستيراد، ووصول فاتورة الواردات لما يزيد على 60 مليار دولار، في الوقت الذي تتراجع فيه الصادرات بنسبة تقترب من 20%.

مهام مهملة

إن المهمة الحقيقية للهيئة العامة للاستثمار أن تتوافر لديها دراسات حقيقية وجادة عن واقع الاستثمار في مصر، وما مقومات الاستثمار التي يمكن أن تسترعي انتباه المستثمرين الأجانب، وكذلك معوقات الاستثمار التي تنفر المستثمرين من القدوم لمصر على مدار عقود، رغم الحديث المتكرر في المؤتمرات الإقليمية والمحلية عن ضرورة الاستثمار في مصر.

ولا ينبغي أن يتوقف دور هيئة الاستثمار على مجرد معرفة ورصد مقومات ومعوقات الاستثمار، ولكن أن ينتقل إلى العمل على إزالة هذه المعوقات من خلال تعاونها مع بقية مؤسسات الدولة، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المضمار.

ولكن للأسف فإن ما تقوم به هيئة الاستثمار، بل ووزارة الاستثمار، هو إعادة إنتاج ما أعلن عنه منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، من ضرورة تعامل المستثمر الأجنبي مع جهة واحدة، أو ما سُمي “الشباك الواحد”؛ وهي الآلية التي تم الحديث عنها منذ أن كانت هيئة الاستثمار تابعة لوزارة الاقتصاد التي كان يتولى أمرها يوسف بطرس غالي في وزارة عاطف عبيد عام 1999م.

إن الاستثمار في مصر يعاني من مشكلات حقيقية، تتمثل في نقص الطاقة، وزيادة معدلات الفساد، والبيروقراطية، ونقص اليد العاملة المدربة، وعجز النقد الأجنبي، الذي يؤخر خروج أرباح الشركات العاملة في مصر، أو المستثمرين بالبورصة، وغير هذه المشكلات الكثير.

ولكن هذه الأمور لا تحظى باهتمام هيئة الاستثمار، أو وزارة الاستثمار، فكل ما يعطي هو جمع الرسوم، والصندوق الخاص لديهما الذي يضم أرصدة بالدولار، وتوزع أمواله على العاملين به في شكل مكافآت تفوق الخيال.

  

Exit mobile version