تونس: جرائم الأمن تثير حفيظة المدافعين عن حقوق الإنسان

بدعم من عدد من المنظمات الحقوقية، مثل مرصد الحقوق والحريات، و”هيومان رايتس ووتش”، والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عقدت أسرة فتاتين قتلتا العام الماضي، في محافظة، القصرين، على يد قوات الأمن، مؤتمراً صحفياً استعرضت فيه تطورات الملف بعد سنة من فاجعة مقتل ابنتيهما أحلام وأنس دلهومي.

ورغم أن المؤتمر يتعلق بجريمة بعينها، فإن الحقوقيين جعلوه فرصة للحديث عن الاعتداءات الأخرى، التي تكررت، كما لو لم يكن هناك تجريم للتعذيب في الدستور الجديد، والقانون، وتحذيرات متكررة من مغبة اللجوء إليه (التعذيب) من أجل نزع الاعترافات، وربما التنفيس عن كراهية دينية مستترة، أو كراهية أيديولوجية مخبأة تحت الزي الحكومي، ولباس بعض مؤسسات الدولة، والأمر يتعلق ببعض عناصر وقيادات أمنية.

والد الضحيتين (وهما تونسيتان تحملان الجنسية الألمانية) تحدث بألم شديد وهو يخنق عبراته عن مواصلة ممارسة نفس سياسة صم الآذان من قبل السلطات التونسية حيال ملف القتيلتين، أحلام وأنس، معرباً عن أمله في أن تنتهج السلطات التونسية، السياسة التي تنتهجها ألمانيا التي تحمل الضحيتين جنسيتهما، وطالب السلطات التونسية بأن تدافع عن حق الضحيتين، كما دافع عنهما بلدهما الثاني ألمانيا التي تمارس ضغوطاً من أجل كشف الحقيقة كاملة.

كما طالب وزارة الداخلية التونسية بالاعتذار عن التصريحات التي أدلى بها المتحدث الرسمي الأسبق محمد علي العروي، والتي وصفها بالمضللة والخاطئة، وقال الأب المكلوم: أحلام قتلت اليوم على يد الأمن التونسي، بالنسبة لي، وستظل تقتل يومياً وأعيش حرقة فراقها إلى حين الاعتراف بالحقيقة التي تؤكدها طبيعة الأرض، وشهادة الشهود، واعترافات بعض العناصر الأمنية التي حضرت المشهد الدموي في القصرين، وذكر بأن ابنته كانت متفوقة في دراستها، وكانت تحلم بأن تكون مدعياً عاماً في ألمانيا.

وكشف عن تعرضه للتهديد من أجل التخلي عن قضية ابنته، ونقل عن عمدة بون قوله: أحلام كان لها قلب نصفه في ألمانيا ونصفه في تونس، ولكن عندما عادت إلى تونس تلقت رصاصة في الرأس، واستصرخ المنظمات الحقوقية، والشخصيات الاعتبارية، وكل من يمكنه التأثير المساعدة من أجل أن تقول العدالة كلمتها في القضية.

وكان القضاء قد أوقف 13 أمنياً ضمن القضية، لكنه أطلق سراحهم جميعاً، إلا واحداً لا يزال رهن الإيقاف، ويتهم دلهومي رجال الأمن المتهمين بسرقة هواتف الضحايا الخمسة وأموالهم، إبان الحادثة التي وقعت في شهر أغسطس 2014م، حيث قتلت كل من أحلام وأنس دلهومي، وجرح ثلاثة آخرون.

رواية كاذبة

عضو مرصد الحقوق والحريات، المحامي رفيق الغاق، والذي يتولى مهمة الدفاع عن الضحايا، بدأ حديثه بقول شقيقة الضحية أحلام دلهومي، وتدعى سندس دلهومي: عندما سمعت صوت الرصاص، ونحن في السيارة، وضعت يدي على رأسي فإذا جزء من مخ أحلام يكلله.

وكذب الغاق تصريحات رجال الأمن الذين ذكروا أنهم وضعوا حاجزاً، وطلبوا من مستقلي السيارة المنكوبة الوقوف إلا أنهم لم يمتثلوا للأمر، لكن التحريات أكدت أن إطلاق النار تم دون تحذير ولم يكن هناك حاجز أمني، ولا يسمح الطريق لسالكيه بالسرعة، وأشار إلى أن الأمنيين يمكنهم أن يخطئوا لكن الاعتراف بالخطأ واجب، على حد قوله.

واتهم عناصر أمنية بتزوير الإفادات الاستخبارية، إذ تحولت معلومة “سيارة مشبوهة” إلى “سيارة مملوءة بالإرهابيين”، وأكد أن الأوامر كانت إطلاق النار على أي مار حتى لو كان طائرة، متسائلاً عمن يتحمل المسؤولية عن هذه الأخطاء، ويجيب بأنه “لا أحد”.

وأردف قائلاً: رئيس المجموعة الأمنية، طلب الإصابات جميعها على مستوى الرأس والتحقيقات التي جرت تؤكد أنه لم تكن هناك أي علامة تفيد بأن هناك نقطة تفتيش أمنية، ولم يكن هناك أي إشارة تفيد بأن هؤلاء رجال أمن، وذكر المحامي بحادثة تعرض فيها محامي لاعتداء من قبل رجل أمن، وعندما علم الأخير بأنه محامٍ اعتذر له قائلاً: عفواً أستاذ، ظننتك مواطناً.

وأضاف أن العناصر الأمنية بعد مقتل الفتاتين فروا من المكان، ولم يستجيبوا لصرخات إحدى الجرحى (تدعى زهور) وهي تمسك بأكمام أحدهم وهي ترجوهم نقل الضحايا إلى المستشفى، فضربوها حتى سقطت، ولم ينقلوا الضحايا السبعة وهم بين قتيل وجريح إلى المستشفى، وعندما تم نقل الضحايا إلى المستشفى لم يتم إسعافهم في الحال، وتأخر ذلك لمدة ساعة كاملة، وتم التحرك بعد أن علمت السلطات أن القتلى يحملون الجنسية الألمانية.

ولم يتم توقيف العناصر المتورطة إلا بعد ستة أشهر من الجريمة، ومورست ضغوط على القضاء، لدرجة طلب فيها الدفاع نقل القضية من القصرين إلى صفاقس، ولا توجد ضمانات كما قال المحامي الغاق لـ”المجتمع” لعدم تكرار تلك الضغوط في صفاقس.

الإفلات من العقاب

أما في ألمانيا فقد تشكلت منظمة تحمل اسم” الملكين” ترمز إلى أحلام وأنس دلهومي، وهي لا تدافع عن حق الضحيتين فقط بل كل الضحايا الذين سقطوا قبل وبعد أحلام وأنس، وقد مارست المنظمة ضغوطها على الحكومة الألمانية لتضغط بدورها على الحكومة التونسية من أجل كشف الحقيقة كاملة، ومحاسبة كل من تورط في دم الضحيتين، وجبر الضرر المعنوي والمادي لصالح ورثتهما.

ولم يرغب رئيس المنظمة في الكشف عن طبيعة الضغوط الممارسة على الحكومة التونسية، مكتفياً بالقول: إن الحكومة التونسية تعي جيداً، وعلى علم بالموقف الألماني، وعقب المحامي وممثل العائلة رفيق الغاق، قائلاً: الجنسية الألمانية للضحيتين ساعدت كثيراً، مذكراً بتصريحات لأحد المسؤولين في بلد عربي عندما حمد الله على أن جميع ركاب الأتوبيس السياحي من أبناء البلد وليسوا أجانب.

ممثلة منظمة “هيومان رايتس ووتش”، آمنة القلالي، أدانت الاتهامات التي تكال من قبل بعض النقابات الأمنية وبعض السياسيين، وبعض وسائل الإعلام من فلول النظام الاستبدادي السابق للمدافعين عن حقوق الإنسان، لدرجة وصفهم بأنهم ينطلقون من نفس المنطلقات الفكرية للإرهابيين، أو أنهم إرهابيين أو أصدقاء للإرهابيين ومدافعين عنهم.

وقالت لـ”المجتمع”: إن هذه الاتهامات تنم عن عقلية مريضة، تجمع بين الإرهاب والدفاع عن حقوق الإنسان، وهي من شأنها أن تغذي الإرهاب وليس القضاء عليه، وتطرقت القلالي لحادثة تعذيب سبعة شبان متهمين بالانتماء للجماعات الإرهابية كانت مجرد شبهة، سولت لعناصر الأمن تعذيب هؤلاء الأبرياء الذين برأهم القضاء، هذه ممارسات وحملات تشجع الإرهاب وتعطي مسوغات جديدة لاستقطاب المزيد من الشباب في صفوف الإرهاب.

رئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، راضية النصرواي، اعتبرت في تصريحات خاصة لـ”المجتمع” أن الإفلات من العقاب وراء تكرار حالات ممارسة التعذيب، وأحياناً القتل، وحملت القضاء المسؤولية عن تأخير البت في الكثير من القضايا، لاسيما القضايا التي يكون رجال الأمن طرفاً فيها.

وقالت: إن أكبر داعم للإرهاب هو تبرير الخروقات في مجال حقوق الإنسان باسم محاربة الإرهاب، وطالبت المجتمع المدني بالاتحاد من أجل وقف سياسة الإفلات من العقاب، مشيرة إلى أن كل القضايا التي نجد رجال الأمن طرفاً فيها لا يتم البت فيها بالسرعة المطلوبة.

وأضافت أن مثل هذه السياسات أو الغفلة تشجع المجرمين على المضي قدماً في ممارسة التعذيب الذي يجرمه القانون، إذ إنه لا يمكن للخروقات أن تنتهي وللتعذيب أن يتوقف إلا بإصدار الأحكام الرادعة في حق المتجاوزين للقانون وفي آجال قياسية.

Exit mobile version