التغيير الوزاري في مصر: عبثية المشهد العام وضبابية المجال السياسي

“العصار” توليته توحي بتغيير مهم تمهيداً لرئاسته الوزارة بصلاحيات كبرى عقب الانتخابات

الحكومة الحالية ينقصها “نظيف” رئيساً للوزراء والنظام يختزل سنوات مبارك في أشهر معدودة

 

لم يستطع المصريون كتمان ضحكاتهم المريرة وهم يشاهدون الوزراء الجدد – القدامى يحلفون اليمين الدستورية أمام الرجل الذي حلف من قبلهم أكثر من مرة على احترام الدستور ثم ألغاه – بعد القسم الأول وزيراً – ويسعى اليوم لتعديل الجديد لصالحه (بعد القسم الثاني رأساً للنظام).

أراد النظام بتغيير الوزارة أن يبدو الأمر جدياً داعياً للتفاؤل، فخرج هزلياً مثيراً للإحباط، حتى لأقرب مؤيديه وحلفائه، بداية من لحظة إعلان اسم رئيس الوزراء الجديد شريف إسماعيل الذي وصفه عباس كامل، مدير مكتب السيسي، بـ”الصايع الضايع” عندما كان وزيراً للبترول، وفقاً لما جاء في تسريب صوتي منسوب له، ومروراً بالتضارب في الأسماء المرشحة للوزارات، لدرجة أن هناك من أبلغوه بالقدوم لحلف اليمين ليلاً، وفي الصباح أنزلوه من الحافلة التي تقل الوزراء الجدد نحو القصر الرئاسي، وودعوه باعتذار لطيف عن الخطأ غير المقصود، ثم فوجئ الجميع بأسماء مغمورة تحلف اليمين أمام السيسي بدلاً من المعلن عنها ليلاً والمنشورة في جريدة “الأهرام” قبل اليمين بأربع وعشرين ساعة.

بدا للناس في البلاد أن أحداث الثلاثين عاماً التي قضاها الرئيس المخلوع مبارك، يختزلها امتداده الحالي في الحكم بحساب السنة الكاملة بشهر واحد؛ بما يعني أن السبعة وعشرين شهراً التالية لانقلاب الثالث من يوليو، هي تلخيص لأحداث السبعة وعشرين عاماً التالية لاغتيال الرئيس السادات، والبلاد اليوم في مرحلة تعيين أحمد نظيف رئيساً للوزراء، بتعيين شريف إسماعيل في هذا المنصب.

والتشابه بين الحدثين ليس كبيراً ويصل لدرجة تفوق الخيال فحسب فيما يتعلق بكون إسماعيل يشبه نظيف من حيث شاربه الأبيض المخالف للون شعره الأسود، بل كذلك في انطلاق كلاهما من وزارات لم تخرج أبداً رؤساء للوزارات (الاتصالات في حالة نظيف، والبترول في حالة إسماعيل)، وكون الاثنين هما مجرد واجهة لحكم آخرين من خلف الكواليس جمال مبارك في حالة نظيف، وعباس كامل في حالة شريف إسماعيل، وهو ما دعا تامر خميس، القيادي الوفدي، للقول: إن التشكيل الوزاري الجديد جاء لاستفزاز الشعب المصري؛ لأن معظم الوجوه التي ظهرت فيه محسوبة على عهد البائد مبارك.

وتابع ساخراً: “مكنش ناقص إلا أحمد نظيف وتصبح نفس وزارة 2010 بالضبط”، مشيراً إلى أنه غير متفائل من عمل الحكومة الحالية ولا يتوقع منها الخير.

وربما يمتاز شريف إسماعيل عن نظيف بكونه متورطاً حتى النخاع ومن قبل أن يأتي وزيراً في صفقات ليست فوق مستوى الشبهات تتعلق بإهدار الثروة الوطنية من الغاز الطبيعي لصالح العدو الصهيوني بأسعار أقل من العالمية.

والأدهى أن التشابه امتد لأسماء وزراء اختارهم نظيف في مستويات المسؤولية المختلفة، مثل أحمد زكي بدر الذي اختاره نظيف وزيراً للتعليم وجاء به إسماعيل وزيراً للتنمية المحلية، وياسر القاضي الذي اختاره نظيف رئيساً لهيئة تكنولوجيا المعلومات وجاء به إسماعيل وزيراً للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

ذلك فضلاً عن الاستعانة بعدد من الوجوه التي سبق وأن تولت المسؤولية كوزراء في حكومات سابقة مثل هشام زعزوع وزير السياحة الذي تولاها منذ عام 2012م وحتى ستة شهور مضت حينما خرج من الوزارة بشكل مهين، وإجمالاً فقد تم تغيير 15 وزيراً من جملة 32 وزيراً بنسبة أقل من النصف، فيما يشبه التعديل وليس التغيير.

طرائف وعجائب الوزراء

بدا للناس أيضاً أن النظام الحاكم في مصر لا يثق إلا في رجاله المقربين في الأجهزة المختلفة، الذين حذروه من تزايد السخط العام بين المصريين تجاه حكومة إبراهيم محلب، وضرورة تغييرها حتى يعتدل المزاج العام، لاسيما عقب اتهامات لعدد من وزرائها بالفساد في قضية فساد وزارة الزراعة التي طالت الاتهامات فيها عدة وزراء دفعة واحدة، منهم وزيران بقيا في الحكومة الجديدة بينما جرت الإطاحة بأربعة هم صلاح هلال، وزير الزراعة، وعادل لبيب، وزير التنمية المحلية، وعادل العدوي، وزير الصحة، ومحب الرافعي، وزير التعليم.

غير أن التغيير جاء بنتيجة عكسية تماماً، ولم يخفف الاحتقان بل ضاعفه ببؤس مرير، لم يتوقف عند حد اكتشاف رواد مواقع الواصل الاجتماعي صفحة عجيبة للهلالي الشربيني، وزير التعليم الجديد، على موقع “فيسبوك”، مليئة بالأخطاء الإملائية الفاحشة والصداقات “غير البريئة” حتى وصفوه بأنه وزير تعليم ساقط ابتدائية، وهو ما دعاه لإغلاق الحساب على “فيسبوك” بعد أن ساعات من فضح ضحالته اللغوية.

وبمراجعة تصريحات الوزراء الجدد عندما كانوا في مواقع سابقة، نجد أن وزير التعليم يدلي بتصريحات قذافية (نسبة لمعمر القذافي وتصريحاته المضحكة) موجهاً حديث للمدرسين: “اشتغل الصبح في المدرسة وادي دروس بعد الضهر!”

لكن رئيس هيئة الطرق والكباري السابق سعد الجيوشي، وزير النقل الجديد، يصرح تصريحاً أكثر قذافية مفاده: “لو صلحنا الكباري الحوادث هتزيد!”.

ومما ننشر بالصحف في وقت سابق أن ابن وزير النقل الجديد تضاعفت أرباح شركته 30 ضعفاً بعد تولي والده رئاسة هيئة الطرق والكباري، بينما وصفه أبوه ساعتها بأن ابنه ناجح، مؤكداً معرفة الرقابة الإدارية بكل تفاصيل أعماله.

وبدا تصريح أحمد الزند، وزير العدل، جاداً وهو يقول: “أولوياتي تحقيق العدالة الناجزة وتعديل التشريعات العقيمة”.

أما الصحفي حلمي النمنم الذي جيء به وزيراً للثقافة والذي صرح فور حلف اليمين بأن مهمته هو تطوير الخطاب الديني والثقافي، فهو صاحب مقولة: “محاكمة مبارك تعني لي شخصياً محاكمة مصر”، فضلاً عما قاله بحق مصر نفسها وأنها “علمانية بالفطرة”، وجاءت تلك التصريحات المثيرة التي قالها وهو لا يعلم أنه في بث مباشر على الهواء على قناة “أون تي في” والتي وصف فيها أيضاً حزب “النور” السلفي بـ”الزوجة الخائنة التي تهدد زوجها بخيانته جهرة كلما امتنع زوجها عن دفع المصروف الشهري!”، وطالب بمحو كل ما يتعلق بما يسميه “الإسلام السياسي” من الخارطة.

ومن أقواله الخالدة أيضاً التي سيخلدها الشعب ضمن أخريات في مجلدات للتاريخ يعلم بها الأجيال كيف كانت النخب المصطنعة زوراً والتي استوزروها في غفلة من الجميع ما قاله قبل مذبحة “رابعة العدوية” بأسابيع: “خلونا بقى نتكلم بصراحة ونبطل الرومانسيات، مفيش ديمقراطية، ومفيش مجتمع انتقل للأمام بدون دم، فيه دم نزل، ودم هينزل، وهينزل، قضيتنا إننا منعملهاش حرب أهلية، ومنعملوش دم غزير”.

لذلك كله جاء رد طلاب جامعة حلون له وهو في زيارته لها لإلقاء محاضرة بالرجم بالأحذية في فيديو شهير متداول على “اليويتوب”، فكان أن عوضه النظام بالوزارة تطييباً لخاطره.

أما جمال سرور، وزير القوى العاملة الجديد، فقد ترقى منذ شهرين فقط وكيلاً أول للوزارة، ويعلق العاملون بالوزارة على تعيينه بالقول في صفحاتهم بـ”فيسبوك”: “هو رمز البيروقراطية العقيمة.. دفتري حتى الصميم.. مرتعش”.

باقي الوزراء على نفس الشاكلة، إما مغمورون وإما مشهورون بالكوميديا السياسية، باستثناء واحد فقط حظي بالاهتمام والتعليق هو اللواء محمد العصار، عضو المجلس العسكري، الذي اختير وزيراً للإنتاج الحربي، وهو الرجل الذي استشهد به د. محمد بديع، مرشد الإخوان، ليبرئ ساحته مما نسب إليه، وبدا أن الرجل يريد تقاعداً مريحاً بعد أن يحصل على لقب وزير.

غير أن هناك تحليلاً آخر مفاده، أن العصار الذي يصفه البعض بكونه مهندس العلاقات العسكرية المصرية الأمريكية (والروسية أيضاً)، سيأتي رئيساً للوزراء بعد انتخابات البرلمان المقبلة، لتكون له الصلاحيات الأكبر في إدارة البلاد وفقاً لنص الدستور، هذا في حال فشل سيناريو تعديل الدستور لوضع الصلاحيات الكبرى في يد السيسي كما يريد، وحتى لا تخرج السلطات الرئيسة في البلاد من أيدي العسكريين الثقات.

صدمة المؤيدين

د. نادر نور الدين، الخبير الزراعي والأستاذ بكلية الزراعة، وأحد المؤيدين للنظام الحالي يعلق علي التغيير الوزاري قائلاً: أحمد زكي بدر، وزير الحزب الوطني وعضو لجنة سياساته، سيشرف على الانتخابات التي ترشح لها 800 عضو بالحزب الوطني! ووزير التموين لن يترك الوزارة حتى يغلق مصانع السكر ويسلم مفاتيح الأسواق لرئيس الغرفة التجارية، ووزير البيئة مستمر حتى ينتهي من مشروعه بإضافة الفوسفات إلى مياه نهر النيل لتحسين مواصفات المياه وتعميم نفوق الأسماك على جميع المحافظات، أما وزير الري فهو قاعد على قلبنا حتى تأتي إثيوبيا على كل السدود ويسبب شللاً للشارع المصري.

أما خالد داوود، المتحدث باسم حزب “الدستور”، فيقول: لم يلق كثيرون بالاً لحقيقة أنه تم إلغاء وزارة العدالة الانتقالية، ومعها رسمياً أي مطالب بالمحاسبة على كل الدم الذي سال منذ انطلاق ثورة 25 يناير، ورجعت وزارة لشؤون مجلس النواب مثل أيام مفيد شهاب، هذا ليس معناه أن وزارة العدالة الانتقالية في ظل إبراهيم الهنيدي أو الرجل الطيب الذي سبقه عملت أي شيء نهائياً، لكننا الآن نسفنا حتى مجرد الاسم!

ويؤكد د. صلاح جودة، الخبير الاقتصادي، أن المهندس شريف إسماعيل لم يوفق في اختياره للوزراء، مشيراً إلى أن الوزارة تعد مثل أول حكومة شكلها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك برئاسة فؤاد محي الدين عام 1982م، فنفس الوجوه ونفس الطريقة في الاختيار غير الدقيق.

وأضاف جودة، في تصريحات صحفية، أن التعبير الأصح الذي يطلق على هذه الوزارة هي حكومة موظفين، ليس بداخلها أي نوع من الإبداع في الاختيار، حيث احتفظ شريف إسماعيل بوزراء المجموعة الاقتصادية، كما هم رغم فشلهم في المؤتمر الاقتصادي، وتخفيض قيمة الجنيه وخفض الصادرات من 23 إلى 19 مليار جنيه في عهدهم بالإضافة إلى عجز الموازنة العامة للدولة بفارق 13 مليون جنيه.. فلماذا الاحتفاظ بهم؟

وأكد جودة أن شريف إسماعيل غير موفق في اختيار أحمد زكي بدر وزيراً للتنمية المحلية والسبب في طلاقة لسانه، وما يشتهر به من السب والقذف في أي مكان ولأي شخص، ونحن على وشك الدخول لمرحلة انتخابات برلمانية والأضواء ستكون مسلطة عليه فكيف جاء مثل هذا الاختيار.

وأخيراً وليس آخراً، فمما ينبئ به مسار الأحداث الذي يلخص في شهور سنوات مبارك الثلاثين، أنه كما كانت الوزارة الحالية شبيهة بوزارة نظيف، فإن الانتخابات المقبلة ستكرر انتخابات 2010م التي كانت القشة التي قصمت ظهر مرحلة مبارك في نظام يوليو، والجميع في انتظار 25 يناير الثانية.

Exit mobile version