تونس: قانونا المالية التكميليان.. مكافأة للصوص بن علي وإهدار لأموال الشعب

لا يزال قانونا المالية التكميلي، وقانون رسملة البنوك العمومية لعام 2015م يثيران الكثير من ردود الأفعال، لاسيما وأن قانون المالية التكميلي أدى لتضخم في الرواتب (42% من ميزانية الدولة)، وتراجع في ميزانية التنمية؛ وهو ما يعكس بصفة واضحة وجلية، وفق خبراء، الصعوبات التي تمر بها تونس، ويؤكد الافتقار لإجراءات جذرية تمثل قوة دافعة للنمو وتوفير فرص العمل؛ وبالتالي تحريك اقتصاد البلاد.

بل العكس هو الذي حصل، حيث ارتفع مستوى الاقتراض الخارجي من نحو 60% إلى ما يقارب الـ84%، وفق تقرير لخبراء اقتصاديين تونسيين، وهو ما سيكون له انعكاس سلبي مباشر على استقلالية القرار، ويهدد بإغراق الأجيال القادمة في دوامة الديون التي سيكون لها انعكاسات خطيرة تضاهي ما يحدث اليوم لليونان.

خيبة أمل كبيرة

أثناء حكم الترويكا (ائتلاف حاكم ضم ثلاثة أحزاب ذات أغلبية ممثلة في المجلس الوطني التأسيسي التونسي) كان ما يوصفون بالخبراء الاقتصاديين الذين يديرون دفة الاقتصاد التونسي، يتحدثون عن عجز الترويكا عن تحريك عجلة الاقتصاد، على الرغم من أن الاقتصاد حينها حقق معدل نمو بلغ 3.5%، وبعد أن أصبح الاقتصاد تحت إدارة هؤلاء لم يتجاوز معدل النمو 1%، وأثناء الحملة الانتخابية كان الباجي قائد السبسي يفاخر بالبرنامج الاقتصادي لحزبه وبكوادره الذين قال عنهم: إنهم بإمكانهم تشكيل 4 حكومات، وهو ما أصبح مثار تندر التونسيين فيما بعد.

وجاء في تقرير للمنتدى الاجتماعي الاقتصادي التونسي حول قانون المالية التكميلي؛ تراجع الإنفاق العام وتسجيل عجز بالموازنة قدره 100 مليون دينار تونسي خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015م، مقابل فائض قدره 71 مليون دينار خلال الفترة ذاتها من عام 2014م، وارتفع الدين العام في الأشهر الخمسة الأولى للعام الحالي 41495 مليون دينار، مقابل 38325 مليون دينار في الفترة نفسها من عام 2014م.

ويقول الخبير الاقتصادي عبدالجليل البدوي لـ”المجتمع”، معلقاً على الوضع الاقتصادي التونسي: إنه بجانب الاختلالات الاجتماعية، يجب لفت النظر إلى الاختلالات القطاعية التي تتمثل في التركيز على السياحة على حساب الزراعة التي تمثل 12% من الناتج المحلي الإجمالي، و16% من العمال، و11% من تصدير السلع، في حين لا تمثل السياحة سوى 7.4% من الناتج المحلي، ونحو 14% من العمال.

ميزانية الأثرياء

وبحسب تقرير “نيو ورلد ويلث”، تعتبر تونس الثامنة في أفريقيا بـ6500 مليونير و70 ملياردير، يملكون ما يزيد على 37 مرة من حجم ميزانية الدولة المقدرة بـ29 مليار دينار تونسي، ومع ذلك يمنح قانون الميزانية التكميلي تعويضات وتسهيلات وإعفاءات لأصحاب الفنادق والمنتجعات السياحية، ويمنح قانون رسملة البنوك الحكومية تلك البنوك أموالاً لتعويض القروض غير القابلة للاسترداد؛ لأنها منحت دون ضمانات، وذلك بدلاً من محاسبة المسؤولين في تلك البنوك عن الفساد وتتبع من لم يسدد القروض التي حصل عليها، ورغم أن الفنادق والمنتجعات والسياحة عموماً تضررت من العملية الإرهابية في سوسة، فإن كثيراً من السياسيين والناشطين في المجتمع المدني أعربوا عن رفضهم دعم أصحاب الفنادق والمنتجعات السياحية بالأموال مهما كانت المبررات، لاسيما وأن هناك أكثر من مليوني نسمة تحت خط الفقر في تونس.

وقال الأمين العام لحزب المؤتمر عماد الدائمي لـ”المجتمع”: لا نقبل أن تكون عملية سوسة مبرراً لمنح أموال الدولة المحدودة بسخاء فقط لأصحاب الفنادق والمنتجعات السياحية.

وتابع: أكثر من تضرر في القطاع السياحي هم العمال الذين فقدوا عملهم، والفاعلون في قطاع الصناعات الداخلية، والأدلاء السياحيون، وأصحاب المطاعم، وأصحاب وسائقو سيارات الأجرة، وحتى الفلاحون الذين يبيعون منتجاتهم للفنادق والمطاعم السياحية.

وأردف قائلاً: هؤلاء ربما ليس لديهم من يدافع عنهم مثل أصحاب الفنادق الذين يراد للمجموعة الوطنية تجميد ديونهم القديمة، ومنحهم ديوناً جديدة، ودفع استهلاكهم من الماء والكهرباء، والحال أن هذه الأزمة هي اليوم في تقدير كبار المتخصصين في ‫‏السياحة فرصة للحكومة من أجل القيام بعملية فرز حقيقية بين المشاريع الناجحة الواجب دعمها والمشاريع الفاشلة الواجب إعادة النظر فيها ورفع الدعم عنها.

وقال المحامي عمر الشتوي: للأسف التضحية مطلوبة اليوم من الشعب الكريم المطلوب منه المزيد من شد الحزام حتى يتم توفير ألف مليون دينار من أجل إعادة رسملة بنوك خربت بسبب الديون المعدومة لعدد من أصحاب الفنادق والمنتجعات وغيرهم من رجال الأعمال.

ويوضح الباحث طارق الكحلاوي في حديث لـ”المجتمع” أن الديون غير المسترجعة لكبار المستثمرين والمضاربين والمتحايلين، سيتحملها عملياً المواطن البسيط بمعدل 100 دينار تونسي لكل مواطن، في حين لا يستطيع المواطن ذاته، الغارق في شتى أنواع القروض أن يتأخر كثيراً عن دفع قروضه البسيطة، مقارنة بالقروض غير المسترجعة التي تحصل عليها الحيتان الضخمة.

وواصل: نحن هنا بصدد ديمقراطية أوليجارشية، يصوت فيها أساساً الفقراء ومتوسطو الدخل، ويستفيد منها قلة من الأثرياء، أي عملية تحايل على المعنى الأصلي للديمقراطية، وفي هذه الأثناء تم التمديد لحالة الطوارئ، ضد من يمكن له أن يحتج تحت عنوان مقاومة الإرهاب.

وقال عمر الشتوي: بسرعة البرق تم عرض قانون إعادة رسملة البنوك الحكومية، على الجلسة العامة للبرلمان، وتم حجب محتوى المدققين الخاصين بالشركة التونسية للبنك، وبنك الإسكان حتى بالنسبة لغالبية النواب، وفي الوقت نفسه تم التصويت على دفع أكثر من 800 مليار من أموال دافعي الضرائب، لسد عجز البنكين على أساس التقريرين، فوق ذلك فإن التقريرين المحجوبين يتضمنان توصيات بخصخصة جزئية، ولا يبدو لمن اطلع عليهما بشكل سري أن هناك ما يبرر ذلك.

وحسب بيان منظمة “أنا يقظ” غير الحكومية، فإن هناك تضارب مصالح واضحاً بالنسبة لأحد مكاتب التدقيق التي تكفلت بملف بنك الإسكان، ويذكر نص البيان أن مكتب التدقيق والمراقبة المسمى Ficom ملك المدعو منجي بكار، شقيق توفيق بكار، وزير المالية في عهد بن علي (عام 1999م) ثم محافظ البنك المركزي التونسي (من 2004 حتى 17 يناير 2011م) حيث تمت إقالته عقب الثورة، ليواجه تهماً تتعلق بالفساد وإهدار المال العام.. وحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، يتحمل توفيق بكار مسؤولية كبيرة في الوضع المتردي الذي وصلت إليه البنوك العامة الثلاثة، حيث قام بإسقاط جملة من ديون رجال الأعمال الفاسدين دون سند قانوني، وتطبيقاً لتعليمات خطية من بن علي.

يذكر أن قانون “إعادة رسملة البنوك العامة” الذي تضغط من أجل تمريره المؤسسات المالية الدولية، وحاولت مجموعة التنكنوقراط تمريره عبر المجلس التأسيسي في سبتمبر 2014م لكنها لاقت رفضاً حينها، يستهدف سد العجز الكبير في ميزانيات ثلاثة بنوك عامة أساسية معرضة للإفلاس، وتضررت من منح قروض دون ضمانات وبطريقة المحاباة خلال عقدين على الأقل، لحاشية نظام بن علي والمقربين منه، ولم يسددوا قروضهم. وفي مارس 2014م في جلسة مغلقة في المجلس التأسيسي قدر محافظ البنك المركزي قيمة هذه الديون بحوالي 12 ألف مليار دينار تونسي.

ويتم الدفع للمصادقة على هذا القانون دون اطلاع الرأي العام، بل وأيضاً قسم كبير من نواب الشعب (البرلمان)، على تقارير التدقيق للبنوك العامة الثلاثة، وسيتم تطبيقه عملياً في الشهر الجاري على الأقل بالنسبة لأحد  هذه البنوك.

من جهته، اعتبر عدنان منصر، المستشار السابق للرئيس المنصف المرزوقي، أن مشروع المصالحة الذي وافقت عليه الحكومة دون أن تناقشه لأنه جاء إليها يسعى من قرطاج (القصر الرئاسي) هو قانون لمكافئة اللصوص والاعتذار لهم، وأضاف: حق للصوص أن يستردوا ما أنفقوه في الانتخابات وقبلها وبعدها.. إنه قانون يعاقب الفقراء ويبتزهم ليعطي أموالهم للمتحايلين على الضرائب، وتعهد بمقاومة ذلك بقوله: سنقاوم القانونين ما وسعنا الأمر، وسنعتبرهما جريمتين في حق كل فرد من أفراد هذا الشعب.

Exit mobile version